الانحراف الإلكتروني.. كوبي بيست (نسخ لصق)

الربيع العربي والإقبال على الإنترنت

كان لظهور شبكة الإنترنت وانتشار استخدامها في أرجاء المعمورة عمومًا وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص، آثارًا كبيرة انعكست على جوانب مختلفة من حياة الإنسان، متمثلة بتغيير في الجانب الوظيفي، والعملي والعلمي والاجتماعي. فقد شهدت السنوات الأخيرة في الوطن العربي خلال أحداث ما أطلق عليه “الربيع العربي” وما بعدها إقبالاً على خدمة جديدة للإنترنت، والمتمثلة خصوصًا بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقبل عليها مختلف الفئات على اختلاف أعمارهم، وثقافتهم، واختصاصاتهم، وطبقاتهم، لأنها تُتيح لمستخدمها الحصول على ما يحتاجه من المعلومات بكل سهولة ويسر، وهنا أصبح لدينا ثقافة جديدة ترتبط بالكوبي بيست (القص واللصق).

ثقافة الكوبي بيست (القص واللصق)

إن الإنترنت من أهم أدوات تكنولوجيا المعلومات التي تتميز بديناميكيتها، وتطورها بشكل مضطرد بالقياس بجوانب حياتنا الأخرى، لكن هذا التوحش المعرفي انتهك حقوق الملكية الفكرية، فصارت ثنائية الكوبي بيست (القص واللصق) هي الثقافة السائدة في كل المجالات، وأصبح دستورها حرمان الجميع من ثمار أعمالهم الإبداعية. فصارت الكتابة شبه معدومة بل أصبحت مجرد وجبة جاهزة تأتي (أخصائي القص لصق) على طبق من ذهب دون عناء ودون الاستعانة بالفكر والإبداع الأدبي، وحتى دون أن يكلف الواحد منهم نفسه أن ينسب الكلمة إلى مصدرها، حيث يقدم الكاتب عصارة فكره وتجربته في كلمات ليأتي آخر ويمارس عليها لعبة القص واللصق بإتقان، ويضيع بذلك حق الكاتب كما تضيع شخصية الآخر، حيث يقدم شيئًا لا يمت لشخصيته ولا لفكره بصلة.

إن طبيعة النشر على الإنترنت تتيح للمستخدمين إخفاء هويتهم الحقيقية والعيش في عالم افتراضي خاص بهم، لذا تُثار الشكوك دائمًا حول مصداقية المعلومات المتاحة، فالعالم الرقمي مكانًا يتيح قدرًا كبيرًا من الحرية غير المسؤولة لمَنْ يريد ممارسة الانحراف الإلكتروني بكل أنواعه. لقد أصبح الإنسان عبدًا للتقنية وخاضعًا لسلطتها، فأمام هول تسارع وسرعة التقنية وسحرها، من خلال خدماتها المغرية، لم يعدّ الإنسان سيدًا لنفسه أمام غوايتها، سلبته روحه وثقافته الرمزية الأصيلة؛ أمسى هجينًا، اجتمعت فيه المتناقضات والمفارقات. إن الإغراء، والإغواء، والعجائبية، عناصر ثقافة القص واللصق، تجعل المرء عاجزًا وهشًا تجاه عدم تكرار واجترار الخواء والغياب.

لقد أساء الغالبية استخدام اللعبة؛ مجموعة من الأوراق المتعددة الألوان‏، يقوم كل واحد حسب قدراته الإبداعية بعمل شكل مميز أو لوحة جميلة عن طريق لصق هذه الأوراق متجاورة أو متداخلة بعد قصها بإتقان، كانت تستهويهم كثيرًا، إلا أنا عالمنا المعاصر جعل الحدود بين الهواة والمحترفين واهية، وأصبح أدعياء الثقافة يتهافتون على القص واللصق بلا رادع. يحلقون في الفضاء الافتراضي بجناحي الغيرة المقيتة والحسد الحارق، نسوا وتناسوا أن الكتابة الإبداعية هي تعبير عن الرؤى الشخصية، وما تحويه من انفعالات، وما تكشف عنه من حساسية خاصة تجاه التجارب الإنسانية.

هيمنة الكوبي بيست (القص واللصق)

وإذا كنا نقرع الأجراس هنا فيما يتعلق بواقع هيمنة (القص واللصق)، بعد أن أصبحت التكنولوجيا في متناول اليد، وصار في إمكان أيًا مَنْ كان أن يستعرض خلال أقصر وقت زمني ممكن، ما يريده من أفكار جاهزة أنتجها أصحابها، ضمن حقل معرفي ما، أو تحت عنوان ما، ليغير عليها، ويوقعها باسمه الشخصي، إلا أن هناك آراء ترى أن كل الأفكار الإنسانية تبدأ من شخص وتنتقل إلى آخر، عمدًا، أو بغير عمد، فليست كل الأفكار الإنسانية إلا اقتباسًا من اقتباس من اقتباس، فكان توماس جيفرسون (ثالث رؤساء أمريكا) يقول: “الذي يستعمل أفكاري لا يقلل من شأني، إنه مثل الذي يوقد شمعته من شمعتي”.

لكن خطورة هذا الرأي تظهر أمام استفحال الظاهرة، في ظل الثورة المعلوماتية، وهيمنة أدوات الاتصال، والنشر الإلكتروني، فالثقافة في مرحلتها ما بعد الحداثية قد حققت نقلة نوعية، وصارت لها قيمها الجديدة، بيد أن أي تطور في مجال المعرفة يجب ألا يكرس محو حقوق مَنْ صدرت عنه، لا سيما عندما يحقق صاحب هذا الإنجاز المعرفي ثيمة تجاوز ما هو معروف، وتقديم ما هو نافع إنسانيًا، وإن كان من صفات الثقافة الحقة إنها ملك إنساني عام، بيد أن هذا لا يعني الإجهاز على حق من أبدع هذا المنجز الثقافي، أو ذاك.

المراجع:
إبراهيم اليوسف (2015)، “السرقات الأدبية أصبحت جزءًا من عالم النقد”، ملحق الخليج الثقافي.
المشهور رشيد (2016)، “ثقافة القص لصق”، موقع الفيسبوك.
زهرة السيد (2014)، “قص ولصق”، جريدة الشرق القطرية.

فيديو الانحراف الإلكتروني.. كوبي بيست (نسخ لصق)

https://youtu.be/7ZLH26wZm1Q

أضف تعليقك هنا

د. أشرف صالح محمد

الدكتور أشرف صالح محمد