القراءة وصناعة العظماء

للنجاح أدوات كثيرة لابد من التسلح بها لمجابهة مخاطر الطريق، ومن بين هذه الأودات القراءة؛ فإذا طالعت سير العظماء في شتى مجالات الحياة لوجدت أنهم اقتطعوا من أوقاتهم الكثير للقراءة. ربما أدركت الآن لماذا انتشر صيت بعض من لا يحسنون أن يكتبوا أسماءهم؛ ببساطة لأننا توقفنا عن القراءة، فأصبح كلُّ غثٍ سمين، ولو أننا خصصنا وقتًا للمطالعة لتغير حكمنا على هؤلاء وأمثالهم، ولارتفعت ذائقتنا الأدبية ومن ثمَّ يرتقي المجتمع.
لا أبالغ فيما أعرضه عليك، وإن كان حديثنا ينصب حول النجاح؛ فإن الناجحين هم من ثابروا في طريق المجد وكانت القراءة قد وضعت بعضهم على الطريق الصحيح، في حين أنها قد شكلت فكر ووجدان البعض وصقلت تجارب غيرهم، وهكذا يتبين لك أن القراءة كنز من كنوز الناجحين لا يزهد فيها واحد منهم مهما كان وقته ضيقًا أو كانت مشاغله متنوعة.
قد يدور في ذهنك سؤال مهم: كيف لي بالوقت الذي أقرأ فيه؟ والإجابة على هذا السؤال لن يتمكَّن أحدٌ غيرهم من تمريرها إليك، لذا كن صارمًا واختر وقتًا للقراءة، لا يحتاج ذلك لخطط جبارة ولا لتخطيط استراتيجي معقد، كن صادقًا مع نفسك وأجب على هذا السؤال: هل أنت تريد القراءة؟ فإذا كانت إجابتك: نعم، فلن تعدم وسيلة لذلك، رتب أولوياتك واحذف من جدولك لصوص الوقت كالتأجيل والتسويف والتراخي والتساهل. الأمر حقًا يتطلب الحزم، النجاح لا يأتي عفوًا، النجاح يتطلب منك البذل والجهد، والقراءة تمدك بخبرات الآخرين من دون عناءٍ تتكبده سواء أكان هذا العناء ماديًا أم معنويًا؛ فما الذي يحجزك عن هذه المكرُمة؟!
اعلم يقينًا أنه من جَرَّبَ المُجَرَبَ كان عقله مُخَرَّبَ، وهذه القاعدة متفقٌ عليها بين أهل كل فنٍ من فنون العلم؛ فلا يُقبِلُ أحدهم على ممارسة تجارب حديثة دون إلمامٍ بما توصل إليه من سبقوه، ويأتي هذا من باب اختصار الوقت والاستفادة من نجاحاتهم وتفاديًا لما وقعوا فيه من أخطاء. إن علمت أن الطب قد اعتمد قديمًا على مبدأ التجربة والخطأ، وأن بعض الأمراض حتى الساعة يتم تشخيصها بمبدأ التشخيص بالاستبعاد، ومنها القولون العصبي؛ فإن ذلك يقودنا إلى أهمية القراءة في حياتنا، إذ أن العلم والمعرفة حصيلة تراكمية وجهد متتابع لا ينقطع.
القراءة وإن كانت ثقيلة على نفسك بطريقةٍ أو بأخرى؛ فهي كالدواء يشربه العليل ليبرأ من الأسقام، فالقراءة متاعٌ للمُقْوين وسبيل الطامحين للنجاح والتمكين في كل مجالات الحياة. أما إذا ما كانت القراءة محببةٌ إلى قلبك وعقلك؛ فهنيئًا لك! وأنت مُطالَبٌ بالاستزادة من القراءة والتحصيل وتنويع مدارِكك وثقافتك. لا حدود لعقل الإنسان، وأنت وحدك من تضع لنفسِك الحدود التي لا تريد تجاوزها؛ فإن شحذت ذهنك وأيقظت فكرتك، بلغت شأوًا عظيمًا ومكانًا في قائمة الخالدين رشيدًا، ولا يكون ذلك إلا بالمطالعة المستمرة لسير الذين تركوا بصماتٍ لا يمحوها الحدثان.
هل لازلت لا تجد وقتًا للقراءة؟! ما رأيك لو استمعنا لابن الأعرابي في هذه الجزئية، وأثقُ أنك ستجد بعدها وقتًا لتقرأ فيه. وابن الأعرابي -كما تعلم صديقي القارئ- إمامٌ من أئمة اللغة في الكوفة، وكان الأمراء وعِليَةُ القوم يحرصون على مجالستِهِ والاستماع إلى دُرره التي طالما أتحفهم بها، ويروي أحمد بن أبي عمران أنَّه كان عند أبي يعقوب أحمد بن محمد بن شجاع، فأرسل ابن شجاعٍ غلامًا له لابن الأعرابي يسأله المجيء إليه. فعاد الغلام، وقال: قد سألتُه عن ذلك؛ فقال لي: عندي قومٌ من الأعراب؛ فإذا قضيتُ أربي معهم أتيت! واستطرد الغلامُ قائلًا: وما رأيت عنده أحد .. إلا أني رأيت بين يديه كتبًا يقلِّب فيها؛ فيقرأ في هذا مرة وفي هذا مرة. وبعد فترة ليست باليسيرة أقبلَ ابن الأعرابي على ابن أبي شجاع، فقال ابن أبي شجاعٍ مُغْضَبًا: قال لي الغلام أنه ما رأى عندك أحد، وقد قلت له عندي قومٌ من الأعراب؛ فما الأمرُ؟ قال ابن الأعرابي بلسانٍ ملؤه الفخر والثقة:
لنا جلساءٌ لا نمَلُ حديثُهم ** ألِبَّاءُ مأمونونَ غيبًا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى ** وعقلًا وتأديبًا ورأيًا مسددا
بلا فتنةٍ تُخشى ولا سوء عشرةٍ ** ولا تنقي منهم لسانًا ولا يدا
فإن قلتَ أمواتًا فما أنتَ كاذِبٌ ** وإن قلت أحياءً فلستُ مفنِّدا
يقودنا ذلك إلى أنَّ هذا العالِم ومن على شاكلته قد ألزموا أنفسهم جدولًا صارمًا للقراءة والاستفادة، فلم ينجرفوا لملذات الحياة وبهرجها الخداع، وهذا أحد أسباب نجاحهم في مسعاهم وتحقيق إنجازٍ لم يحققه غيرهم ممن دار في دوامة اللهو واللعب.
إذا بلغتك مقولة مالكوم إكس “يجهل الناس حقيقة أن كتاب واحد قد يغير مجرى حياتهم” فعليك أن تتعرف ولو على جناح السرعة عن ملابسات هذه المقولة الصادقة؛ فهذا الشاب الزنجي الذي نشأ في بيئة تمتهن السود وتضعهم في مرتبة دون أقرانهم البيض، وهو ما أدى لضيق هذا الشاب بالبيض ومقتهم طويلًا، ودخل السجن لارتكابه بعض الجرائم، ثم بدأ القراءةَ وهو مسجون، عندها تشكل وعيه وصحح مساره وتعرف على مسالك أخرى للحياة تختلف عن العنف والجريمة، وقد كان لهذه الفترة تأثيرًا قويًا على حياة مالكوم إكس لم يعهدها قبل ذلك. ولذلك فقد اقتنع من أعماقه أن القراءة سبيل التغيير الإيجابي في حياة كل الناس، هذا التوجه كان راسخًا في ذهن كل ناجح ومؤثر في دنيا الناس.

في ظل الظروف الطبيعية؛ فإن الأغشية المخاطية المهبلية تكون غنية بأنواع مختلفة من البكتريا، يمكن تقسيم هذه البكتريا لنوعين؛ الأول يسمى صديق المهبل أو البكتريا المقيمة Residental والنوع الثاني يدعى البكتريا المؤقتة كما يعرف كذلك بالعوامل الممرضة الانتهازية. البكتريا المقيمة والمعروفة كذلك بالفلورا الطبيعية تتواجد في المهبل وبينهما علاقة تبادل منفعة، وفي حال فقدها فإنها تعاود التواجد مرة أخرى. البكتريا المؤقتة ربما تحتل المهبل لفترة ليست بالطويلة، ويتوقف إجلاء البكتريا المؤقتة عن البيئة المهبلية على قوة وفعالية البكتريا المقيمة وجهاز مناعة الجسم. في حالة تخاذل البكتريا المقيمة في طرد البكتريا المؤقتة؛ فإن مشاكل ومضاعفات طبية خطيرة قد تظهر على الساحة وقد تؤدي للعقم في نهاية المطاف.
إذًا يتعين علينا تشجيع البكتريا المقيمة على أداء عملها على الوجه الأكمل، ولكن هل نعلم كيف نساعدها على ذلك؟ لن نساعد البكتريا الصديقة للمهبل على النمو من خلال الكلمات الإيجابية والإطراء عليها، وإنما يمكننا ذلك بفهم كيف تعمل أولًا، وما العوامل التي تقلل من سيطرتها في بيئة المهبل ثانيًا، ثم يأتي دورنا بعد ذلك ممثلًا في إمدادها بما يساعدها على العمل. وفي هذا المقال نحن على موعد مع هذه الرحلة التي تهم كل سيدة على وجه الأرض.
بدايةً تعمل البكتريا المقيمة على حفظ الأمن والسلامة داخل البيئة المهبلية Vaginal Ecosystem من خلال تزويد البيئة المهبلية بالأحماض التي تحول دون نمو البكتريا المؤقتة والعوامل الممرضة الأخرى. ولا تستطيع العوامل المؤذية لبيئة المهبل بالوصول إليه إلا عند حدوث خلل في نمو وتكاثر البكتريا المقيمة أو عند ضعف إنتاج الحمض. الحمض الذي تنتجه البكتريا المقيمة يؤدي دور المادة المطهرة والمعقِّمة في بيئة المهبل. هنا قد يبرز السؤال: مادام ذلك كذلك، فكيف تظهر البكتريا المؤقتة؟ وما توابع تواجدها؟ وهو ما يقودنا للنقطة التالية في هذا السياق.
البكتريا المقيمة تسيطر على الأوضاع في البيئة المهبلية إلا في حالتين: حالات المرض أو الإصابة الوبائية بالإضافة إلى فترة سن اليأس. ففي حالات المرض والضغوط النفسية والعصبية، واضطرابات التغذية، والحمية الغذائية القاسية، وتناول المضادات الحيوية فإن ذلك يؤثر سلبًا على البكتريا المقيمة، إذ أن المضادات الحيوية تقتل البكتريا كلها المقيمة منها والمؤقتة على حدٍ سواء؛ مما يؤدي لظهور سريع وخاطف ومؤقت للبكتريا المؤقتة في البيئة المهبلية، وسرعان ما تعاود البكتريا الطبيعية إحكام قبضتها على البيئة المهبلية وطرد الغزاة. هذا شيء جيد، ولكن المؤسف أن السيدات في فترة سن اليأس يتعرضن لمشكلة قوية فيما يخص البكتريا المقيمة، هذه المشكلة هي جفاف المهبل.
يعد جفاف المهبل من المشاكل المعتادة لدىّ السيدات في مرحلة سن اليأس، وقد أثبتت الدراسات أن ما يقرب من 50% من السيدات في هذه المرحلة بالإضافة إلى 10 – 20% من السيدات قبل مرحلة سن اليأس يعانين من انخفاض مستوى الإستروجين؛ مما يترتب عليه تراجع نمو وتمايز الخلايا المهبلية أو ضمورها، ويواكب ذلك نقص إنتاج الجليكوجين. وقد يسأل القارئ العزيز: أراك انتقلت من الحديث عن البكتريا المقيمة إلى موضوع منفصل، فهل هذا منطق؟! والجواب أننا في ذات الموضوع ندور، إذ أن الجليكوجين يمثل الغذاء الذي تغتذي عليه البكتريا المقيمة، وندرة الغذاء تعني بالطبع ضعف أو حتى ندرة إنتاج البكتريا المقيمة للحمض، وهذا الحمض بما أنه يقوم بدور المطّهر والمعقم فإن نقصه سيسمح للبكتريا المؤقتة بأن تعيث فسادًا في البيئة المهبلية.
تنقسم الخلايا الطلائية المهبلية لثلاثة أنواع رئيسة وهي (Parabasal cells, Intermediated cells, Superficial cells) بالإضافة لأنواع أخرى من الخلايا هي Erythocytes, Neutrophiles, Foam cells وبانخفاض مستوى الهرمونات الأنثوية خلال فترة سن اليأس فإن سلسلة من الخطوات تتم في تتابع يشبه تتابع قطع الدومينو، والذي يمكن إجماله على النحو التالي:
– انخفاض معدل نمو وتمايز الطبقة الطلائية المهبلية.
– ضعف سمك الطبقة الطلائية المهبلية، وضعف الإفرازات المرطبة للمهبل.
– ضمور المهبل Vaginal Atrophy وبتكرار الضمور يحدث جفاف المهبل Vaginal Dryness
– تراجع إنتاج الجليكوجين؛ مما يؤدي لنقص غذاء البكتريا المقيمة.
– نقص محتوى بيئة المهبل من الحمض.
– تغيُّر البيئة المهبلية من الوسط الحمضي إلى الوسط القلوي (القاعدي) الموائم لنمو الميكروبات الانتهازية.
– التعرض للهبات الساخنة Hot Flashes والتقلبات المزاجية وآلام الثدي.
– حدوث مشاكل مثل صعوبة التبول وآلام أثناء العلاقة الحميمة.

هذه الأحداث تجعل زيارة الطبيب المختص خطوة ضرورية ولا تحتمل التأجيل، فإن الإسراع بالتعامل مع مثل هذه المشاكل في بدايتها يمنع المضاعفات الخطيرة التي قد تنشأ جراء التساهل أو التسويف. ومن الضروري جدًا الالتزام بتعليمات الطبيب وعدم الإصغاء لمحترفي الفتوى بداعٍ ومن دون؛ حتى لا تجد السيدة نفسها فريسة لوصفاتٍ مهلكة أو ضحية لنصيحة غير مسؤولة. أشدد على هذه الجزئية إذ أن البعض يتطوع -دون أن يطرف له جفن- بالقول: يمكن التخلص من هذه الآلام باللجوء إلى العلاج بالبدائل الهرمونية، هكذا ببساطة!! ويرتكز هؤلاء على حقيقة أريد بها باطل، وهي أن النباتات تحتوي على هرمونات طبيعية شبيهة بالاستروجين. صحيح أنه تم اكتشاف الاستروجينات النباتية عام 1926 وبتواصل الأبحاث وجد العلماء أن المستويات العالية من الاستروجين النباتي في نبات نفل المروج Trifolium pretense والمعروف بالبرسيم الأحمر، له تأثيرات خفيفة على خصوبة الأغنام.
علاج جفاف المهبل بالاسترويدات التخليقية ومنها Promestriene لا يخلُ من مخاطر صحية جسيمة ومنها احتباس السوائل تحت الجلد، وتحفيز مستقبلات الأورام مثل مستقبلات أورام الثدي؛ مما يجعل الإصابة بسرطان الذي إثر استعمال هذه المستحضرات عالية الاحتمال. نسبة الاستروجين في الإنسان أقل منها كثيرًا في نفل المروج، كما أن خلافًا حادًا في الأوساط الطبية حول دورها في الإصابة بالجلطات وال تحفيز نمو الأورام الرطانية لاسيما أورام الثدي؛ مما يوجب الابتعاد عنها ما لم يقرر الطبيب المختص خلاف ذلك. ولها تأثير على الحالة المزاجية للسيدة، فعلى سبيل المثال كان النازيون يحقنون الجنود بالاسترويدات بهدف جعلهم أكثر عدائية، فقرر الاتحاد السوفيتي حقن الرياضيين بعد ذلك بالاسترويدات عند اكتشافهم لما قام به النازيون.
هناك وسائل أكثر أمنًا يمكن اللجوء إليها لتقليل مشاكل فترة سن اليأس، ومن بينها استعمال منتجات البكتريا الصديقة للإنسان Probiotics وهي كائنات دقيقة تؤثر بشكل إيجابي على بيئة المهبل، وتعمل على استعادة التوازن الطبيعي بين البكتريا المقيمة والبكتريا المؤقتة. ويشترط فيها أن تكون مكوناتها طبيعية ومناسبة لبيئة المهبل (يفضل أن تحتوي على نسبة عالية من بكتريا اللاكتوباسيلس والتي تمثل 70 – 95% من بكتريا المهبل)، وأن تكون لها القدرة على الالتصاق بالخلايا الطلائية المهبلية، وأن تكون سهلة الاستخدام. ومن بين أشهر الأنواع الموائمة لهذه الشروط بكتريا اللاكتوباسيلس الحمضية Lactobacillus acidophilus والتي تمتاز بقدرتها على تكوين مستعمرات بشكلٍ سريع؛ مما يحقق حماية البيئة المهبلية من خلال التضاد المباشر Direct antagonism مع البكتريا المؤقتة، وتحفيز جهاز المناعة على التخلص من البكتريا المؤقتة عبر آليات متنوعة منها تنشيط ابتلاع البكتريا المؤقتة وتنشيط الخلايا القاتلة الطبيعية NK cells والخلايا المساعدة T لإعادة البكتريا المقيمة للبيئة المهبلية.

فيديو القراءة وصناعة العظماء

 

أضف تعليقك هنا

محمد الشبراوي

محمد الشبراوي

كيميائي مصري، مهتم باللغة العربية.