هل تطرح تركيا نفسها بديلا لداعش؟

رجب طيب أردوغان - الرئيس التركي

بقلم: أحمد صبحي

مع توالي الناخبين التركيين للإدلاء بأصواتهم على التعديلات الدستورية المقترحة اليوم الأربعاء 16 أبريل، يظهر على السطح الوجه الحقيقي لما تحاول تركيا “أردوغان” نشره في الآونة الأخيرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ ألا وهو إعادة نموذج الخلافة العثمانية وكأنه البديل لخلافة داعش الإرهابية.

سيدلي الناخبون الأتراك بأصواتهم في الاستفتاء الأكثر أهمية في تاريخ تركيا الحديث، حيث سؤدي التصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية، إلى تغير نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

صلاحيات الرئيس الجديدة

ويرى مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ولسون الدولي، هينرى باركي، أن النظام الجديد المقترح ليس له مثيل في العالم المعاصر وأنه يضعف قوة كل من السلطتين التشريعية، والقضائية للحكومة لصالح السلطة التنفيذية التي يرأسها أردوغان، وستؤدي إلى تلاشي منصب رئيس الوزراء.

وستتيح التعديلات المقترحة للرئيس التركي الجمع بين منصب رئاسة الدولة ورئاسة الحزب، وسوف يكون من صلاحياته تعيين أعضاء مجلس الوزراء، الذي سيخضع لرقابة الرئيس، وليس البرلمان، كما يوفر للرئيس صلاحية تعيين نائب أو أكثر له ولن يخضعوا لرقابة البرلمان أيضا، كما سيتولى الرئيس التركي بموجب التعديلات تعيين جميع كبار موظفي الخدمة المدنية، وكذلك إمكانية تعيين جميع القضاة في الهيئات القضائية العليا، بما في ذلك المحكمة الدستورية، وهو ما دفع وكالة بلومبيرج إلى القول بأن الدستور الجديد سيقضي على الديمقراطية في تركيا.

في ظل انتشار أحزاب اليمين المتطرف وصعودها إلى سدة الحكم في بلاد عدة حول العالم وكذلك انتشار الدعوات القومية، سعت تركيا لإعادة النعرة التركية واستعادة المشهد العثمانلي مرة أخرى إلى الأذهان، وهو ما بدى واضحًا خلال إدلاء عدد كبير من الناخبين الأتراك سواء في الخارج أو الداخل التركي بأزياء تعود للعصر العثماني، طبقًا لمقطع مرئي بثه موقع euronews مؤخرًا.

ويبدو أن حزب أردوغان وحكومته قد استعد لتلك اللحظة منذ فترة ليست بالقريبة، ففي 10 ديسبمر 2014 تم عرض أولى حلقات مسلسل “قيامة أرطغرل” والذي يلقى دعما قويا من أردوغان وحزبه، ليثبّت تلك الصورة الذهنية التي تروج لكون الترك هم المخلص القادم لما يموج به العالم الإسلامي (وهو نفس ما يروج له الدواعش تقريبًا).

مسلسل قيامة أرطغرل

مسلسل “قيامة أرطغرل” هو مسلسل تاريخي تركي تقع أحداثه في القرن 13 الميلادي، ويعرض سيرة حياة أرطغرل بن سليمان شاه ووالد عثمان الأول (مؤسس الدولة العثمانية)، ويحتوي المسلسل على كثير من الوقائع التاريخية العامة الخاصة بتنقلات قبيلة قايي، لكن أغلب أحداث المسلسل التفصيلية هي من الوقائع الدرامية ومن وحي خيال الكاتب؛ إذ لا يعرف من تاريخ أرطغرل الحقيقي سوى أنه والد مؤسس الدولة العثمانية، ويظهر من ذلك المسلسل -الذي لازالت حلقات الجزء الثالث منه تذاع وتترجم حتى الآن- مدى ما يحاك بالعالم الإسلامي من قبل أردوغان ومن معه، إذ أنه يروج إلى أن الجنس التركي هو الأقوى والأجدر لقيادة العالم الإسلامي وحمايته ضد الخطر الصليبي القادم نحوه، وهو ما يوضح استخدام بعض تلك المصطلحات من قبل الرئيس التركي في الآونة الأخيرة؛ فقد نقلت وكالات الأنباء منذ شهر  تقريبا، وصفه الاتحاد الأوروبي بإطلاق “حملة صليبية” جديدة ضد العالم الإسلام، وكذلك وصفه الاتحاد “بالرجل مريض”، طبقا لما نقلته وكالة رويترز أمس السبت 15 أبريل، وهو ما يذكرنا بنفس المصطلح الذي أطلقته أوروبا على الدولة العثمانية قبل انهيارها.

الخطير في تلك المساعي المسمومة التي أطلقتها تركيا “أردوغان”، أنها تستقطب عدد لا بأس به من العرب والمسلمين فعدد مشاهدي حلقات ذلك المسلسل المترجمة للعربية على موقع يوتيوب قارب على الخمسة ملايين هو عدد كبير من المشاهدين الذين قد يستقطبوا لدعم وتأييد تحركات أردوغان السياسية داخل مجتمعاتنا، وقد ظهر ذلك بالفعل من خلال صفحات بعض العرب والمصريين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يدعمون التغييرات الدستورية بتركيا رغم خطورتها على الشأن التركي نفسه فضلا عن دول الجوار.

وقد توقع موقع “livetradingnews” الإخباري إحياء الخلافة العثمانية في مقال منشور بتاريخ 16 أبريل 2017 تحت عنوان “تركيا وعودة الخلافة العثمانية” ربط فيه بين التعديلات الدستورية الحالية بتركيا ومساعي أردوغان لإحياء الخلافة العثمانية وفيلم وثائقي عرضته قناة روسيا اليوم يوثق شهادات وحقائق عن تنظيم داعش ومدى التوغل التركي داخل سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب. ولفت التقرير إلي وجود بعض الوثاق والشهدات التي تؤكد صلة تركيا بالتنظيم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حتى إذا ما سقط التنظيم بعد وحشيته الغير مستساغة من الجميع يبدو النموذج التركي للخلافة وكأنه النموذج الأفضل مما يتيح لتركيا الفرصة أمام العالم الإسلامي لتبدو وكأنها أفضل الخيارات المطروحة عليهم.

يجب علينا أن نحذر جميعا من تلك المسعي للتوغل داخل العالم الإسلامي مرة بحجة الدفاع عن الإسلام وإعادة الخلافة الإسلامية ومرة بحجة محاربة الإرهاب، لأنه في حقيقة الأمر لا تختلف كثيرًا دعوات داعش وتركيا لإعادة الخلافة الإسلامية من حيث السعي للسيطرة على عقول العالم الإسلامي ومن ثم السيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم بعد ذلك بحجة الدفاع عن المسلمين المضطهدين وإحياء الخلافة المركزية التي تتحكم في عدد كبير من البلاد الإسلامية بأمر الخليفة الملهم الذي يجب على الجميع طاعته، وذلك في الوقت الذي أصبح العالم يتطور ليقلل من المركزية ويستعيض عنها بالديموقراطية والبرلمانيات التي تعطي الحق للشعوب في تحديد مصائرها، وفي الوقت الذي أكد فيه الأزهر الشريف مرارا وتكرارا على أن نظام الحكم في الإسلام ليس له صورة واحدة بعينها وأن الخلافة ما هي إلا نظامًا ضمن أنظمة متعددة كانت لها وقت وسياق تاريخي محدد.

في النهاية نتساءل هل سينجح أردوغان في طرح نفسه كبديل لأبي بكر البغدادي الذي يتوقع الجميع سقوطه وتنظيمه قريبًا، ليعلن نفسه الخليفة الجديد؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام قريبًا…

بقلم: أحمد صبحي

أضف تعليقك هنا