القتال في الدين

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (*) [ سورة البقرة] الآية 216

معنى الجهاد

في الآية المباركة السابقة يتضح فيها كيف يكون القتال كره فهو ازهاق للأرواح والأنفس وحتى ما نطلق عليه جهاد وحرفنا معناه من بذل الجهد والعناء والقوة والعمل في لقمة العيش لك ولذويك إلى القتال في الحين أن الله يقول :-

وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (*) [ سورة العنكبوت] الآية 6

في الآية المباركة ختمها الله بعد أن بين معنى الجهاد أنه ليس لله فيه شيء وإنما الجهاد هو للنفس بالغتي عن العالمين وهنا الغنى عكس الفقر فمن يجاهد أي يبذل الجهد والعناء لتحصيل قوته والبعد عن الفقر بالغنى فذلك لنفسه وليس لله فالله غني عن العالمين

إذا القتال في الكتاب مختلف تماما عن الجهاد فالله عندما يتحدث عن الدفاع والمنعة يقول القتال وعندما يتحدث عن مجاهدة الحياة لنيل القوت والرفاه والكد على النفس العيال يتحدث عن الجهاد
وقد وصف الله القتال بالكره وعدم القبول بالرضا بل هو شيء غير محبب للنفس وليس كما يتم غرسه في نفوس المسلمين أن الجهاد هو الاستشهاد في سبيل الله.
بل الله جل وعلا يقول عن القتال أنه كره لكم ولا يجب أن يكون محببا لأنه حرب وقتال وزهق للأرواح وخسارة في الانفس والمال والعتاد

القتال الكريه الغير حسن لا يكون ابتداءا مطلقا

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (*) [ سورة البقرة] الآية 190

كما أن هذا القتال الكريه الغير حسن لا يكون ابتداءا مطلقا ولا يجب الابتداء به عند المسلمين فالله يأمر بهذا الفعل المكروه مع من يبدؤكم بقتال والله لا يحب المعتدين فقد قال من يبدؤكم بااعتداء فليس عليكم زيادة الكيل في العداء فمن ابدأء بالاعتداء فردوا له كيلة غير مزاد

الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (*) [ سورة البقرة] الآية 194

فقد بدأ الآية الشريفة في الاعتداء بمن اعتدى أي أنه الاعتداء هو ممن يعتدي عليكم ولستم أنتم من يبدأ بهذا الفعل القبيح
مما يثبت بما لا يدع مجالا للشك وتطبيقا لشرائع الله وخير من يطبقها رسول الأمة محمد ص أنه لم يبدأ قوم بقتال ولَم يبدأ قوم بعداوة أو اعتداء مما يستوجب إعادة صياغة التأريخ بالكامل حيث القاعدة أن النبي على خلق عظيم وهو الأفضل والأكمل في تطبيق ما أمر الله به أن يطبق
فهو لا يبدأ قوم بقتال بل ان تلك من المكروهات كما لا يبدأ قوم بالاعتداء ولا يزيد الكيل لهم في رد اعتدائهم .

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (*) [ سورة البقرة] الآية 217

ولا يزالون يقاتلونكم تكررت هذه اللفظة في الكتاب أن القتال عندما يكون فالعدوا هو الراغب فيه وليس للمسلمين سوى رد المعتدي وردعه عن القتال بالدفاع لا بالهجوم مطلقا فالله يأمر بالعناد والقوة ليس للقتال بل للردع وتخويف العدو وارهابه كي يحسب حسابات تبعات هجومه على المسلمين

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (*) [ سورة الأنفال] الآية 60

هذا هو الغرض والمغزى من التسلّح وامتلاك القوة والقدرة ليس للهجوم او القتال بل للردع وهي من أجل الدفاع حال هجوم العدو واعتداءه وقتاله وليس للبدء بشكل حازم لا مجال فيه لذلك جميع الآيات حال القتال يكون الحال – يقاتلونكم – مما يوضح حالة العراك أنه هناك من طمع في قتالكم والحال لكم أن تدافعوا عن انفسكم

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (*) [ سورة التوبة] الآية 36
وقاتلوا المشركين متى يكون هذا القتال مستوجبا العمل كما يقاتلونكم أي حالة البدء والاستمرارية ليست برغبتهم ولا أنتم مبتدؤوها بل هي حالة فرضت عليكم لأنهم يقاتلونكم والقتال مبتدء ومستمر بإرادتهم وإصرارهم وليس لكم فيه الا الدفاع ورد الكيل بمثله فقط .

مما ورد يتضح ويتجلى تماما سقوط فكرة وفتوى الجهاد الابتدائي كما يسقط الروايات المسيئة للنبي ومن اسلم مهه أنه بدأ قوم بقتال أو اعتدى عليهم وهنا يسقط الأشكال حول تلك التي سُميت غزوات فالنبي حاشاه أن يكون غازيا لقوم آمنين ليدخلهم في الدين عنوة وقهرا ومذلة حاشاه فهو يمتثل للقوانين والنظم السماوية حق الامتثال

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (*) [ سورة البقرة] الآية 256

فمن غير المعقول أن النبي بخلقه العظيم أن يغزوا أو يدخل في حرب ابتداء مع قوم بحجة إدخالهم في دينه لانه بذلك سيكون اول من يخالف التشريع الالهي الذي أمر الناس بتطبيقه وبالتالي فلن يكون هناك مصداق للنظرية في تطبيقاته وستكونان متناقضتان وهذا خلاف عصمة النبي وسلوكه وخلقه ص
وإذا علينا مراجعة التأريخ والروايات التي تقول أن النبي قد بدأ قوم بقتال او اعتدى على آمنين واسترق نسائهم وأطفالهم
وقتل رجالهم فكلها تحتاج عرضها على كتاب الله ومعرفة مدى مطابقتها للتعاليم فإن وجدناها متناقضة فعلينا رفضها مهما كانت وممن كانت .

فيديو القتال في الدين

أضف تعليقك هنا

علي البحراني

علي البحراني