الاستفزاز الديني والتطرف الإنساني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن مما برأ الله عليه الخليقة مبدأ التعايش ، فقال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُو إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } 13/ سورة الحجرات.

ومما أكرم به عباده أن بعث إليهم الرسل للهداية ، وبسط لأنبيائه كل وسائل وأساليب التعامل مع الخلق فأمر نبيه بقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } 125/النحل

وأمر موسى عليه السلام وأخاه هارون عن فرعون بقول تعالى{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} 44/ طه

وأمر اليهود والنصارى بقوله تعالى {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 171/ النساء
كما امتلأت مصنفات السنة بالنهي عن التطرف ، فقد جاء في عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ {هَاتِ الْتَقِطْ قَالَ فَالْتَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ ثَلاثَ مِرَارٍ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ} رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وغيرهم بألفاظ مختلفة. فكل تشدد في شيء يعتبر من التطرف أي كشد الحبل من الطرف فيمزقه ويقطعه.

الاستفزاز الديني

إن محاربة الإسلام للغلو لإبقاء الأمر على اليسر العادي بين الناس في تنفيذ أحكام الله تعالى. ومع ذلك أحاط الإسلام هذه المسألة من كل جوانبها كي يتجنب اففراط ، ومنها استفزاز المسلمين من قبل المسلمين أوغيرهم.

إن الاستفزاز مثير للفعل ورد الفعل ، كونه يهين مزاعم الشخصية والكرامة ، فيجعل الآخر ينتـفض لرد الاعتبار ، فيبدر منه بسبب اللغط ما لا تحمد عقباه من عنف كلام إلى شجار إلى ضرب إلى اقتتال.

وهو من إعانة الشيطان على الشخص : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: {أُتِيَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِرَجُلٍ سَكْرَانَ ، فَقَالَ: ” اضْرِبُوهُ “، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ , وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – لِأَصْحَابِهِ: بَكِّتُوهُ ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللهَ؟ , مَا خَشِيتَ اللهَ؟ , وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -؟ , ثُمَّ أَرْسَلُوهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا الشَّيْطَانَ عَلَى أَخِيكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ” الجامع الصحيح للسنن والمسانيد لمؤلفه صهيب عبدالجبار

وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل : عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ – أَوْ» يَعْصِبَ «شَكَّ مُوسَى – َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» رواه أبوداود والبيهقي.

إن مما أشعل فتيل الشطط بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم الاستفزاز الشديد بقصد الازدراء أو بقصد المحاربة ، فإذا تجولنا في ساحات أسبابه ألفيناها عديدة ، منها على الخصوص :

أسباب الاستفزاز الديني

تحريف معنى الحريات :

إن الحرية في منطق البشرية لا تعني الاعتداء اللفظي على الغير ، لكن الذي يمارسه غيرنا هو استعمالها للطعن في الإسلام ووصف المسلمين بكل سوء ما يؤجج دوما حفيظتهم ويقود المتهورين منهم إلى ردود أفعال شديدة ، وقد وقعت في كثيرمن هذا ، إذ في كل مرة تقريبا أنشر موضوعا إلا ويرد عليّ بعض بألفاظ متهورة عوض النقد والتعقيب والتعليق والتعاون على الفكر الصحيح والتوجيه الطيب ، لكنني ولله الحمد وبحكم ثقافتي وما تعلمته أقابل تلك الترهات بصدر مرتاح ولا أرد عليها ، لكن تصور أخي القارىء لو كنت من المغامرين لكان مني ما ينتقص من مكانتي.

المظاهر الماجنة :

إن الغيور على دينه والتزام مجتمعه به ودون حكمة في التغيير وأساليبه قد يصيبه الجنون من المظاهر الماجنة في شوارع الناس فيعتبره مساسا بالدين ، وهو ما تسبب في خطب فظة غليظة على الناس في المساجد ومختلف المحافل.

العصيان والمجاهرة به :

إن العصيان في المجتمع والمجاهرة به يعتبر عنادا للمسلمين سواء بدر من بعضهم أومن غيرهم ، لذلك قبل الإسلام إيواء أهل الكتاب واعتبرهم أهل ذمة بشرط عدم المجاهرة بما يخالف عقائد وأحكام الإسلام كي لا يستفزوا مشاعر المسلمين ، فالمجاهرة به انتقاص من الدين منجش للرد القوي ضده.

مضايقة الحريات :

في الوقت الذي يعتبر الغرب رفض المسلمين ثقافته تطرفا ، ورفض سياسته إرهابا ولو بالتعبير الفكري فقط ، يمارس الأمر نفسه مع المسلمين بمضايقة حرياتهم في التعبير وممارسة الشعائر ، رغم علمه بما ضمنه الإسلام لأهل الذمة زمن حكمه من حريات ممارسة الطقوس الدينية.

الخطابات السياسية :

سواء من المسلمين العلمانيين أم من غيرهم ، ففيها الكثيرمن التحريض ضد التدين خوفا من فرض الالتزام به ، وهذا يثير الضغائن والغلو.

الحملات الانتخابية :

كل شيء يكون هادئا ، فإذا حلت الانتخابات للاستحقاقات المختلفة ، اضطرب الأمر على العلمانيين ونظموا حملة شرسة ضد المتدينين ، وخوفا من التصويت على الحاملين للوائه.

الاشتغال بنقد المظاهر بدل السلوك:

كثير من غير الملتزمين إذا أعوزه التدين صب جام نقده على المظاهر كاللباس تاركا اللب وهو السلوك .

تصريحات القيادات الوطنية :

كتصريحات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي استشاطت كثيرا من المسلمين ضده عوض كسبهم في صفه ، فتسبب في انعقاد منتدى كندي حضره الناس للتعرف على الإسلام ، وإن كان هذا الجانب يعتبر استفزازا إيجابيا.

ومنه تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش بكون الرب أرسله إلى حرب العراق مما أثار ضده مسلمي أمريكا ما اضطره إلى الاعتذار ولو ظاهرا والمثول أمامهم في أحد مساجد أمريكا.

إن الاستفزاز الديني عند الغرب والعلمانيين ، مباح باسم الحريات وهو الحاضنة الأساسية للتطرف. لذلك أرى أن ينتبه الغرب بالخصوص والعلمانيون عموما إلى عواقب هذا الانحراف في سلوك طريق الحريات المزعوم ، ومراجعة سياسة التخالف مع الإسلام ، والتفكير في حياة أفضل ، لأن اختلاف الديانات إنساني لن يزول من معتقدات وأذهان الناس إلى يوم القيامة ، فالتعايش منطق مفروض بين بني البشر لا ينكره ولا يمجه إلا جاهل بحقيقة دنيا الناس هذه ، ونظرة

الغلبة لن تكون سر فلاح على أحد.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير