لن تحصد “1” – الفيلسوف ديوجين

نظر الى يديه طويلا غاص في اخاديد التجاعيد التي احدثتها التجارب ومعافسة الحياة توقف كثيرا عند حفرة الانهدام التي نتجت عن الحرب الضروس بين القلم وبياض الصفحات، تجول كثيرا بين تلك الاخاديد كانه دخل متنزها وطنيا لا يعرفه اصلا نعم لا يعرفه بل دخله خلسة كما جاء الى واقعه اطال جولته لكن حفرة الانهدام تلك شكلت لغزا لا يمكن حله مع انها ظاهرة للمتمقل المتتبع او المار عبورا لسبيل او زائرا فجا في ليل

اثارت تلك الحفرة في دماغه عواصفا من الاسئلة وذرت كل رمال ثقافته وكان محور تلك العواصف حفرة بهذا الحجم وعميقة كما الالم الناتج عنها كلما اصطدمت بواقع التهميش ماذا جنت من كل هذا العطاء ؟ لماذا لا ينبت لها او بها زرع حتى لو كانت زهرة دحنون واحدة كتلك التي استهلكت كل هذا المقدار من اللحم في وصفها ؟
انتبه له صاحب اليد المنهكة وزفرة زفرة طويلة كخطب الحكام الطغاة ومعبرة عن دواخل فؤاده تماما كصرخة ذاك المعذب الذي تصفعه ايدي الظلام متسلحة بسياط الظلم لانه يوما ما وفي غفلة من الطاغية تمنى ان يكون حرا ولو لدقيقة فقط فاعتبروه تمردا وساقوه الى لامكان ذاك لان قرينه اعترف امام ساحر الطاغية
بعد تلك الزفرة سأله:هل وصلت الى نتيجة؟

ازدرد ريقه وقال بكل ما يملك من حيرة:لا

نظر اليه بحنو كعادته ثم قال: دعني اخبرك شذرات علها تعيد رمال ثقافتك التي نثرها تساؤلك وتلم شعث تشتتك فيما لا يمكن ان تتخيل انه وقع او يمكن ان يكون واقع
يا صديقي لست اقول بأني حزت الحكمة من اطرافها ولا اقول ان كنانة علمي فيها كل ما قيل غير اني كنت هناك عند تقاطع الاشياء بمثاليتها مع واقعها القبيح المتجسد في شخص او نظام ونعم نجوت من تروس الة القتل تلك غير اني نجوت بيد فارغة ابخس من خفي حنين

الفيلسوف ديوجين

كنت قد اعجبت بديوجين لا لكونه غربيا بل لانه من خلال ممارسته اليومية كان يثبت ان الحقيقة وان كانت جلية للعالم فانها تخفى على الناس عنوة ومعنى عنوة انهم يختارون الباطل والواقع الزائف ويفضلونه على الحق الجلي المر فحمل مصباحه في الليل والنهار وكان جوابه الدائم انه يبحث عن الحقيقة وقد ورثت عنه مصباحه غير ان الامر عيانا وتجربة ليس بسهولة التوصيف النظري فعلمت ان وقود ذاك المصباح هو العلم اليقيني لا الظني، وكان الحصول عليه صعبا وشاقا، اذ انك تقلع صخر عقول الرجال ومن ثم تحاول ان تنحت منه شيئا يشفي الواقع المتردي فاغرقت المصباح وقودا، غير ان الناس اتخذوا حملي للمصباح تهمة بالجنون تحاشيتهم كما فعل ديوجين، غير اني وجدت الطغاة واعوانهم قد سرقوا حتى صفائح القمامة واتخذوها مشاريعا خاصة، فالقيت المصباح بعد ان اخذت الوقود واعدته لقارورته وهنا كانت اولى علامات شيخوخة القلب وستدرك فيما بعد ان هذه كانت اهون تجاربي فتجمل بالصبر لتعلم.

ثم بعد ذلك انتقل بي الحال كاني اركب بساط الريح فتعرفت الى جزء من مؤلفات وافكار نيتشه الالماني فرايت انه صاغ نظرية التفوق المعروفة بالسوبرمان وجعلها حكرا على قومه اذ جعل العرق الاري فوق كل الاعراق وصنف اناسا كثر لا يحصون تحت عنوان اعشاب ضارة اي لا فائدة منهم ترجى ولا خير فيهم يؤمل وللاسف كنا نحن وما زلنا في زمن الضعف فصرنا حسب رؤيته اعشابا ضارة وتمثلت افكاره فيما بعد في دولة هتلر النازية فكنا في الترتيب الاخير من ناحية التصنيف وليس مهما تصنيفه ولكن المهم ان العالم بأسره تعامل معنا كأعشاب ضارة فاجتث دولتنا وأزال كياننا الجامع ثم قسمنا لدول وشيع واحزاب وعاث منجل الموت الغربي فينا حصادا.

هل العيب فينا؟

ونحن خلال ذلك نردد ان العيب فينا وفي افكارنا وديننا ولم نر ولو للحظة واحدة ان الخلل والخطل في الغرب وافكاره التي اتخذتنا غرضا وهدفا فلم تعد لنا بيضة ولا جرثومة واحتفل كل منا بقتل ابينا وامنا وصارت لنا دول لا تعد ولا تحصى ثم بعد ذلك اخذ البعض منا بنظريته السوبرمان واستدعى الغرب لنجدته فصرنا ازرى حالا من ملوك الطوائف وانفرط عقد كياننا الهلامي فلا تجد شيئا يربطنا الا خيوط العنكبوت الواهنة وتوجيهات الغرب الا وهى وهنا بحثت عن الاعشاب الضارة حسب وصفه فوجدتها واجهة البيت واعمدته والسلطة بايديهم والقرار لهم وفوق ذلك يستعينون علينا بالغرب فتذكرت سراب الواحات الذي لم يريوينا يوما وكيف نجهد انفسنا في اقناع قومنا انه الماء الزلال العذب الذي يروي ظمأنا وصرخت مع الصارخين وتسللت الى المقدمة لاحذر وانذر فعدت ابكما اقذف الدم واسدل الباطل على صوتي وجهدي ستار القمع فصرت هدفا لكل ترهيب وارهاب وخلفت في قومي كالبعير الاجرب فاضفت لشيخوخة القلب فقدان صوتي وكلامي وصرت اسير عابرا للسبيل يحذره الطريق قبل المشاة وقبل الرصيف وما زال لدي ما ارويه فاصبر

فيديو الفيلسوف ديوجين

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة