هل حقا نحن تعساء؟

في العشرين من شهر مارس من كل سنة، يحتفل العالم بيوم السعادة العالمي، وتصاحب هذا الاحتفال مجموعة من التقارير والإحصاءات التي تُظهر معدل السعادة في كل بلد، وتوزع هذه البلدان تراتبيا حسب معدلات السعادة بها، فنجد البلدان الأكثر سعادة، والبلدان متوسطة السعادة، والبلدان الأقل سعادة، والبلدان التي تنعدم فيها السعادة، أو البلدان التعيسة!

فما معايير السعادة التي ترتب بحسبها هذه البلدان؟ وما المؤشرات الدالة على سعادة بلد ما؟

معايير ومؤشرات قياس السعادة

لكي تقيس معدلات السعادة، تقوم المنظمات العالمية المتخصصة بوضع مؤشر للسعادة عالميا، أو كما يطلق عليه بالإنجليزية happy planet index ، وهو مؤشر يقيس مدى السعادة في الدول والمجتمعات، استنادا إلى عدة أمور، منها: مدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا في حياتهم، الدخل الفردي والدعم الاجتماعي، وجود توازن صحي بين الرخاء والرأس المال الاجتماعي، تراجع انعدام المساواة، والثقة في الحكومة، غياب الفساد، مستوى الحرية التي يتمتع بها الأفراد، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، متوسط العمر، توافر درجة عالية من الثقة في المجتمع، وتوافر الخدمات الأساسية وجودة التعليم…أما على المستوى الدولي، فالدول الأكثر سعادة غالبا ما تكون هي الدول الأكثر ثراء، والدول الأكثر سخاء مع مواطنيها.

يقول أحد الباحثين في المجال “إن البلدان التي تسجل معدلات السعادة، هي البلدان الغنية التي تتمتع باقتصاد قادر على المنافسة والديمقراطية، والمحكومة بشكل جيد. وهي تلك التي تسود فيها المساواة بين الجنسين والتسامح، وحيث الناس أحرار في البحث عن نمط حياة يناسبهم بالشكل الأفضل”.

مؤشرات السعادة في الدول العربيةفي ٢٠ مارس كل سنة، يحتفل العالم بيوم السعادة العالمي، فما البلدان العربية السعيدة؟ وما معايير ومؤشرات السعادة؟

حسب التقرير العالمي للسعادة لهذا العام الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة، وهي مبادرة أطلقتها الأمم المتحدة سنة 2012، فإن دول إفريقيا جنوب الصحراء و سوريا و اليمن هي الأتعس من بين 155 دولة شملها التقرير. وقد احتل المغرب ضمن هذا الترتيب المرتبة 84، وهي مرتبة متقدمة مقارنة بالسنة الماضية، حيث كانت مرتبته 90. في حين يحتل المرتبة 9 عربيا لهذه السنة. لكنه في جميع الأحوال، يبقى في آخر الصف.

يقول جيفري ساكس، مدير الشبكة المذكورة، إنه يود أن تحذوا كل دول العالم حذو دولة الإمارات المتحدة، وغيرها من الدول التي عيّنت وزيرا للسعادة ! وللإشارة فإن الإمارات قد احتلت المرتبة 21 عالميا لهذه السنة كأكثر الدول سعادة، والمرتبة الأولى عربيا.

يبقى السؤال المطروح هنا، والذي يستفز المتأملَ للوضع، أو القارئَ لهذا التقرير العالمي، هل نحن فعلا بحاجة لوزير للسعادة حتى نكون أكثر سعادة؟ أم أننا في حاجة لأن نكون مواطنين بالدول الأكثر ثراء في العالم؟ هل وجود قدر لا بأس به من الحرية يمنع عنا السعادة؟ أم أن هذه الأخيرة رهينة بمستوى عال من الحرية؟ هي تساؤلات كثيرة تضطرنا لأن نعيد حساباتنا مع أنفسنا، ونعيد ترتيب المفاهيم لدينا أولا قبل ترتيب الدول أسعيدة أم تعيسة !

يقول الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال “طالما نحن في حالة سعي وراء السعادة، لن نكون سعداء”، أي أننا إن لم نرضى بوضعنا هذا، مبدئيا، ونسعد بما نمتلكه الآن، في أفق أن نكون أحسن حالا، فإننا لن نكون كذلك أبدا.

السعادة في الحديث النبوي 

ولعل سيرة أسعد مخلوق في تاريخ البشرية، تحمل من مفاتيح السعادة ما يجعل الواحد منا يتيه ويتلعثم في وصف سعادته، إن هو أخذ بهذه المفاتيح وحيي بها، فقوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”، يشمل كل أسباب السعادة ومسببات الراحة النفسية، ويجعل الآخذ بهذا القول أكثر سعادة ورضا.

الإيمان والسعادة

صحيح أن السعادة هي قيمة معنوية نسبية، لا تتحقق لدى الجميع بنفس الأسباب ولا الدرجات، إلا أن إيمان المرء ورضاه بما خلقه الله عليه، يشكل فاصلا في الإحساس بهذه القيمة. فلا عجب أن نسمع ارتفاع نسبة الانتحار لدى الغرب، لأسباب في مجملها تافهة، أو شيوع بعض التصرفات غير السليمة أو السوية عند من لا ينقصه من المال والثراء شيء. في حين قد تجد مجتمعا مسلما متوسط الدخل، راضيا بما لديه، مؤمنا بأن في الحياة مرا وحلوا، وأن السعادة في العطاء لا في الأخذ، يعيش حالة من الاستقرار النفسي، وسعادة حقيقية تكفيه. وإلا فأي سعادة تلك التي يعيشها من يملك ثراء فاحشا، وأخوه يسأله أن يعطيه أو يؤويه أو يطعمه، فلا يستجيب !

قد تسعد عندما تقرأ كتابا، أو تمشي تحت المطر، قد تسعد عندما تساعد محتاجا، أو ترضى بالقدر، قد تسعد عندما تتأمل السماء مرصعة بالنجوم، أو ترى القمر..قد تسعد عندما تقرر أنت أن تكون سعيدا، رغم كل المؤشرات التي تدل على عكس ذلك.

واعلم أنك إن لم تصنع السعادة لنفسك، فلا تنتظر أن يصنعها لك وزير دولة !

فيديو هل حقا نحن تعساء ؟

أضف تعليقك هنا

هدى الهسكوري

هدى الهسكوري

صحافية متدربة