شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (13 / 16 )

الإسلام ثورة على القديم الفاسد وجبٌّ للماضي القبيح ..!

والإسلام بَرَاء من جماداتهم هذه . إن الإسلام هو – من أصله – ثورة على القديم الفاسد ، وجبٌّ للماضي القبيح ، وقطع مع كل العلائق غير الحقائق ، فكيف يكون الإسلام ملة الجمود ؟ والقرآن هو الذي جاء فيه من قصة إبراهيم عليه السلام : { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } ( الأنبياء : 52-54 ) وجاء فيه : { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ } ( الشعراء : 71-77 ) وجاء فيه : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } ( الزخرف : 23-24 ) وجاء فيه : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } (البقرة : 170 ) وجاء فيه : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ( البقرة : 142 ) . وغير ذلك من الآيات الداعية إلى الثورة على القديم إذا لم يكن صحيحًا ولم يكن صالحًا .

على أن الذين يفهمون الإسلام حق الفهم يرحبون بكل جديد لا يعارض العقيدة ، ولا تخشى منه مفسدة . ولا أظن شيئًا يفيد المجتمع الإسلامي يكون مخالفًا للدين المبني على إسعاد العباد . أفلا ترى علماء نجد أبعد المسلمين عن الإفرنج والتفرنُج ، وأنْآهم عن مراكز الاختراعات العصرية ، كيف كان جوابهم عندما استفتاهم الملك عبد العزيز بن سعود – أيده الله – في قضية اللاسلكي والتليفون والسيارة الكهربائية ؟

أجابوه أنها محدَثات نافعة مفيدة ، وأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله – لا بالمنطوق ولا بالمفهوم – ما يمنعها .

أفليس الأدنى لمصلحة الأمة أن تقدر الدولة على معرفة أي حادث يحدث بمجرد وقوعه حتى تتلافى أمره ؟ أفليس الأنفع للمسلمين أن يتمكن الحاج ببضع ساعات من اجتياز المسافات التي كانت تأخذ أيامًا وليالي ؟ لقد سألت الشيخ محمد بن علي بن تركي من العلماء النجديين الذين بمكة عن رأيه في التليفون واللاسلكي فقال لي : هذه مسألة مفروغ منها ، وأمر جوازها شرعًا هو من الوضوح بحيث لا يستحق الأخذ والرد .

ولم تكن مقاومة الجديد خاصة بجامدي الإسلام ؛ فقد قاومت الكنيسة في النصرانية كل جديد تقريبًا من قول أو عمل ، ثم عادت فيما بعد فأجازته . ولما قال ( غاليليو ) بدوران الأرض كفّرته ، ولا يزال يوجد إلى اليوم من أحبار النصارى مَن يكفر كل مخالف لما جاء في التوراة من كيفية التكوين ، ومن سنتين حُوكم أحد المعلمين في محاكم إحدى الولايات المتحدة لقوله بنظرية داروين ومُنع من التدريس ، ولكن هذا لم يمنع سير العلم في طريقه  .

فالنصارى عندهم جامدون كما عندنا جامدون ، والمسلم الجامد يحارب كل علم غير العلم الديني التقليدي الذي ألِفه ، حتى إنه ليحارب مَن لا يعتدّ في دينه إلا بالكتاب والسنة ، وينسى أن العلوم الطبيعية والرياضية والهندسة وجر الأثقال والفلك والطب والكيمياء وطبقات الأرض ؛ وكل علم يفيد الاجتماع البشري – هي علوم دينية ؛ إن لم تكن مباشرة ، فمن حيث النتيجة  . وكم جرى تدريس هذه العلوم في الأزهر والأموي والزيتونة والقرويين وقرطبة وبغداد وسمرقند وغيرها عندما كان للإسلام دول كبار وأعاظم رجال . وكم نبغ في الإسلام من عظماء جمعوا بين الحكمة والشريعة ، ونظموا بين الحديث والرياضة ، وإن أكبر فيلسوف عربي اشتهر اسمه في أوربة هو القاضي ابن رشد ، وقد كان من أكابر الفقهاء .

فيديو شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (13 / 16 )

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان