الاستبداد باسم الدين – الكرسي ولو في جهنم !

أجاز الفقهاء مبايعة المتغلب بالسيف وذات المدرسة الفقهية هي التي حرَّمت الخروج على الحاكم ! فكيف جاء هذا التناقض الذي لا يتفق مع أصول الإسلام ومقاصده ؟!

تتجدد الفتوى بتطور العصر و بحسب النوازل و بتجدد الأحداث و كان ينتظر من الفقهاء أن نصل إلى جواز مبايعة المتغلب بالاقتراع والانتخاب والمعبر عن إرادة الشعب والأمة لكن سُدَّ باب الاجتهاد في هذه المسألة بالذات رغم أن سيدنا عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عن ـ قال : ” يتجدَّدُ للناس من الأحكام بقدر ما جدَّدُوا ” .

الكرسي ولو في جهنم

إن النظم الاستبدادية في العالم تراهن على بقائها في الحكم واستمرارها قابضة على السلطة وليس على إنجازها أو شرعيتها ولا تبالي بحكم التاريخ و تسخِّر كل وسائل القمع والقهر ولسان حالها ” الكرسي ولو في جهنم ؟! ” .

قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع فكلما جاء من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره ” .

يجب أن نتفق على أن الحكم في الإسلام ليس من أصول الاعتقاد وليس منحة أو اختيار إلهي وإنما قال سيدنا عثمان بن عفان : ” والله لن أخلع ثوباً ألبسنيه الله ” باعتبار الأمانة التي آلت إليه ولو أنه تخلى عنها لكانت خيانة للأمانة فضلاً أنها ستكون سابقة في التاريخ الإسلامي يرتكن لها كل جماعة مسلحة تتواطأ للخروج على الحاكم، وما قصد سيدنا عثمان ما ألقاه على لسانه فقهاء الاستبداد لأنه رضي الله عنه يعلم كيف جاء للخلافة بعد قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه و الذي لم يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه ولكنه جعلها شورى بين ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و لو كان الحكم في الإسلام منحة ربانية و ثوباً يختص الله به من يشاء من عباده لأوصى سيدنا عثمان بمن يخلفه ؟ و ما احتاج الحاكم للمبايعة وطالما محتاج لها فتجوز البيعة أو عدم المبايعة فما هي الآلية التي تنظم هذا الاختلاف المشروع والذي هو سنَّة من سنن الله في خلقه لاختيار الحاكم في العالم الإسلامي ليصل من يعبر عن إرادة الناس للحكم بعد أكثر من أربعة عشر قرناً من نزول الإسلام ؟! مع الأسف حتى يومنا هذا توقف بنا الاجتهاد الفقهي عند المتغلب بالسيف !!

المتغلب بالسيف

وحتى لا نكون متعمقين في السطحية ولا متعاظمين في الفراغ فإن مبايعة المتغلب الذي قهر الناس بالسيف ثبت شرها العظيم ومفسدتها وهي سبب ما يعانيه المسلمون اليوم بل هي الفارقة التي فصلت واقع المسلمين عن عظمة هذا الدين لأنها كانت تبريراً للاستبداد و غطاء شرعياً لاستمرار الظلم مع أن البيعة يشترط فيها توافر شرطي الرضا وحرية الاختيار وهما أساس الحكم في الإسلام الذي يتميز عن غيره بل و سبق النظم السياسية الحديثة بالشورى ! قال تعالى : ” وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ” ولحكمة من الشارع سبحانه ذكرت هذه الآية في سورة الشورى .

إذا كان الحكم في الإسلام من الفروع وليس الأصول لماذا وحتى اليوم لا تجوز مراجعة فتوى جواز حكم المتغلب بالسيف و استمرار حكم المستبد الظالم والفاشل و إحاطتها بهذه الهالة من التقديس والتحريم وتقديم مصلحة الحاكم على مصلحة الأمة ؟

لا دين في السياسة

و إمعاناً في التضليل قالوا ” لا دين في السياسة ” ومنذ فصلوا الدين عن السياسة صار يخجل من جاهليتها الميكافيلية ! لأن السياسة وظفت الدين لخدمة مصالح أشخاص وثبوا إلى السلطة وكرسي الحكم فرغبوا في عزل الإسلام كنظام حياة و تجريد المسلم من سر قوته لتزوير إرادة الناس وإكراههم على الرضا بالذل والقهر و ليصبح الناس على دين ملوكهم ! بل روَّج الحكام ومن دار في فلكهم من فقهاء السلطة أن السياسة نجاسة ! والديمقراطية كفر ؟!

وما الديمقراطية إلا نظام سياسي اتفق عليه الغرب بعد عصور طويلة من الظلام كآلية لتنظيم تداول السطلة واختيار الحاكم واتخاذ القرارات التي ترتبط وتنعكس مباشرة على حياة الناس اليومية وهذا النظام السياسي جعل حق الأمة فوق الحكم والسلطة و يمكن تغييره وتبديلة بحسب المرجعية الإسلامية حتى لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما وأي حرام في ممارسة الناس حقهم في اختيار حاكمهم وأي حرام أكبر من أن نشرِّع للظالم المستبد البقاء في الحكم باسم الدين ؟!

المستبد العادل

المستبد العادل ؟! كانت فصلا آخر من فصول التحايل على الإسلام بطرح تناقضات لا تجتمع بل و تتصادم مع العقل و مقاصد الإسلام الخمسة : حفظ العقيدة والنفس والعرض والمال والعقل وهذه الخمس لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفر المقصد الكلي وهو حفظ إرادة الأمة في اختيار من يحكمها ثم لم يقل لنا العلماء ما هو شكل الحكم الرشيد الذي يرضي الله تعالى ؟ هل الحكم العضوض أم الحكم الجبري أم حكم المتغلب أم الحكم الذي يعبر عن إرادة الناس باعتبارهم أدرى بشؤون دنياهم ؟!

فيديو عن مقال الاستبداد باسم الدين – الكرسي ولو في جهنم !

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان