الالتزام بالمسؤولية البيئية ثقافة مفقودة لدى المواطن الجزائري -وجهة نظر-

الأستاذة: سعيدة حياة

مقدمة

تثير العديد من قضايا البيئة اليوم القلق العالمي من تغيّر المناخ، الاحتباس الحراري، نفاذ موارد الطاقة كالبترول، التلوّث البيئي…وغيرها، باعتبارها مشكلات العصر ومحلّ اهتمام الدّارسين والباحثين والمختصين في مختلف الميادين، ونقطة الجدل الأساسية تدور حول هل يعتبر المواطن الجزائري نفسه مسؤولاً تجاه البيئة؟.

أصل فكرة المسؤولية البيئية

ويعتقد الكثيرون أنّ الفكر الإداري الحديث والغربي كان أوّل من نادى بالالتزام بالمسؤولية تجاه البيئة منذ أن أحدثت أوّل ناقلة بحرية تسريباً للنفط وتلويث البيئة البحرية بحمولة كلية تقدّر بــ 2037 طن عام 1886، حينها بدأت مشكلة إلقاء المخلفات(1) ، ولكن بالتمعّن في بدايات الاهتمام بالبيئة يظهر جلياً أنّ الدّين الإسلامي كان سبّاقاً في الحرص على حماية والحفاظ على البيئة بعناية إلاهية وبدلالات من القرآن الكريم والسّنة النّبوية الشّريفة، وعلى الرغم من أنّ كلمة “بيئة” لم يرد ذكرها بصريح العبارة في القرآن الكريم والسّنة الشّريفة.

إلاّ أنّ الإسلام اهتم بحفظ النّوع والسّلالة في الإنسان والأنعام والأشجار، وجميع المخلوقات لغرض الإبقاء على التّوازن البيئي. إنّ البيئة بهذا المفهوم الأرض وما عليها وما حولها ذُكِرت في القرآن الكريم في نحو 199 آية وفي سور مختلفة (2) ، كما أنّ الإسلام وضع الإطار العام لمسؤولية الإنسان في حماية البيئة فنهى عن مختلف مظاهر الفساد في قوله جلَّ جلاله ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (3) ، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (4) ، وقال تعالى ﴿ولَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (5).

الاهتمام العالمي بالمسؤولية تجاه البيئية

أمّا على صعيد الفكر الإداري والاقتصادي والفلسفي والتسويقي، كانت المسؤولية البيئية محل كتابات واهتمام العديد من الكتّاب والفلاسفة منذ 1960 وإلى غاية يومنا هذا. وقد لفتت القضية البيئية اهتمام المجتمع الدّولي من حكومات وهيئات ومنظمات دولية وجمعيات حماية البيئة والمستهلك، منذ عقد أول مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة بإستكهولم (stockholm) 1972بعنوان “بيئة الإنسان”، وتعاقبت المؤتمرات البيئية التي تهدف إلى الحدّ من تلويث البيئة وهدر مواردها الطبيعية بسوء استغلالها من المواطنين والشركات الصناعية والخدمية. وشكّل مؤتمر “قمة الأرض” بريو دي جانيرو (1992) نقطة تحول في دعم البيئة والبحث عن حلول للمشكلات البيئية.

نتهاكات عالمية في حق البيئة

فمسألة المسؤولية البيئية للمؤسسات نوقشت منذ وقت طويل، ولكنها أخذت شكلها الحديث منذ بداية تصاعد ونمو الشركات متعددة الجنسيات الحديثة متزامنة مع موضوع المسؤولية الاجتماعية CSR في أواخر عام 1800م، بسبب ظهور انتهاكات واسعة النطاق في حق البيئة، وفي تاريخ أكثر حداثة، يرى روسر وإيدوين (Rosser & Edwin) أنه في كل مرحلة، احتضنت الشركات متعددة الجنسيات مفهوم المسؤولية الاجتماعية لتحويل انتقادات المنظمات غير الحكوميةNGO، واستعادة سمعة الشركات والحدّ من تهديد التنظيم الحكومي كما في حالة “نايك وشل” (Nike and Shell)، في البداية كانت مخاطر السّمعة عاملاً محفزاً في الاستجابة لضغوط المستهلكين والمجتمع المدني وتعديل السلوك (6).

مفهوم المسؤولية البيئية

ويرى porter أنّ “المسؤولية البيئية” في المؤسسات هي “واجب لتغطية الآثار البيئية لعملياتها، لمنتجاتها ومنشآتها، القضاء على النفايات والانبعاثات، والرفع من كفاءة وإنتاجية مواردها، والحدّ من الممارسات ذات الآثار البيئية على الأجيال مستقبلا” (7). وتقوم “المسؤولية البيئية ” على مبدأ “الذي يسبب ضرراً بيئياً ينبغي أن يساهم في إصلاح الضرر الذي تسبب فيه”، ما يعني أن يندرج ضمن مبدأ ” الملوث يدفع” (8)Principe pollueur- payeur.

مدى التزام المواطن الجزائري بالمسؤولية البيئية؟

فبالنظر إلى ما أحدثته الصناعة من ضرر لحق بالبيئة من حيث التوسع في استعمال مواردها الطبيعية والتسبب في أشكال مختلفة من التلوّث في الهواء والماء والأرض، إلاّ أنّ المواطنين (كوحدة فردية) ساهموا بشكل أو بآخر في تعميق وزيادة حدّة التلوّث ومن خلال أنشطة وسلوكيات قد تظهر للمواطن بسيطة ولا تضرّ بالبيئة، كالحرق العشوائي للنفايات المنزلية المختلفة أمام المنازل والذي يتسبب بطرح غازات سامة لتفاعل مجموعة من المواد والمركبات فيما بينها.

مسؤولية البيئة في الجزائر على المواطن

ووقع المواطن الجزائري في فخ العولمة وغياب الأخلاقيات البيئية والابتعاد عن تعاليم الدّين الإسلامي الحنيف التي تؤيد حماية البيئة واحترامها وفشل في صونها ودعم نظم الحياة فيها، فمن خلال تلك التصرّفات التي يبديها المواطنون في حياتهم اليومية في التعامل مع البيئة تلمس غياب الثقافة البيئية والوعي البيئي، كرمي أكواب الشاي أو القهوة من نوافذ السّيارات، التدخين في وسط عام، التكلّم بصوت عالٍ أو رفع صوت الموسيقى، ترك الشاحن موصولاً بالكهرباء حتى بعد انتهاء عملية شحن الهاتف أو الجهاز، الإسراف في استخدام المياه وعدم إحكام غلق صنبور الحنفية، رمي عشوائي للنفايات المنزلية في غير أماكنها المخصصة وتجمع للحشرات والروائح الكريهة، وغيرها، منها ما يؤدي إلى سوء استخدام الموارد الطبيعية وظهور أمراض خطيرة (الربو، أمراض سرطانية…).

أرقام وحقائق بيئية

أوّل تأثير للتلوّث يعود على صحّة الإنسان حيث تزيد نسبة الأمراض بزيادة نسبته، فمثلاً يظهر أنّ حوالي من 04 % إلى 08 % من مجمل عبء المرض تعود إلى المياه غير المأمونة، كما أنّ تأثير ملوّثات الهواء تؤدي إلى مشكلات صحية منها الرّبو والموت المبكر، وقلّة الرّؤية، وإجمالي 99.8% من الوفيات مرتبطة بهذا العامل الخطر والتي تكون في البلدان النّامية، و90 % من وفيات الأطفال بسبب التلوّث (9) ، وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يعزى أكثر من وفاة واحدة بين كل 4 وفيات للأطفال دون سن الخامسة إلى بيئات غير صحية، ففي كل عام تحصد المخاطر البيئية – مثل تلوث الهواء في الأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة، ودخان التبغ غير المباشر، والمياه غير المأمونة، وتردّي الصرف الصحي، والنظافة غير الكافية – حياة 1.7 مليون طفل دون سن الخامسة (10).

وحسب التقرير الذي أعدّته مؤسسة (the eco experts)، أنّ الدّول العربية الخليجية السّتة (السعودية، الكويت، قطر، البحرين، الإمارات، عمان، وليبيا) احتلت المراتب الأولى في صدارة أكثر دول العالم تلويثاً للبيئة، بعدما كانت الصين والهند تحتلان الصدارة من مجموع 135 دولة، وارتكزت الدّراسة على خمسة عوامل بيئية: استهلاك الفرد من الطاقة، انبعاث ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود (co2)، مستويات تلوث الهواء، عدد الوفيات المنسوبة لتلوث الهواء، وإنتاج الطاقة المتجددة. فحسب التقرير هذه الدول تتجاهل البيئة وصحة السّكان (11). ويساهم جميع أشكال النّشاط البشري الاقتصادي والاجتماعي والثّقافي حسب قاموس Toupictionnaire في المسؤولية البيئية من خلال المسؤولية الفردية (الأفراد)، المجموعات (الأسر، الأحياء، الجمعيات)، المؤسسات العمومية ومختلف أشكال الحكم (12).

حلول مقبولة بيئياً على مستوى كل مواطن

لذا فالمواطن الجزائري أياً كانت صفته مطالب بتحسين سلوكياته وتصرفاته تجاه البيئة ومواردها اعتباراً من التزامات بسيطة تؤكد على المسؤولية الشخصية للفرد عن أفعاله، ويشمل إعادة التدوير، والحدّ من استهلاك الطاقة، وغيرها، ويمكن للمواطنين تقديم ما يصل إلى 10 تعهدات بيئية يومية للحفاظ على البيئة انطلاقاً من أعمال بسيطة مثل غلق الصنبور، المشي بدلاً من القيادة في الرحلات القصيرة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (13). والمشاركة في المبادرات البيئية على مستوى الحي أو المنطقة، من خلال العمل بالتنسيق مع المؤسسات الأخرى أو ربط مجموعة من المتطوعين (14) في الشأن البيئي. مع الأخذ بعين الاعتبار حملات التوعية التي تطلقها الحكومات (وزارة البيئة والموارد المائية مثلاً في الجزائر) في الحفاظ على مورد المياه وعدم تبذيره، الاقتصاد في استهلاك الكهرباء، الحذر عند استعمال الأفران المنزلية للتدفئة وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون خاصة في فصل الشتاء عبر مختلف وسائل الإعلام الحديثة (fb, tweter, sms tv, radio)، واشراك مختلف الجهات المعنية بحماية المستهلك وحماية البيئة في تنظيم وإقامة حملات توعوية للنظافة على مستوى كل حي، حملات التشجير وتخضير المساحات.

المواطن غير المسؤول مواطن أناني

وتشير دراسات إلى أنّ “المفهوم الأناني للمواطنين وغير المسؤول irresponsible هو أساس المشاكل البيئية، وكضرورة تستدعي توفير الإطار الاجتماعي الملائم الذي يساعد المواطن على تبني مواقف سلوكية تجاه البيئة بما يضمن حقه كمواطن بيئي” (15) ، فهل يعتبر المواطن نفسه مسؤولاً عن تلويث البيئة؟ وإن لم يعتبر نفسه مسؤولاً عن ذلك، على من تقع مسؤولية الإضرار بالبيئة والوضع البيئي السيء الذي تشهده المدن والقرى في كل دولة؟ .

فبالرغم من أداء عمال النظافة لأعمالهم وبشكل يومي في الدول النامية كالجزائر، إلاّ أنّه لا يكاد ينتهي اليوم حتى تجد نفسك أمام نفايات لا تنتهي، وتستمر في الظهور أمامك لبقية اليوم، هذا السّلوك الفوضوي الذي يتحمّل مسؤوليته المواطن يسبب تشويهاً لجمالية البيئة ويلوثها، فبالرغم من وجود مكبّات قريبة للنفايات إلاّ أنّه يفضل رميها خارجاً. فوجود بعضاً من المبادرات البيئية من طرف بعض الجهات والشباب إلاّ أنّها تبقى قليلة مقارنة بالوضع الذي آلت إليه البيئة، فمثلاً يبقى المواطن الجزائري بعيداً عن الممارسات البيئية الطوعية الصحيحة، ولم يرق بعد إلى المستوى الطبيعي من النضج تجاه البيئة.

الخاتمة

إنّ النظرة الأكثر قبولاً هي أن يعتبر كل مواطن جزائري ــ صغيراً كان أو كبيراً، رجالاً ونساءً، متعلّمون وأمّيون، في مختلف طبقات المجتمع الفقير والغني على حدّ سواء يدًا بيدٍ ــ نفسه مسؤولاً عن حماية واحترام البيئة مواردها وعدم تلويثها لأنّ أكبر متضررٍ في مقامٍ أوّل هو الإنسان ومختلف أشكال الحياة على سطح الأرض.

وأنّ البناء الجيّد للمجتمع البيئي الجزائري يقوم على إحلال مبدأ “عدم التلويث” أو “صفر (0) تلويث” مساهمة المواطن في المجتمع بدلاً من مبدأ “الملوث يدفع” السائد، الذي يطبّق على الشركات لا على الأفراد، وبإشراك مختلف الفئات والشركات العمومية والخاصة، وسن قوانين بيئية فعّالة وتشجيع المساهمات الفردية والجماعية التي تخدم البيئة.

المراجع

  • 1. معلم يوسف: المسؤولية الدولية بدون ضررــ حالة الضرر البيئي ـ، أطروحة دكتوراه في القانون العام، فرع قانون دولي، جامعة منتوري، قسنطينة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، دون سنة نشر، ص 43.
  • 2. عبد القادر الشيخلي: حماية البيئة في ضوء الشريعة والقانون والإدارة والتربية والاعلام، الطبعة 1، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2009، ص ص 30 ــــ 33.
  • 3. سورة الأعراف، رقم الآية 85.
  • 4. سورة البقرة، رقم الآية 60.
  • 5. سورة القصص، رقم الآية 77.
  • 6. BINDU SHARMA :Contextualising CSR in Asia : Corporate social responsibility in Asian economies and the drivers that influence its practice, A research study commissioned by Lien Centre for Social Innovation, Social Insight Research Series, Printed and Typeset by Green Prints on, Indonesia,2013, p15.
  • 7. Porter M: Corporate environmental responsibility: Is a common CSR farmework possible? DevComm-SDO, World bank, 2009,P07.
  • 8. www.toupie.org.
  • 9. توقّعات البيئة للمنطقة العربية: البيئة من أجل التنمية ورفاه الإنسان، تقرير صادر عن برنامج الأمم المتّحدة للبيئة، نيروبي، كينيا، 2010، ص 243.
  • 10. منظمة الصحة العالمية: تكلفة البيئة الملوثة: وفاة 1.7 مليون طفل سنوياً حسب تقديرات المنظمة، قسم الصحة العمومية والمحددات البيئية والاجتماعية للصحة، جنيف، 6 مارس 2017، نقلا عن الموقع الرسمي للمنظمة: http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2017/pollution-child-death/ar/، 27/ 03/ 2017، الساعة 14:37.
  • 11. http://www.businessinsider.com/map-of-the-most-polluted-and-toxic-countries-2017 , 10/04/2017,15:07.
  • 12. www.toupie.org .
  • 13. The Environment Agency; Environmental Citizenship : Literature Review ;using a science to create a better place Rio House, Waterside Drive, Aztec West, May 2005; pp11.19.
  • 14. The Environment Agency; Environmental Citizenship : Literature Review ;using a science to create a better place Rio House, Waterside Drive, Aztec West, May 2005; pp11.19.
  • 15. Carme Melo-Escrihuela : Promoting Ecological Citizenship: Rights, Duties and Political Agency; Keele University, Chancellor’s Building, Keele, Staffordshire ST5 5BG, UK; School of Politics, International Relations and Philosophy; Research Institute for Law, Politics and Justice; ACME Editorial Collective, 2008; pp120.122.

الأستاذة: سعيدة حياة

أضف تعليقك هنا