شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (12 /16 )

لماذا لا نسمي اليابان وأوربا رجعية بتدينهما ؟!

. فلماذا – يا ليت شعري – تتقدم اليابان هذا التقدم السريع المدهش وتصير هذه الأمة العصرية يضرب برقيها المثل ، وهي تضرب بأعراقها إلى عقائد وعادات ومَنازع مضى عليها ألفا سنة ، ويكون إمبراطورها هو كاهنها الأعظم ، ولا يقال عنها : (رجعية ) و ( مرتجعة ) و ( ارتجاعية ) ؟ ( فإن كانت اليابان رجعية فمَرْحَى بالرجعية ! ) ولماذا كان ملك إنكلترة وإمبراطور الهند السيد على 400 مليون آدمي في الأرض من البيض والسمر والصفر والحمر والسود – هو رئيس الكنيسة الإنكليكانية ، ومجالسه النيابية تبحث في جلسات عديدة في قضية الخبز والخمر ، هل يستحيلان بمجرد تقديس القسيس إلى جسد المسيح ودمه فعلاً بدون أدنى شك أم ذلك من قبيل الرمز والتمثيل ؟! ولا يقال عنه : إنه ( رجعي ) ولا يقال عن دولته العظمى : إنها ( متأخرة ) أو ( متقهقرة ) ؟ فإن كانت إنكلترة بعد هذا متقهقرة فيا حبذا ( التقهقر ) ! ولماذا كانت القارة الأوربية كلها مسيحية مفتخرة بمسيحيتها ، تتباهى بذلك في كل فرصة ، متحدة في هذا الأمر على ما بينها من عداوات ومنافسات ، ولا ننبزها بقولنا : ( رجعية ) و ( ارتجاعية ) والحال أن الديانة التي تدين بها أوربا عمرها 19 قرنًا . وهذا عهد يصح أن يقال عنه : قديم     ( وقديم جدًّا ) . وهؤلاء اليهود – مهما ننكر عليهم ، فلا نقدر أن ننكر عليهم المقدرة والذكاء والحس العملي والجد الهائل – لا يزالون يفخرون بتوراة وُجدت منذ آلاف السنين ، ويشاركهم فيها المسيحيون ؟! ولماذا نرى أعظم شبان اليهود رقيًّا عصريًّا يجاهدون في إحياء اللغة العبرية التي لا يعرف تاريخها لتوغلها في القدم . ولا يقال عنهم : إنهم ( رجعيون ) و( متأخرون ) و ( قهقريون ) ؟! وقد نشر وايزمان رئيس الجمعية الصهيونية حديثًا في جريدة ( الماتن ) كان في أهم ما فخر به وأدلى به كمأثرة ينبغي أن تذكرها لهم الإنسانية هو : ( أن فلسطين الحديثة تتكلم اليوم بأجمعها بلغة الأنبياء ) يريد بفلسطين الحديثة فلسطين اليهودية ! التي قد نشر الصهيونيون فيها اللغة العبرانية القديمة وأجبروا نشئهم الجديد على أن يتحدثوا بها لتكون اللغة الجامعة لليهود . ومَن الذي فعل هذا ؟ الجواب : هم اليهود العصريون الأشد أخذًا بمبادئ العلم الحديث والحضارة العصرية { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ( البقرة : 269 ) وماذا عساني أحصي من هذه الأماثيل والعبر في رسالة وجيزة كهذه؟!

كل قوم يعتصمون بدينهم ومقومات ملتهم ومشخصات قومهم الموروثتين ولا ينبزون بهذه الألقاب إلا المسلمين . فإنه إذا دعاهم داعٍ إلى الاستمساك بقرآنهم وعقيدتهم ومقوماتهم ومشخصاتهم وباللسان العربي وآدابه والحياة الشرقية ومناحيها – قامت قيامة الذين في قلوبهم مرض ، وصاحوا : لتسقط الرجعية ! وقالوا : كيف تريدون الرقي وأنتم متمسكون بأوضاع بالية باقية من القرون الوسطى ونحن في عصر جديد ؟! جميع هؤلاء الخلائق تعلموا وترقوا وعلوا وطاروا في السماء والمسيحي منهم باقٍ على إنجيله وتقاليده الكنَسية ، واليهودي باق على توراته وتلموده ، والياباني باق على وثنه وأرزه المقدس ، وكل حزب منهم فرح بما لديه . وهذا المسلم المسكين يستحيل أن يترقى إلا إذا رمى قرآنه وعقيدته ومآخذه ومتاركه ومنازعه ومشاربه ولباسه وفراشه وطعامه وشرابه وأدبه وطربه وغير ذلك ، وانفصل من كل تاريخه ، فإن لم يفعل ذلك فلا حظ له من الرقي ! فهذا ما كان من ضرر الجاحد الذي يقصد السوء بالإسلام وبالشرق أجمع ويخدع السذج بأقاويله .

غوائل الجامدين في الإسلام والمسلمين !

وبقي علينا المسلم الجامد ؛ الذي ليس بأخف ضررًا من الجاحد ، وإن كان لا يشركه في الخبث وسوء النية ، وإنما يعمل ما يعمله عن جهل وتعصب ! فالجامد هو الذي مهد لأعداء المدنية الإسلامية الطريق لمحاربة هذه المدنية ، محتجين بأن التأخر الذي عليه العالم الإسلامي إنما هو ثمرة تعاليمه ، والجامد هو سبب الفقر الذي ابتلي به المسلمون ؛ لأنه جعل الإسلام دين آخرة فقط . والحال أن الإسلام هو دين دنيا وآخرة ، وأن هذه مَزِيَّة له على سائر الأديان . فلا حَصَر كسب الإنسان فيما يعود للحياة التي وراء هذه كما هي ديانات أهل الهند والصين ، ولا زهده في مال الدنيا وملكها ومجدها كتعاليم الإنجيل ، ولا حصر سعيه في أمور هذه المعيشة الدنيوية كما هي مدنية أوربة الحاضرة .

والجامد هو الذي شهر الحرب على العلوم الطبيعية والرياضية والفلسفية وفنونها وصناعاتها بحجة أنها من علوم الكفار . فحرم الإسلام ثمرات هذه العلوم ، وأورث أبناءه الفقر الذي هم فيه وقص أجنحتهم . فإن العلوم الطبيعية هي العلوم الباحثة في الأرض ، والأرض لا تخرج أفلاذها إلا لمن يبحث فيها فإن كنا طول العمر لا نتكلم إلا فيما هو عائد للآخرة قالت لنا الأرض : اذهبوا توًّا إلى الآخرة فليس لكم نصيب مني . ثم إننا بحصر كل مجهوداتنا في هذه العلوم والمحاضرات الأخروية جعلنا أنفسنا بمركز ضعيف بإزاء سائر الأمم التي توجهت إلى الأرض ، وهؤلاء لم يزالوا يعملون في الأرض ونحن ننحط في الأرض ، إلى أن صار الأمر كله في يدهم ، وصاروا يقدرون أن يأفكونا عن نفس ديننا ، فضلاً عن أن يملكوا علينا دنيانا . وليس هذا هو الذي يريده الله بنا وهو الذي قال : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ } ( النور : 55 ) الآية ، وقال : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } ( البقرة : 29 ) وقال :     { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ } ( الأعراف : 32 ) وقال – فيما حكاه وأقره – : { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } ( القصص : 77 ) وعلَّمنا أن ندعوه بقوله : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } ( البقرة : 201 ) .. إلخ .

والمسلم الجامد لا يدري أنه بهذا المشرب يسعى في بوار ملته وحَطّها عن درجة الأمم الأخرى ، ولا يتنبه لشيء من المصائب التي جرها على قومه إهمالهم للعلوم الكونية حتى أصبحوا بهذا الفقر الذي هم فيه ، وصاروا عيالاً على أعدائهم الذين لا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمة ، فهو إذا نظر إلى هذه الحالة علَّلها بالقضاء والقدر بادئ الرأي ، وهذا شأن جميع الكُسالى في الدنيا يحيلون على الأقدار .

هذا الخلق هو الذي حبب الكسل إلى كثير من المسلمين فنجمت فيهم فئة يلقبون ( بالدراويش ) ليس لهم شغل ولا عمل ، وليسوا في الواقع إلا أعضاء شلاء في جسم المجتمع الإسلامي .

وهذا الخلق بعينه هو الذي جعل الإفرنج يقولون : إن الإسلام جبري لا يأمر بالعمل ؛ لأن ما هو كائن هو كائن ، عمل المخلوق أم لم يعمل .

آيات العمل المبطلة لتفسير القدر بالجبر والكسل :

ولا أدل على فساد هذا الزعم الإفرنجي من القرآن الملآن بالحث على العمل وباستنهاض الهمم ، وابتعاث العزائم ، ونوط الثواب والعقاب والفوز والفشل بالعمل الذي يعمله المكلف . قال الله تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } ( التوبة : 105 ) وقال تعالى : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } ( يونس : 41 ) وقال تعالى : { وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ } ( التوبة : 94 ) وقال تعالى : { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ( البقرة : 139 ) وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } ( محمد : 33 ) وقال تعالى : { وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } ( محمد : 35 ) أي : لا ينقصكم أعمالكم ، وقال تعالى : { وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } ( الحجرات : 14 ) لا يلتكم : من لاته يليته أو ولته بمعنى : نقصه ، أي لا يبخسكم من أعمالكم شيئًا ، وقال تعالى :

{ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } ( هود : 15 ) وقال عز وجل :   { وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } ( هود : 111 ) وقال عز وجل : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( الأحقاف : 19 ) وقال عز وجل : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم } ( آل عمران : 195 ) وقال عز وجل : { فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ } ( الزمر : 74 ) وقال عز وجل : { لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ } ( الصافات : 61 ) وقال عز وجل : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } ( فاطر : 10 ) وقال عز وجل : { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } ( النحل : 111 ) وقال عز وجل : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( النحل : 97 ) وقال عز وجل : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } ( آل عمران : 30 ) وقال عز وجل : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } ( الزمر: 70) وقال عز وجل : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا } ( النحل : 34 ) وقال تبارك وتعالى : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً } ( الكهف : 49 ) وقال تبارك وتعالى : { لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي

عَمِلُوا } ( الروم : 41 ) وقال تبارك وتعالى : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } ( سبأ : 37 ) وقال تعالى : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ( الأحقاف : 19 ) وقال تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ } ( الزلزلة : 7-8 ) وقال تعالى : { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( الأعراف : 180 ) ، وقال تعالى :

{ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (السجدة :17) وقال تعالى : { وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ( العنكبوت : 55 ) ..

إلى غير ذلك مما لا يكاد يُحصى من الآيات التي امتلأ بها القرآن ، ومنها ما هو نص في مسألتنا كقوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }              ( الشورى : 30 ) وقوله : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ } ( آل عمران : 165 ) . إن صاحب السؤال يعلم وأكثر المسلمين لا يعملون – أن هذه الآية خاطب الله تعالى بها أكمل هذه الأمة إيمانًا وإسلامًا وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ تعجبوا من ظهور المشركين عليهم في غزوة أُحُد ، فرد الله عليهم ببيان السبب وهو مخالَفتهم أمْرَه صلى الله عليه وسلم للرماة الذين يحمون ظهور المقاتِلة بألا يبرحوا أماكنهم ، سواء كان الغَلَب للمسلمين أو عليهم ، فلما انهزم المشركون خالفوا الأمر لمشاركة المقاتلين في الغنيمة ، فكرَّ عليهم المشركون حتى شجّ رأس النبي صلى الله عليه وسلم .. إلخ .

وكلها ناطقة بأن الإسلام دين العمل لا دين الكسل ، ولا هو دين الاتِّكال على القدر المجهول للبشر ، كما يقول الدراويش البطَّالون : رِزقنا على الله ، عَمِلنا أم لم نعمل ! أو كما يزين للناس بعض مؤلفي الإفرنج من أن دين الإسلام دين جمود وتفويض وتسليم ، وأن تأخر المسلمين إنما نشأ عن ذلك .

ولو كان في هذه الدعوى ذرة ما من الصحة لما نهض الصحابة – أخبرُ الناس بالإسلام – وفتحوا نصف كرة الأرض في خمسين سنة ، ولكن التسليم الذي يتكلمون عنه ويهرفون بما لا يعرفون إنما هو مقرون بالعمل وبالكدح وبالسعي ، وإلا فلا يسمى تسليمًا بل يسمى جمودًا ، ويعد بطالة ، وهو مخالف للقرآن وللسنة . وأما إذا كان التسليم لله مقرونًا بالعمل فإنه أنفع في الدنيا والأخرى ؛ لأن إفراط المرء في الاعتماد على نفسه يورط في البطَر إذا نجح ، وفي الجزع إذا فشل . والذي يريده الإسلام إنما هو أن يعقل الإنسان ويتوكل وأن يدبر لنفسه بهداية عقله الذي جعله الله مرشدًا ، ويعلم مع ذلك أن ليس كل الأمر بيده ، وأن من الأقدار ما لا تدركه الأفكار . وهذا صحيح ، و لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم القدر سأله بعض

أصحابه : ألا نتَّكل ؟ ! فقال : ( اعملوا ؛ فكلٌّ ميسر لما خُلق له ) رواه البخاري ومسلم .

ومن أغرب الغرائب أن هؤلاء الإفرنج الذين لا يفتئون ينعتون الإسلام بالجبرية ، وينسبون تأخر المسلمين إلى هذه العقيدة – التي كان يقول بها فئة قليلة من المسلمين – يذهلون عما هو وارد في الإنجيل من ( آيات ) القضاء والقدر التي تماثل ما في القرآن وقد تزيد عليه مثل قوله : لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بإذن أبيكم السماوي . ومثل ( آي كثيرة ) لو أردت استقصاءها لطال المقال . ولا نجد في الإفرنج الذين هم مغرمون بالعمل وهائمون وراء الكسب ومنكِرون للقضاء والقدر في الجملة – إلا مَن يقرأ الإنجيل ويقدسه ويعجَب بمبادئه السامية كما نعجَب بها نحن . فما بالهم نسوا ما فيه من آيات القضاء والقدر ؟ وما بالهم لم يصفوا أقوال المسيح صلوات الله عليه بالجبرية ؟ { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً } ( التوبة : 37 ) وحقيقة الأمر أن كل ما هو وارد في الإنجيل وكل ما هو وارد في القرآن من آيات القضاء والقدر – إنما كان مقصودًا به سبْق علم الله بكل ما يقع  . ولم يكن مقصودًا به نفي الاختيار والتزهيد في الكسب .

وفي حديث الوزنتين والوزنات وغير ذلك من مواعظ الإنجيل ما يدل على ما عزاه القرآن إلى صحف إبراهيم وموسى ؛ أي وغيرهما من رسل الله { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى } ( النجم : 38-41 ) .

فيديو شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (12 /16 )

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان