الحقيقة الغائبة / طمس الحقائق

جلس يحدثني عن ما يجب وما لا يجب , عن ما هو صحيح وما هو خطأ , وظللت أنصت إليه حتى فرغ من حديثه والحقيقة التي لم أشأ أن أبينها له أنه لم يخرج عن ترديد ما يتناوله الإعلام وخاصة المرئي منه.

ولكني جلست أفكر فيما قاله ليس لشخصه أو لنقده ولكني حاولت أن أفهم تلك الظاهرة المتفشية في مجتمعنا والتي أحب أن أطلق عليها اسم (الأبواق المرئية) , وهي أن أشاهد شيئا أو أستمع لبرنامج أو مناقشة في جلسة على كافيه فأجد نفسي وبدون وعي في بعض  الأحيان أتبنى هذا الكلام وكأنه قناعة شخصية مترسخة لدي حتى إنه في بعض الأحيان ترانا نردد نفس الكلام على نفس الشخص الذي قاله لنا في بادئ الأمر !!.

ترى , هل نتحدث حقا عن قناعات شخصية ؟ أم هو كلام صادف عدم/قلة معرفة في عقل المستمع فصار قناعة ما تلبث أن تتغير بتغير المعطيات؟

دعوني أسوق مثالا حدث معي أثناء إستقلالي لإحدى وسائل المواصلات (سرفيس) وكنت أجلس على المقعد الخلفي الأخير حيث كان مخطط أن أنزل في نهاية الخط , بدأ الركاب في الصعود واحد تلو الآخر , مر السائق على شارع رئيسي وقد تم قطع جميع الشجار –وكانت كبيرة- من الجزيرة الوسطى للشارع فتسأل الركاب , من الذي قطعها ولماذا؟ فبادرهم السائق مازحا , دا المحافظ الجديد عايز يبين شغل فقام أمر بقطعها !! – وكان المزاح باديا في كلامه ونبرة صوته , فما لبث أن صعد ركاب جدد وبدأ الحوار يأخذ منحنى آخر , فبعد أن كان مزاحا أضحى أمرا جديا ثم ما لبث أن صار ضرورة مجتمعية وفي نهاية الخط وقبل النزول كان الأمر قد صار أنه أوامر رئاسية تصدرت الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة !!!

وهكذا يحدث في وسائل التواصل الإجتماعي وخاصة الفيس بوك , يبدأ الخبر مزحة وينتهي به الأمر حقيقة –وعليك لعنة الله إن لم تنشر الخبر ,, وشير في الخير- ولا يعود الأمر في كثيرا من الأحيان 90% من كونه شائعة أو مزاحا.

وللأسف هذه الظاهرة جعلت البعض يتسأل هل الخبر حقيقة أم فيس بوكي – يقصد مصدره الفيس بوك-.

ومن أضرار هذه الظاهرة , غياب الحقيقة بين سيل من الشائعات , حتى أن البعض يحكي لي أنه أمتنع عن نشر أي خبر حتى ولو كان فيه مصلحة للغير مخافة نشر أكاذيب.

ولابد أن نعلم أن هناك الكثيرين الذين يتعمدون نشر إشاعات وأكاذيب لنشر صفحاتهم أو فيديوهاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي والحصول على أكبر قدر من الإعجابات أو المشاهدات.

بين القناعة والخواء الفكري

وكثيرا ما نجلس ونتناقش على أمور عظيمة وكبيرة تخص الأمة أو المجتمع وفي النهاية نجد أن غالبية المشاركين في الحوار لم يقرأ ولو كتابا واحدا عن الموضوع وأن جل مصادره تنحصر في وسائل الإعلام المختلفة والتي في غالبيتها تحمل توجها معينا يخدم مصالح افراد أو هيئات أو دول وليس في الغالب تظهر الأمر على حقيقته.

والغريب أن تجد أناس كثر يستطيعون أن يجلسوا ساعات طويلة يتصفحون مواقع التواصل المختلفة وقد يقرؤن ما يوازي مجلدات ولكنه لا يجد متسع من الوقت ليقرأ كتابا على الأقل في الموضوع الذي يتبناه ويدافع من أجله وقد يعادي ويخاصم ويتطاول بالأفاظ على خصمة لإثبات وجهة نظره التي لم يكلف نفسه عناء البحث والتقصي عنها.

كان قديما حينما تكتب شيئا أو تتحدث عن شيء تنوه عن المصدر حتى يستطيع المخاطب أن يستوثق من المعلومة , أما الآن فصارنا تحدث عن الأمر وكأننا إبتداؤه ومنتهاه.

أدعوا المثقفين الحقيقين والذي يشغلهم هم أوطانهم ومستقبل بلادهم أن يتبنوا وسيلة تكون هي المصدر وكل ما يصدر عنها موثق لا يحمل توجها بقدر ما يحمل الحقيقة في ظل طمس الحقائق وغياب المصادر الموثوقة.

فيديو الحقيقة الغائبة / طمس الحقائق

أضف تعليقك هنا

عمرو عبدالله زارع

عمرو عبدالله زارع