النسيج القصصي

تشكل عملية النسيج البؤرة التي تشد إليها المواد التي تشكل بنية القصة من جهة , ومقياس الإبداع من جهة ثانية وبالتالي تصبح المعيار الذي يحدد مدي نجاح القاص أو فشله, وإذا كان بناء القصة الأدبية – كما بينا- يتكون من عناصر أساسية تشكل وحدة لا يمكن أن تتجزأ , كذلك فإن هناك نسيج القصة وهو الأخر وحدة , كل جزء فيه له وظيفته المعينة التي يؤديها بالاشتراك مع غيره من الأجزاء اشتراكاً بالضرورة والحتمية.

وكل ما في نسيج القصة الأدبية من وصف ولغة وحوار وسرد يجب أن يقوم على خدمة الحدث ويساهم في تطويره بحيث يصبح كالكائن الحي له شخصيته المستقلة التي يمكن التعرف عليها, وسوف نتناول فيما يلي العناصر الأساسية للنسيج القصصي وهي :الوصف , اللغة , الحوار, السرد , بشيء من التفصيل.

العناصر الأساسية في النسيج القصصي

1- الوصف:

لاحظ الباحثون وجود وظيفتين أساسيتين للعنصر الوصفي في القصة الأدبية , أولهما تجميليه , وقد كان النقد القديم يعد الوصف حلية للأسلوب , وكلما كان هذا الوصف دقيقاً ومسهباً كلما عد هدنه في القصة ورواحاً من الأحداث .

أما الوظيفة الثانية للوصف فهي ذات طبيعة تفسيرية ورمزية معاً, وهنا يعتبر الوصف عنصراً ذا قيمة وأهمية حيوية في العرض بخلاف ما كان عليه في العصور القديمة .

والوصف في القصة يقف عند الأشخاص والأشياء كعناصر متجاورة معاصرة ويراها كشاهد وهو يختلف بذلك عن الحكاية التي تشير إلي أحداث وأعمال باعتبارها وقائع .

وإذا كانت لغة الوصف يجب أن تكون مطابقة للغة التي تفكر الشخصية وتتكلم بها , فمن غير المعقول في القصة علي الإطلاق أن يجعل الكاتب شخوصه تتكلم مستوي لغوي واحد , وخاصة إذا كانت اللغة المستعملة غير اللغة التي تتكلم وتفكر بها في الحياة.

2- اللغة

تعد اللغة طريقة خاصة في النظر إلي العالم وفي وتفسير التجربة , ولعل تلك الحقيقة هي التي دفعت علماء الأنثروبولوجيا واللغويين إلي الاعتقاد بأن الأفكار التي يحملها الإنسان في عقله بصدد ما يحدث في العالم المحيط به ليست بالضبط “معطيات هذا العالم” , ولذلك فإن اللغة في رأي “ك.كلوكون” تسمح بخبرات وتجارب معينة أن تدخل في حيز إدراك الإنسان ومعرفته بينما تمنع خبرات أخري من الدخول في هذا الحيز.
ولغة الأديب ليست من جنس آخر غير “لغة الإنسان” أو “لغة التخاطب” أو “اللغة العادية” إنها من نفس الكلمات ومن نفس الحروف التي تتكون منها اللغة العادية , لكنها تقيم معها علاقة خاصة باستخدام نفس الألفاظ لبناء هياكل جديدة خاصة بها مضيفة إليها قواعد جديدة.

والمقياس العام الذي ارتضاه نقاد الموقف الواقعي هو ملاءمة اللغة للموضوع , فاللغة الفصحي , إذا صلحت في التعبير عن المعاني الفلسفية أو الفكرية فإنها قد لا تبدو طبيعية في الموضوعات التي تعالج قضايا الشرائح الدنيا للمجتمع , وهذا في جوهره يرد إلي تصورهم لطبيعة العمل (الفن القائم علي الوحدة بين الصياغة والمضمون) .أو الشكل والمحتوي.

ويري الدكتور محمود أمين العالم أن اللغة ليست عاملاً سلبياً في بناء القصة , بل يتوقف عليها جانب كبير في تماسك هيكل القصة وبناء الشخصيات , فالهيكل المتماسك سرعان ما يختل والبناء الحي سرعان ما يجف ويتساقط لو لم تسعفه لغة طيعة ملائمة.

3- الحوار

الحوار أداة هامة تحتمها طبيعة القصة الأدبية لتداول الآراء بين الأشخاص أو التعبير عن وجهات النظر المختلفة , فإذا ما وجد الحوار كوسيلة لاستبطان الشخصيات , فإنه يصبح عاملاً من عوامل نجاح القصة الأدبية أو فشلها , ويجب ألا ينظر إلي الحوار في القصة منفصلاً عن بقية العناصر الأخري .

ويعد الحوار جزءاً من البناء العضوي للقصة الأدبية , له ضرورته وحيويته , وحتميته , فهو يدل علي الشخصية , ويحرك الحدث , ويساعد علي حيوية المواقف , ومن ثم فإنه يلزم أن يكون دقيقاً هادفاً إلي غاية مرسومة ومحددة , بحيث يكون – بالفعل – عاملاً هاماً من عوامل الكشف عن أبعاد الشخصية , أو التطور بالموقف , أو تجليه النفس الغامضة , أو الوصول بالفكرة المراد التعبير عنها .

ويري الدكتور سيد حامد النساج أن لغة الحوار جزء من لغة السرد , ويلزم أولاً ألا يكون مطولاً بل ينبغي أن يكون مكثفاً ومركزاً وموحياً , ويتطلب ثانياً ألا يكون معرضاً لبلاغة الأسلوب وجمال الألفاظ , فإن ذلك يعوق القارئ عن تتبع الحركة, والحركة هي أساس الرواية , ويشترط قبل هذا وذاك أن تكون لغته عربية سليمة , بحيث أن قارئ الصحيفة أو المجلة , قادر علي استيعاب الحوار باللغة العربية السليمة .

4- السرد

السرد هو نقل الأحداث التي تجري في الرواية , ويتبع حركة الشخصيات ونقل أفعالها , ويستعين الكاتب بالسرد المباشر لأنه يحرك الشخصيات كما يشاء , ويصور الأمكنة كما يحلو له, ويلجأ الكاتب غالباً في أثناء السرد إلي استعمال الفعل الماضي ليمنح روايته موضوعية الحدث , وإعادة إظهار الواقع بوضوح , وسوف يبقي السرد من أبرز عناصر الكتابة الروائية.

ومن الواضح أننا لا نستطيع تلخيص الأحداث إلا عند حصولها بالفعل , أي عندما تكون أصبحت قطعة من الماضي , ولكن يجوز افتراضاً , أن نلخص حدثاً حصل بالفعل , أو سيحصل في الحاضر أو مستقبل القصة .

“بيرس لوبوك” أول من فطن إلي العلاقة الوظيفية بين الخلاصة واستذكار الماضي , وتبعه في ذلك “فيليس سنتلي” فأشار بوضوح إلي أن أهم وظائف السرد التلخيص وأكثرها تواتراً هو الاستعراض السريع لفترة من الماضي , وتكون هذه العودة التلخيصية إلي الماضي كثيرة التواتر في بداية الرواية , فتقوم بسد الثغرات الحكائية التي يخلفها السرد وراءه عن طريق إمداد القارئ بمعلومات حول ماضي الشخصيات والأحداث التي شاركت فيه .

المصادر

  • علي عبد الخالق , في الأدب ومذاهبه المعاصرة ،الدوحة : دار قطري بن الفجاءة , 1990
  • حسين بحراوي , بنية الشكل الروائي , ط1،بيروت : المركز الثقافي العربي , 19901.
  • أحمد إبراهيم الهواري , نقد الرواية في الأدب العربي الحديث , القاهرة : عين للدراسات والبحوث , 1993
  • طه محمود طه , دراسات لإعلام القصة في الأدب الإنجليزي ،القاهرة : عالم الكتب, 1966

فيديو النسيج القصصي وعناصر كتابة القصة

أضف تعليقك هنا

د. الامير صحصاح

د. الأمير صحصاح