روح الأمة بين الاحتلال والاستبداد ؟!

كتب الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في المجلد السابع ص 355 من مجلة المنار بتاريخ 16 جمادى الأولى – 1322هـ الموافق 30 يوليو 1904م تحت عنوان : ( استقلال الحكومة باستقلال الأمة ) يقول :
إن الأمم الجاهلة المحكومة بالاستبداد المُذَللة بالظلم والاضطهاد ، لا يخطر على بال أفرادها معنى يعبر عنه باستقلال الأمة ، ولا يعقلون أن للرعاية أثرًا في سيادة الحكومة إلا بما يؤدون من الإتاوات والضرائب ، وما يسخرون به من الأعمال لترقية ساداتهم المستبدين ، فإذا عبثت باستقلال حكومتهم حكومة أخرى أجنبية طفقوا يشعرون بمعنى الاستقلال بالتدريج ، ويقوى فيهم هذا الشعور بنسيان ظلم حُكَّامهم السابقين لاسيما إذا كان الأجنبي العابث ظالمًا على أن النفرة من سلطة
الأجنبي طبيعية في الأمم فإن هو عدل تمنَّوا لو يستبدلون بسلطته سلطة من جنسهم عادلة ليكونوا مستقلين ، ولكنهم بعد هذا كله لا يفهمون من معنى الاستقلال إلا إعادة السلطة للأسرة الحاكمة فيهم بالاستبداد من قبل ، ويبلغ فساد التصور من بعض الأفكار أن تتخيل إرشاد الأمة إلى ضرر الاستبداد والمستبدين من عوائق الاستقلال ، وهذا من أعجب عجائب عالم الخيال .
يا معشر المتخيلين والواهمين , إنكم لن تتنسموا للاستقلال ريحًا ، ولن
تستنشقوا له عرفًا ، إلا بعد الاعتقاد القاطع بأن الاستقلال إنما هو استقلال الأمة وذلك بأن ينفخ فيها روح من التربية والتعليم يشعر جميع طبقاتها بمعنى الأمة وحقوقها ، وأول هذه الحقوق أن تختار هي الحاكم الأعلى لها ، وأن تقيد حكومته بشريعتها وقوانينها التي ترضاها ، وتُلْزِمه بتنفيذها بمشاورتها وتحت مراقبتها وسيطرتها حتى يكون لها الحق بعزل من يشذ عن ذلك ، أو إقامته عليه سواء الحاكم الأكبر وغيره .
يا معشر المتخيلين والواهمين , إن أمة محرومة من هذه الروح لن تعرف
للحياة الاستقلالية معنى ، ولن تذوق للسيادة القومية طعمًا ، بل تظل طُعْمَة للطامعين وألعوبة في أيدي المتغلبين ، فيومًا يستعبدها من يشاركها حقيقة أو صورة في وصف من أوصافها كاللغة أو الجنس أو الدين ، ويومًا يستذلها من لا يشاركها إلا في الصورة البشرية ، فهي تتراوح دائمًا بين استعباد واستذلال ، لأن طبيعتها قاضية بهذه الحال بفقدها تلك الروح التي تبعث بطبيعتها الاستقلال .

 

يا معشر المتخيلين والواهمين , إن حنين الأمة التي عبث الأجانب بسلطان حكومتها إلى حكامها السابقين المستبدين ليس حنينًا إلى الاستقلال ، بل إلى الاستبداد ، وإن المحافظة على بقايا رسوم السلطة السابقة ، لا يكون آلة لمقاومة السلطة الطارئة ، وإنما الذي يمنع الأمة من كل جور ، ويصد عنها كل ظلم ، هو ما يهبها حقيقة الاستقلال في ذاتها ، ثم في حكومتها بأن تكون الحكومة مستقلة باستقلال الأمة قوية بقوتها ، وقد عرفتم معنى ذلك الاستقلال ومهب روحه من النداء الأول ،
فاعملوا له إن كنتم عاملين ، أو موتوا بضعفكم إن كنتم متواكلين .

فيديو روح الأمة بين الاحتلال والاستبداد ؟!

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان