ايجابية المقاطعة

منذ بداية الشهر الحالي وحالة من الحمى الانتخابية كانت قد حلت بأرض الضفة الغربية المحتلة وظهر الامر على شاكلة حرب حامية الوطيس ومع ان المتنافس هو الحزب الحاكم فيما بين شظاياه إلا ان البعض اثر خوض غمار هذه المعركة وجند كل ما يعرفه او يحفظه من نصوص ومقاربات والغريب ان المعركة هذه سحبت في أتونها قوم قالت حركتهم الام قولها الفصل في المقاطعة ترشحا ثم وضحت لاحقا ان الانتخاب هو حرية شخصية تابعة للاجتهاد الشخصي وطبيعة الموقع الذي يحيا فيه المنتخب وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة شرسة من كلا الطرفين غير الخائضين معمعان الانتخاب من ابناء الحركة المقاطعة ووصل الامر الى حال لم يكن احد يتخيل ان تصل اليه الامور
ان ما حدث من نقاش ومساجلات وضعت المتابع في حقيقة ما عليه معتقدات واجتهادات كل طرف ولو بدأنا بالأخوة الذين قالوا انهم سيشاركون وفعل جزء منهم بعد ذلك فان حجتهم الدامغة حسب رأيهم انه يجب محاربة الفساد ومنع الأسوأ من الصعود الى منصة الحكم المحلي وهي نفس الحجة التي قال بها المقاطعون من ابناء الحزب الحاكم نفسه وهذا اعتراف من كل الاطراف اننا نتحدث عن اختيار بين سيء وأسوأ أي ان الامر ليس خدماتيا بحتا بقدر الرغبة في التخلص من متسلق ومتملق وفاسد فاجر بدعم من هو اقل تسلقا وفسادا وتملقا وهنا تحديا فان محاربة الفساد بجلب من هو اقل فسادا هو ضرب من التمحل والتكلف غير المحمود اذا اننا في بلد محتل جربنا فيه انتخابات لمرات قليلة وعلمنا بالاستقراء والتجربة ان من يحكم هو من يملك مفاصل المؤسسات ويملك المال السياسي فنحن اذا نتحدث عن واجهات يتم تحركيها عن بعد سواء اقر بذلك المستقلون ام لم يفعلوا فمن منهم يستطيع ان يعدك بمشروع خدماتي بحت لبلده وأنت وهو تعلمان ان المشاريع توزع في جلسات السمر وحفلات الشواء من اجل رفع رصيد فلان المتنمر وخفض اسهم المستقل لإفشاله وهي تجربة معروفة قبل عقد من الزمن ونيف عانى منها من دخل معمعان الانتخابات حينها
غير ان ما يعنينا في هذا المقام ليس التأريخ لتصرفات الحزب الحاكم وعربدته وإنما الحديث عن السجال الذي حدث بين من قاطعوا ومن لم يفعلوا من ابناء الحركة المقاطعة ترشحا ذلك ان هذا الجدال والسجال اظهر ثقافة غير موجودة اصلا في ثقافة تلك الحركة من الناحية النظرية المثالية وهي ثقافة الطاعة العمياء او سوق القطيع ورمي المقاطع او المشترك بقصر النظر وعدم فهم روح الدعوة ومصلحة الامة وبما ان الحديث عن حركة اسلامية تعتمد تعدد الاجتهادات في النقاش والإلزام في القرار القطعي فان البعض قد سحب الامور الى حد عال من رفض الاخر من ابناء دعوته شركاء المحن والسجون والاضطهاد فانه كما اسلفنا كانت حجة المشاركين هب منع فوز وصعود الاسوأ غير ان هذا الاستصلاح العقلي والقياس غير السليم العلة نسي اصحابه في غمرة حملتهم لإقناع المقاطعين عدة امور

اولا:

ان هناك تعددا كبيرا في المواقع التي عقدت فيها الانتخابات وان هذا التعدد يعني الاختلاف في الظروف الموضوعية لكل موقع مما يعني حرفيا ان اهل كل بلد ادرى بشعابها وادرى اكثر بشخصيات تلك البلد وبالتالي فانه لا يمكن اخذ بلد كأنموذج يحتذى وبالتالي تعميم المشاركة او دعم المستقلين علما ان هناك بلدانا لم يكن فيها إلا تنافس بين شظايا الحزب الحاكم

ثانيا:

نسي هؤلاء ان هناك حالة من الانقسام المادي والوجداني وشعورا عميقا بعدم الصلة بين الحزب الحاكم والمقاطعين نتيجة عقد او اكثر من الاضطهاد والمتابعة والإقصاء وحتى الالغاء فبالتالي الحديث عن جيل لا يرى اصلا انه يجب الحديث عن الانتخاب من عدمه ويرى انه من كان يعاديه في الامس لا يمكن ان يصبح ودودا إلا لمصلحة تنقضي ومن ثم نعود لنقطة البداية في مسلسل الاضطهاد والإقصاء

ثالثا:

عدم واقعية المرجعيات التي رأت المشاركة وان كان التذرع بالحكمة ومصلحة المواقع ومحاولة التأثير بدعم مستقل او منشق ساخط فلم تكن هذه الحجة كافية لإقناع المقاطعين لأنهم رأوا الامر كمن يصلح ثلمة في سيف منافسه دون ان يدري اين سيغمد ذلك السيف وكذلك بعد تلك المرجعيات عن واقع الجيل المواجه لفعاليات الاضطهاد من قبل الحزب الحاكم مما ولد فجوة كبيرة لم تدركها المرجعيات الادبية إلا عندما احتدم النقاش واتخذت المواقف وهنا لا بد من تسجيل ملاحظة ربما تغيب عن تلك المرجعيات الادبية ذلك ان كثيرا من المناصرين والأتباع لديهم اراء ومواقف لا يمكن اغفالها وان زمن الامر والنهي بسلطة الحكمة او السن قد ولى إلا اذا كانت تلك الحكمة في مقدمة المواجهة والرفض لما يتعرض له اؤلئك الاتباع والمناصرين

رابعا:

حاول البعض العزف على وتر الطاعة في المنشط والمكره وعدم النقاش وشن حملة واسعة على المقاطعين وهذا يؤكد عدم الواقعية الذي يحياه البعض من المنظرين للحركة الاسلامية ذلك انهم ربما في امكنة اخرى غير وارد فيها تخيلا واقع الضفة الغربية المحتلة ويظنون ان المناصرين والأتباع هاهنا يتمردون او يرفضون من باب الترف الفكري وكم مؤلم هذا التخيل عند اؤلئك فلا هم بمدركين الواقع الفعلي ولا هم مدركين لخطورة كلامهم التنظيري على من يتابعه ويرى فيهم احتمالا للتغيير المستقبلي
ان الانتخابات قد انقضت بعجرها وبجرها وأظهرت امورا عديدة لا يمكن اغفالها وأولها ضعف حجم شعبية الحزب الحاكم الذي نافس نفسه وفاز بعضه على بعضه ومن ثم اظهرت هذه الانتخابات ان الشعب يملك حدا من السخط وعدم الرضى عمن يحكمونه حتى في المؤسسات الخدماتية البحتة ولا يعني هذا السخط ان الشعب لديه رضا تاما عن جهة اخرى ويكون مجدفا من ظن ذلك بل الاعتقاد الواقعي يقول ان حالة السخط هذه ناتجة عن حالة من الملل من السياسة بكل اطرافها فالفجوة بين الحاكم والمحكوم في ازدياد وكذلك الفجوة بين المنظرين المتابعين عن بعد وبين حقيقة ما يريده الشعب ويسمو اليه وكذلك يمكن القول ان من نتائج تلك الانتخابات انها اظهرت انفصالا عن الواقع بين المرجعيات الادبية التاريخية للحركة الاسلامية وأتباعها وتحديدا بعد غياب الهيكلية التنظيمية الناظمة للعلاقة بين الجهتين ومن زعم غير ذلك فليراجع النقاش الدائر بين الجهتين قبيل الانتخابات
لقد كانت المقاطعة ايجابية لأنها اظهرت كما كبيرا من الوعي لدى المستهدفين من التنظير وكانت ردودهم دامغة وعللهم اقوى فلم يدخلوا معمعان استصلاح الفاسد وكأنهم ارادوا ان يظهر الوجه القبيح للفساد وللعشائرية المقيتة وقالوا كلمتهم الفصل بأنه لا يمكن ان يستمر الوضع على ما هو عليه ولا يمكن ان يقبل الوصاية الابوية دون دليل او حجة تقنعه قبل ان ترغمه وحبذا لو ادرك ذلك متخذو القرارات ويكفي المقاطعين ايجابية انهم انحازوا لشعبهم فكانوا معه حتى في عدم مبالاته بمنافسة داخلية ولا يمكن ان نلج الحديث التفصيلي عن حالات دون غيرها ونتمنى ان تكون هذه التجربة دليلا ومنهجا لما هو ات ويمكن النظر لما الت اليه الامور بعد ظهور النتائج حيث تبين ان الاتفاقات لم تكن تنافسية بين راغبين في الخدمة وإنما وعود من الحزب الحاكم وصفقات مع بعض العشائر وقد قلب لهم ظهر المجن والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون

فيديو ايجابية المقاطعة 

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة