ما بين وثيقة حماس وصفقة القرن

في الشهور الماضية لاحظت كغيري من المتابعين للإعلام المصري تغيرا واضحا في النبرة الخطابية التي يتم الحديث بها عن حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
وعلى الرغم من الضربات الإرهابية العنيفة التي تلقتها مصر خلال الفترة الماضية والتي تعدت حدود جزيرة سيناء لتطال مناطق مؤثرة في منطقة غرب القناة إلا أن الإعلام المصري تجاهل الربط بين حركة حماس وهذه الأحداث.
كما ابتعد الإعلام المصري عن كيل الاتهامات المعتادة للتنظيم الفلسطيني، ولم يجهد نفسه بالبحث عن علاقة تلك التفجيرات بمسارات الأنفاق الممتدة بين قطاع غزة المحاصر ومصر أو حتى إثارة الشكوك السابقة حول وجود الكثير من القيادات المصرية لتنظيم الإخوان الهاربين من قبضة الأمن المصري، في قطاع غزة.
ربما لم تعد “فزاعة” حماس تروق الإعلام المصري بعدما بات الكثير من المصريين مقتنعين أن هذه الإدعاءات كاذبة طالما لم يتم إثباتها بشكل واضح.
لكن وثيقة حركة حماس الأخيرة والتي أعلنها د. خالد مشعل من الدوحة، الاثنين الماضي، تؤكد أن تغير خطاب الإعلام المصري ليس أمرا طارئا ولا وليد صدفة وإنما يحمل رسالة شديدة الوضوح.
فالتنظيم الإخواني المسيطر على قطاع غزة منذ العام 2006، تعرض لضغوط وإغراءات بالغة القوة لدرجة أجبرت قياداته على التنصل عن أهم مبدأين تأسست عليهما ولهما الحركة في كونها جزء من عقيدة وفكر وكيان الإخوان المسلمين وأن الهدف الأساسي لها هو تحرير فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر.
نبتعد قليلا عن هذه الوثيقة ونرجع إلى التقرير المفصل لصحيفة هآرتس العبرية والذي نقلته عن مسؤولين صهاينة كبار عما أسمته صفقة القرن.
ووفقا لتقرير الصحيفة الذي نشرته بتاريخ، الأحد 19 فبراير 2017، فإن “لقاءا سريا” جمع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وكلا من رئيس حكومة الدولة العبرية بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، في مدينة العقبة الأردنية في عام 2016.
وأشارت الصحيفة إلى أن القادة وضعوا الخطوط العريضة لصفقة تنهي الصراع الفلسطيني مع الدولة العبرية تماما.
وتشير التسريبات عن هذه القمة وجود ما يشبه الاتفاق على منح الفلسطينيين دولة على حدود 1967 وربما “مناطق في صحراء سيناء تكون مناطق حرة تجاريا واقتصاديا ومن المحتمل توطين جزء من الفلسطينيين فيها” وكذا منح الفلسطينيين معابر للعالم في الضفة الغربية وتقسيم القدس ما بين شرقية عربية وغربية صهيونية، وإنهاء ملف حق العودة للمهجرين الفلسطينيين بدفع تعويضات مادية لهم، وحصول الدولة العبرية على اعتراف العربي بها كدولة يهودية.
خطورة ومأساوية هذا الاتفاق والذي ربما يكون أسوأ من نكبة 48 ذاتها، تمثلت في كونه يمنح الدولة العبرية اعترافا عربيا وفلسطينيا كاملا بالإضافة إلى حدود دائمة ومناطق خاضعة بصورة تامة ونهائية لسيطرتهم وتخلصهم من ذلك الصداع العربي الفلسطيني للأبد، كما ترحل مشكلة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية لتصبح من شؤون المصريين والأردنيين بدلا من مسؤولية الدولة العبرية السياسية والأخلاقية عنهم، كما من الممكن نقل الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة إلى مناطق أخرى خاضعة للدولة الفلسطينية بما يتماشى مع يهودية الدولة العبرية.
المثير في الأمر أن هذه المبادرة كانت محل شك وتساؤل من رئيس الوزراء نتنياهو والذي رفض إعطاء أجوبة قاطعة حول موقفه من هذه المبادرة، معللا ذلك بعدم ثقته في قدرته على الحصول عى موافقة الائتلاف الحكومي المتشدد، وهو ما يفسر أسباب تعطلها حتى الآن.
لكن وبرغم ذلك فإن الكثير من الوقائع على الأرض تظهر أن هذا المشروع يتم الإعداد له على نار هادئة، فللمرة الأولى تلتقي قيادات أكبر تنظيمين سياسيين فلسطينيين فتح وحماس على رؤية واحدة لحل الصرع تتماشى مع أفكار صفقة القرن، وتقبل كلا المنظمتين بدولة فلسطينية على حدود يونيو 67 وتتنازلان عن فلسطين التاريخية وحق العودة وغيرها من المقدسات الفكرية للشعب الفلسطيني.
وعلى جهة أخرى تسعى أطراف عربية لإزاحة قيادة السلطة الفلسطينية الحالية المتمثلة في الرئيس أبو مازن، واستبدالها بأخرى أكثر تقبلا للصفقة، بالإضافة إلى أن المنطقة الموجودة بسيناء والتي جرى الحديث عن توطين جزء من الشعب الفلسطيني بها هي حاليا منطقة شبه خالية من سكانها بعدما قامت السلطات المصرية بإخلاء أغلب منطقة رفح والمنطقة المحاذية للشريط الحدودي مع غزة من السكان بدعوى وجود أنفاق تهريب أسفل مباني السكان.
فإن كان تهدئة الخطاب الإعلامي المصري من حدة نبرته المعادية لحركة حماس فإنها تأتي بجانب استقبال وفد قيادات حماس للمرة الأولى في القاهرة منذ أعوام وتخفيف حدة الحصار الخانق على أهالي القطاع والسماح بدخول بعض المؤن والمساعدات كحزمة مغريات قدمتها مصر للحركة، حتى تقبل شروط صفقة القرن، بل وربما تصبح أذرع حماس العسكرية كالقسام وغيرها هراوة تأديب لكل من يرفض هذا الاتفاق مستقبلا.
من الممكن خلال الشهور أو السنوات الماضية أن يتم تذليل كافة العقبات أمام هذه الصفقة القاسية وتفرض على الفلسطينيين والعرب مثلما حدث سابقا في اتفاقية كامب ديفيد، لكن الأكيد أن الكثير من المياه قد جرت في نهر العرب وأن وجود 11 دولة قابلة للزيادة، من أصل 22 دولة تحت وطأة صراعات بين شعوب تطالب بالحرية ضد أنظمة مستبدة وفاسدة يعني أن هذه الصفقة ليست سوي اتفاق مؤقت جرى إبرامه في فترة انتقالية من عمر الأمة وستسقط بمجرد استرداد الشعوب حريتها وعودتها إلى مسارها التاريخي.

فيديو ما بين وثيقة حماس وصفقة القرن

أضف تعليقك هنا

إسلام عماد

إسلام عماد