هل ينهار الاتحاد الأوروبي وماذا لو انهار ؟

توقع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أن تنسحب دول أخرى من الاتحاد الأوروبي. مؤكداً أن انهيار الاتحاد الاوروبي “مسألة وقت”. ونبه مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي، إلى خطر انهيار الاتحاد الأوروبي، وقال في مقابلة صحيفة دي فيلت، أن التكتل الأوروبي في خطر، وإن ثمة قوى تحاول تفكيكه. ويرى شولتز أن لا أحد بوسعه اليوم أن يتبنأ بما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيستمر على شكله الحالي في غضون 10 أعوام.

وتوقع المرشح لتسلم منصب السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل “تيد مالوك” تفكك الاتحاد، معتبراً أن خروج بريطانيا منه ليس سوى البداية. وأشادت المرشحة للرئاسة الفرنسية عن الجبهة الوطنية مارين لوبن باختيار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي، الصيف الماضي، وقالت إنه “اختار حريته عندما قرر الخروج من الاتحاد الأوروبي “. وحذر سيغمار غبراييل نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أن مستقبل أوروبا على المحك إذا أسيء التعامل مع مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

فيما أكد المحلل الاستراتيجي الأمريكي، جورج فريدمان، أن الاتحاد الأوروبي انهار فعلًا وليس قيد الانهيار، مشيرًا إلى أن الاتحاد يمكن له أن يستمر في حال امتلاكه  سياسة مشتركة.

فهل ينهار الاتحاد الأوروبي وماذا لو انهار ؟

في هذا التقرير نرصد أبرز الازمات التى تواجه استمرار الاتحاد محاولين الإجابة على التساؤلين السابقين فإلى التفاصيل :

مسيرة الاتحاد

الاتحاد الأوروبي جمعية دولية للدول الأوروبية يضم 28 دولة ، كانت كرواتيا آخر الدول التي انضمت إليه في 1 يوليو 2013، وآخرهم إعلانا بالخروج منه هي بريطانيا بعد استفتاء شعبي في 23 يونيو 2016 ، تأسس الاتحاد بناء على اتفاقية معروفة باسم معاهدة ماسترخت الموقعة عام 1992، ولكن تشير العديد من التقارير أن فكرة الاتحاد منذ خمسينات القرن الماضي.

من أهم مبادئ الاتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلى المؤسسات الدولية الأوروبية. لكن تظل هذه المؤسسات محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة على حدة لذا لا يمكن اعتبار هذا الاتحاد على أنه اتحاد فدرالي حيث أنه يتفرد بنظام سياسي فريد من نوعه في العالم.

للاتحاد الأوربي نشاطات عديدة، أهمها كونه سوق موحد ذو عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه 19 دولة من أصل ال28 الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة. حصل الاتحاد الأوروبي في 12 أكتوبر 2012 على جائزة نوبل للسلام لمساهمته في تعزيز السلام والمصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا.

أصبح الاتحاد الأوربي قوة اقتصادية عالمية حيث يشكل الاتحاد القوة الفلاحية الثانية في العالم ،و يعتبر ثاني قوة صناعية في العالم وأول قوة تجارية عالمية حيث يحقق 38% من حجم المبادلات العالمية  .

تصدع الاتحاد

تصدع الاتحاد ليس جديداً بل إن هناك أزمات عديدة ساهمت فى تزايد احتمالات انهيار الاتحاد وكان بدايتها فى العام 2008 والأزمة الاقتصادية مرورًا بالأزمة الأوكرانية، وأخيراً أزمة تدفق اللاجئين إثر التحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وفي القلب منها الأزمة السورية ، خاصة بعد وجود نية لوقف الاتفاقية التى تتيح حرية التنقل بين الدول الأعضاء، وتفاقمت الأوضاع فى السنوات الأخيرة بعد تزايد حالة انعدام الثقة بين الحكومات والسياسيين، وأزمة الهجرة أثبتت وجود اختلافات بين توجهات القادة الأوروبيين فى التعامل مع المواقف، وهذا ما يعطى انطباعات سلبية للمواطنين فى دول الاتحاد بوجود عجز فى مواجهة المشكلات الحالية.

انهيار اتفاقية شينجن

تعتبر اتفاقية شينجن من أهم المكاسب فى تاريخ الاتحاد الأوروبى، لكن وزراء داخلية الاتحاد يطرحون لأول مرة على الطاولة اقتراحًا بوقف اتفاقية “شينجن” لمدة عامين، وذلك كإجراء مؤقت بسبب عدم قدرة الدول الأعضاء على إدارة أزمة اللاجئين.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبى يحاول أن يبدو قويًا ومتماسكًا إلا أن الحقيقة غير ذلك، حيث إن الازمات التى بدأت بالأزمة المالية ثم اللاجئين وأخيرا أزمة الإرهاب التى لاتزال تؤرق العواصم الأوروبية ، وهو ما وضع اتفاقية شينجن على المحك، حيث حذر وزير خارجية لوكسمبورج جان اسيلبورن بأن “شنجن ستموت” إذا أصرت الدول الأعضاء على تبنى مواقف قومية وإذا لم تتوصل أوروبا لحل توافقى.

أزمة تدفق المهاجرين

كانت المجر أول الدول التى رفعت دعوى قضائية ضد الاتحاد الأوروبى، وقامت بإغلاق المعابر الرئيسية على حدودها مع كرواتيا طبقا لما أعلنته من قبل للحد من تدفق المهاجرين، كما أعلنت الحكومة السويدية إغلاق جسر “أوريسند” الذى يربط البلاد بالدنمارك، حيث كان قادة الاتحاد الأوروبى قد فشلوا فى تبنى خطة مدعومة من المجر، تقضى بإرسال قوات لمنع المهاجرين من الوصول إلى اليونان. أما فى الدنمارك فصوت الأغلبية ضد التعاون الأمنى مع الاتحاد الأوروبى الذى يهدد سيادة بلادهم بشأن مسألة الهجرة.

خروج بريطانيا من الاتحاد

تشير قراءات إلى أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تداعيات خطيرة على بريطانيا والأسرة الأوروبية على حد سواء، سياسيا واقتصاديا، كما أنه سينال من قوة القرار الدبلوماسي الأوروبي، حيث يذهب بعض المحللين إلى توقع تفكك الاتحاد كليا . ويعتبرون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعد كارثة بكل المقاييس، حيث سيضعف من قوة القرار الدبلوماسي الأوروبي، ويؤثر على وزن الاتحاد في الكثير من الملفات الساخنة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بحكم وجود الاتحاد ضمن اللجنة الرباعية الراعية لعملية السلام في الشرق الأوسط.

صراع بين جناحى الاتحاد الأوروبى

شرعت دول أوروبا الشرقية مؤخراً في ممارسة المزيد من الضغوط على دول أوروبا الغربية لإدخال إصلاحات على نظام عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، تُقَلص من هيمنة وسيطرة الاتحاد على الدول الأعضاء مقابل تعزيز سلطات المؤسسات والحكومات الوطنية في الدول الأعضاء، حيث تنظر دول أوروبا الشرقية بزعامة المجر، إلى الوقت الراهن على أنه فرصة تاريخية لتمرير التعديلات المطلوبة، بناءً على معطيات جديدة تتمثل في تولي حكومة يمينية محافظة مقاليد الحكم في بولندا، وظهور رغبة لدى رئيس الوزراء البريطاني السابق ، ديفيد كاميرون، في التعاون مع دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لتمرير الإصلاحات التي ينادي بها، في اتجاه عودة السيطرة إلى الحكومات والبرلمانات الوطنية على مقاليد الأمور في بلدانهم مقابل تقليص صلاحيات الاتحاد والمفوضية الأوروبية، كبديل لخروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي.

أزمة البرلمان الأوروبي

البرلمان الأوروبي يمثل أكثر من 500 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي ، وهو مؤسسة فريدة من نوعها لأنه المؤسسة الدولية الوحيدة المنتخبة ديمقراطيًا في العالم، كما أنه يشارك في صياغة بعض السياسات الأكثر أهمية في أوروبا،و يتكون البرلمان الأوروبي من ممثلين عن 28 دولة، هي الدول الأعضاء في الاتحاد ، ويتم انتخابهم لمدة خمس سنوات، ويتم منح البلدان مقاعد في البرلمان اعتمادًا على عدد سكانها، ويتم توزيع المقاعد والسلطة والنفوذ بشكل غير متساو: ثمانية بلدان (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة، إسبانيا، هولندا، بولندا ورومانيا) تمثل أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين، أو قرابة ثلثي المقاعد.

ويطرح تطور البرلمان الأوروبي من تجمع للمستشارين إلى غرفة عابرة للدول، مع صلاحيات تشريعية هامة، أسئلة هامة حول الديمقراطية في القارة العجوز. وبعد الانتخابات المقررة بين 22-25 من الشهر الجاري، سيواجه البرلمان الأوروبي ثلاثة تحديات كبيرة: جمهور غير مهتم بالاتحاد الأوروبي كمؤسسة جامعة لدول أوروبا، وهجمات من مجموعات غير حكومية ترغب في إضعاف الاتحاد الأوروبي من الداخل، بالإضافة إلى جهود بعض الحكومات الوطنية في أوروبا التي تقاوم محاولات التكامل داخل القارة الأوروبية.

ما أهمية الانتخابات القادمة؟

يمثل التحدي الرئيسي للبرلمان الأوروبي في السنوات المقبلة، التغلب على لامبالاة الناخبين! حيث انخفض مستوى الإقبال على انتخابات البرلمان الأوروبي من 63٪ عام 1979 إلى 43٪ عام 2009، وفي بعض الدول تبلغ نسبة الإقبال أقل من 20٪. وعلى الرغم من تعزيز سلطاته، إلا أن البرلمان لم يستطع إيصال أهميته وفعالية دوره لمعظم الأوروبيين، وبينما تعصف أزمات سياسية واقتصادية بعدد من دول الاتحاد، فمن المرجح أن يصل الإقبال إلى مستوى منخفض غير مسبوق.

الأزمة الأوروبية تشكل تحديًا آخر أمام البرلمان الأوروبي، كما أن عددًا متزايدًا من الحكومات يقفون ضد سيادة مؤسسات الاتحاد على مؤسساتهم الوطنية، ففي ألمانيا تتحرك المحكمة الدستورية الألمانية بشكل ينم عن عدم الارتياح من سيطرة المؤسسات الأوروبية على المؤسسات داخل ألمانيا.

وبالتالي فإن البرلمان الأوروبي المقبل يضطر للتعامل مع بيئة أكثر عدائية، لأن بعض الدول الأعضاء سوف تقاوم حملة البرلمان الراغبة في إعطاء المزيد من النفوذ للمنظمات الأوروبية، كما سيواجه أيضًا بعض القرارات الأكثر أهمية في صياغة مستقبل منطقة اليورو. بعبارة أخرى، البرلمان الأوروبي المقبل سيقاتل من أجل الدفاع عن دوره في ظل انقسام سياسي أدى لارتفاع النزعات القومية في جميع أنحاء القارة.

مشاكل اقتصادية عميقة

ويواجه الاتحاد مشاكل اقتصادية كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث قال سيغمار غبراييل نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميرك أن المحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة “فشلت فعليا.” وتهدف الخطة – المعروفة باسم الشراكة في التجارة والاستثمار عبر الأطلسي أو TTIP – إلى إزالة أو تقليص عدد كبير من الحواجز المتنوعة أمام التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال غبراييل إنه في 14 جولة من المحادثات لم يتفق الجانبان على فصل واحد مشترك من بين 27 فصلا تم مناقشتهم.

ماذا لو انهار الاتحاد الأوروبي ؟

لاشك أن هذا الانهيار سيكون له تداعيات كبيرة ومفزعة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية منها : انهيار بورصات عالمية مرتبطة بمنطقة اليورو وانهيار العشرات من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين دول العالم ودول الاتحاد الأوروبي ، ويؤثر بشكل كبير على حركة التجارة العالمية وحرية التنقل بين الدول وارتفاع معدلات البطالة فى قارة أوروبا بل وفي كل دول العالم  ، كذلك على سيكون له تداعيات سلبية على إضعاف قرار  أوروبا السياسى والذى كان موحدا في معظم قضايا السياسة الدولية ، كما من شأن هذا الانهيار أن يفتح الباب لتقسيم القارة العجوز مجدداً بل ويكون مدخلا إلى حروب جديدة من أجل إعادة رسم الخرائط في القارة المفككة.


فيديو هل ينهار الاتحاد الأوروبي وماذا لو انهار ؟

موضوعات ذات صلة :

  • الاتحاد الأوروبي ، ويكيبيديا ، gl/x1kpUA
  • توقعات أمريكية بتفكك الاتحاد الأوروبي قريبا ، روسيا اليوم، gl/67U9r1
  • ترامب: انهيار الاتحاد الأوروبي “مسألة وقت” الوطن ، gl/rbMWmB
  • هل ينهار الاتحاد الأوروبي؟ نون بوست ، gl/A3TUPu
  • مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، سكاى نيوز عربية ، gl/9bQ2mP
  • لوبان: العولمة دمرتنا والاتحاد الأوروبي خيار فاشل ، روسيا اليوم ، gl/w3G15K
  • مسؤول ألماني يحذر من انهيار الاتحاد الأوروبي ، بى بى سى العربية ، gl/yd789t
  • 4 مؤشرات تؤكد على بداية انهيار الاتحاد الأوروبى ، اليوم السابع ، gl/wZVEyM
  • رئيس البرلمان الأوروبي يحذر من انهيار الاتحاد ، سكاى نيوز عربية ،gl/O1kfhs
  • مستقبل الاتحاد الأوروبي ، أفكار ومواقف ، gl/O5LzFy
  • محلل أمريكي: الاتحاد الأوروبي انهار فعليَا ، إرم نيوز ، gl/rzazAY
  • الاتحاد الأوروبى .. يواجه خطر التفكك ،أخبار مصر ، gl/FY9IoU
  • صدمة في أوروبا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، بى بي سى العربية ، gl/R9rVHZ
أضف تعليقك هنا

محمود المنير

محمود المنير

كاتب في الشأن السياسي والشأن العام