الكتاب الذهبي والمفكر الراحل أحمد بهاء الدين

« إن منع الرأي المخالف لرأيك بأي طريق من الطرق لايخدم رأيك! إن كل النيران التي في الدنيا لا يمكن أن تلتهم رأيا واحدا، إذا كان هذا الرأي صائبا، ولعلها تخدمه إذا كان ضارا.
إن الطريقة الوحيدة هي أن تصطدم الآراء وتناقش علنا في حرية إذا كنت تحب المجتمع أكثر مما تحب رأيك المنسوب إليك!».. هذا ماكتبه الكاتب والمفكر الراحل أحمد بهاء الدين في مقال بمجلة روزاليوسف في 29 أكتوبر 1956.

قال الكاتب والروائي الراحل إحسان عبدالقدوس، – الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين- عرف أحمد بهاء الدين كيف يدخل الصحافة من بابها الصحيح فترك عمله يقدمه إلي ثم ترك عمله يقدمه إلي القراء.. ولم يحدث في خلال السنوات الخمس أن اعتمد «بهاء» على شئ غير عمله.. وقد ارتفع به عمله ولايزال يرتفع به.

ويتابع إحسان « لم يعد بهاء محررا في الدار فحسب ولا صديقا فحسب .. إنه أخ أحلامي.. إننا نحلم سويا ونفكر سويا ونخطئ سويا ونتشاجر سويا.

«رحل أحمد بهاء الدين، ولكن الأفكار والمبادئ التى غرسها فى سطور مقالاته لا تموت، لا يزال هناك الكثير الذى لم ينشر من تراثه، خاصة فى مجلتى روز اليوسف وصباح الخير من أبريل عام 1952 وحتى رحيله، هذه المقالات هى مجرد نماذج قليلة من وسط كنز ذهبى، راعيت فى اختيارها أنها تصلح تماما إلى الفترة الزمنية من عمر مصر، وقارئ هذه الأيام، مثالات تتضمن أفكارا ومبادئ صمدت مع مرور السنوات، وفشل الزمن فى هزيمتها، ولا تزال صالحة لكل العصور».

هكذا قدم لنا الكاتب رشاد كامل، الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين، في دراسته التي تحمل عنوان « أحمد بهاء الدين وروزاليوسف.. مقالات لها تاريخ»، والتي أعدها ضمن سلسلة ” الكتاب الذهبي برئاسة الكاتب الصحفي أسامه سلامه” والذي تصدره مؤسسة روزاليوسف” المصرية”، مؤكدا أن بهاء الدين ظاهرة صحفية يندر أن تتكرر، مقالات “بهاء” درس في فن الكتابة الراقية والمحترمة التي تخاطب العقول لا الغرائز؛ سواء في السياسة والاقتصاد أو الفن والأدب كانت مقالاته بمثابة “كلام من ذهب” ومن وسط ألاف المقالات المهمة والبديعة التي لم يستطع الزمن أن يطويها نقدم هذه الباقة من مقالاته التي نشرها على صفحات “روزاليوسف” و”صباح الخير”.

تنقل بنا الكاتب الصحفي الجميل رشاد كامل لينتقي لنا مجموعة من مقالات الموهوب الراحل أحمد بهاء الدين، في كتاب يضم 10 فصول، عنونها كالتالي ” أحمد بهاء الدين والفصول، وسنة أولى “روزاليوسف”، وقراءات وكتابات لها تاريخ، وناقد ظلم نفسه، والحب والبنات والزواج، وعروبة وإيدلوجيا. وقومية، ودرس في المبادئ، والإرهاب .. اليسار.. ودراويش الماركسية.. والسينما والغناء، مصريا وعالميا، وصحافة.. وقراء وفاطمة اليوسف”.

أحمد بهاء الدين موظفًا

بعد انتهاء بهاء الدين من دراسة الحقوق التحق بقسم التحقيقات بوزارة المعارف العمومية – التربية والتعليم- عام 1946، لتجمعه الصدفة وحدها بعملاقين أخرين من عمالقة الأدب والصحافة وهما – عبدالرحمن الشرقاوي وفتحي غانم، وهو الأمر الذي حكى عنه الكاتب الراحل فتحي غانم في مقال له بتاريخ 9 يناير 1958، وهو اللقاء الذي قال عنه الأستاذ أحمد بهاء الدين، أنه اكتشف أن ثلاثتهم – عبدالرحمن الشرقاوي وفتحي غانم وبهاء الدين – يعمل في الحكومة على مضض، حتي يجد فرصة للكتابة في الصحف، فقد كان الشرقاوي يجرب الشعر وفتحي غانم يجرب القصة، وبهاء الدين يجرب المقال السياسي.

رحلة بهاء الدين مع الصحافة

ويحكي الراحل بهاء الدين عن تجربته الأولى في الكتابة عن دراسته في الذكرى الخمسين لوفاة المفكر الإسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني، التي نشرتها مجلة الفصول برئاسة تحرير الدكتور محمد زكي عبدالقادر- الصادرة في يونيو 1944، وعن علاقته التي توطدت بهذه المجلة.

وفي الرابعة والعشرين من عمره أصدر – أحمد بهاء الدين – كتابه ” الاستعمار الأمريكي الجديد”، في يونيو 1951 وطبعه على نفقته الخاصة، وهو الكتاب الذي قاده للتعرف على الفنان والكاتب حسن فؤاد، ليصدرا بعد ذلك مجلة صباح الخير عن مؤسسة روزاليوسف .

مقتطفات من مقالات بهاء الدين

اليسار.. اليسار يقدم للمظلوم فهما موضوعيا للظلم الواقع عليه، أما اليمين فإنه يقدم له حذاء سندريللا! ويطرح خلال هذا المقال مجموعة من الأسئلة هي كالتالي

  • هل تؤمن بأن الاستعمار شئ محكوم عليه بالزوال ؟
  • هل تعتقد أن الحرب والفقر يمكن التخلص منهما بالقضاء على أسبابهما؟
  • هل ترفض الفكرة القائلة بتفوق جنس على أخر؟
  • هل أنت ضد الأحلاف العسكرية بوجه عام؟
  • هل تعتقد أن الحرية الاقتصادية أمر قد انقضى، وأن المجتمع يجب أن يوجه الاقتصاد الوجهة التي تلائم مجموع أفراده وتحقق العدل بينهم؟
  • هل تعتقد أن المستقبل بالنسبة للرجل العادي سيكون خيرا من الماضي؟
  • هل تعتقد أن المرأة يجب أن تساوي الرجل فعلا، بكل حقوقه وواجباته؟

إذا أجبت هذه الأسئلة بـ”لا” فأنت في اليمين وإذا أجبت عليها بـ”نعم” فأنت في اليسار… أما إذا أجبت على بعضها بنعم وبعضها بـ”لا” فأنت لا تزال: عين في الجنة وعين في النار!!

كتب المفكر الراحل أحمد بهاء الدين، هذا المقال في 12 يناير 1956 في مجلة صباح الخير

الحب مشكلة سياسية!

إن كل رجل وإمرأة يعيشان معا، بناء على عقد كتبه مأذون، يسمونهما زوجين.. وكل شاب وفتاة يتبادلان القبلات خلسة في الظلام يسميهما مؤلفوا الروايات حبيبين وليس هذا جوهر الأمر!
إن الحب فرحة أرحب، ومخاطرة اعمق.. إنها طاقة متفجرة كطاقة الذرة، لها قدرة هائلة على البناء، وقدرة هائلة على الهدم.

أخيرا

سُئل الكاتب الراحل في حوار صحفي مهم: من أنت؟ الناس في حيرة هل أنت ناصري؟ أم يساري دون ماركسية؟! أم ديمقراطي ليبرالي؟! أين تضع نفسك؟!
وأجاب الأستاذ بهاء قائلا: شخصيا أنا اشتراكي ديمقراطي ليبرالي، لم أكن في يوم ماركسيا، ثم إنني طوال حياتي لم أنضم إلي أي تنظيم ربما هذا عيب لأن بلادنا تحتاج لأن ينتظم الإنسان في أي شئ، لكنني أعترف أنني تعودت أن أكون فرديا في تفكيري وتكوين قناعاتي.

المفكر الراحل أحمد بهاء الدين، وكما قال أستاذنا رشاد كامل «مقالاته تتضمن أفكارا ومبادئ صمدت مع مرور السنوات، وفشل الزمن فى هزيمتها، ولا تزال صالحة لكل العصور»

 

أضف تعليقك هنا