هل أنت واتسابي ؟

ذات صباح مشمس وقفت أنا وزميل لي حديث عهد به في فناء الجامعة الخارجي ، نحتسي المشروب الدافئ في وضح النهار ، وكانت الأجواء المناخية ملتهبة وقد اعتدت على فعل ذلك كل يوم واعتقد انه قد اعتاد هو ايضًا على فعل ذلك ، وأخذنا نتبادل الحديث فيما بيننا حتى جاءت مركبة حمراء اللون ، حديثة الصنع يقودها فتًا طائش يمر بها من جوارنا وتصحبه أصوات الموسيقى الصاخبة ، فأوقفه ذلك الزميل بكل جرأه وقد كان صديق ل وقال : ” يا أخي اذا بليتم فاستتروا “. ومضى السائق غير مبالي لما قاله ذلك الزميل ، فغلى فضولي وباغته قائلًا : ما الأمر ؟ بماذا ابتلي ليستتر ؟ قال : ألم تسمع صوت الموسيقى ؟ قلت : وما البلوى في ذلك ؟ قال : الموسيقى حرام فقد ارسلت لي والدتي رسالة نصية عبر “واتس أب” فحواها فتوى تنص على تحريم ذلك ، وقد ارسل لي أبي ذات ليلة مقطعًا صوتيا لشيخ عالم يحذر فيها الشيخ من سماع الموسيقى لكي لا يصاب المسلم بالهم والغم وعدم التوفيق ، وقد شاهدت صورة ارسلت في احد المجموعات “الوتسابية” لرجل قد اكلته النار داخل قبره ،وأرفقت بنص محتواه 🙁 أن الناس سألوا أهله عنه، فأجابوا : ” : كان يسمع الموسيقى كل يوم قبل المنام “). أوقفته مسرعًا وقلت له : نفعك الله بما تعلمت وفهمت. قال : هل أدركت ماهي البلوى جيدًا ؟ قلت: بلى والله قد ادركتها تمامًا .

أعاني بشدة من اطروحات جميع من هم حولي عامة ، ومن كبار السن حولي خاصة ؛ فجميع المعلومات التي يذكرونها ويطرحونها مستمدة من موسوعة ” واتس أب ” العلمية التي بلا شك تعد مصدر أساسي ومهم ومقدس في بعض الأحيان بالنسبة لهم ، من حيث الثقافة والعلوم بشتى أنواعها وتصنيفاتها (سياسي ، اقتصادي ، اجتماعي ، …) وغيرها من المجالات الأخرى ولا سيما المجال الديني وهو الأهم من ذلك كله .
كالعادة يا سادة يفشل مجتمعنا في استخدام الأشياء ؛ فتطبيق “الواتس اب ” صمم ليكون للتواصل فقط وليس تطبيق ثقافي تستمد منه المعلومات ، حيث ان هذا التطبيق من غير الممكن أن يعد مصدرًا موثوقًا ؛ لأن جميع المعلومات التي تمرر من خلاله غير خاضعة للتحقيق والمراجعة والتأكد ، كما هو الحال ايضا في جميع برامج التواصل الأخرى ولكن بنسبة أقل من تطبيق “واتس أب” لأسباب كثيرة سأتطرق لها لاحقا في مقال اخر.
خدمة التواصل عبر الإنترنت “واتس أب” من أكثر البرامج استخدامًا في العالم عامة ومجتمعاتنا العربية خاصة ، ويعد الوسيلة المثلى للتواصل بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم الاجتماعية ، حيث أن من النادر جدًا ان تجد جهازًا ذكيًا يخلو من هذا التطبيق . وقد ذكر الاستاذ ريان عادل مطلق حملة #لا_للإشاعات في تصريح أجراه مع شبكة الصحفين الدوليين أن طاقم ” هيئة مكافحة الإشاعات” الذي هو مؤسسها قد أحصت مصادر الإشاعات ووجدت أن 80% منها صادرة من تطبيق “واتس أب” ، وذلك إن دل يدل على خطورة الموقف وتدني الوعي لمستخدمي هذا التطبيق ووجود ثغرات تكنيكية تصعب من تقليل ترويج المعلومات الغير دقيقة من خلاله، علمًا بأن عدد مستخدمين تطبيق “واتس أب” تخطى المليار مستخدم نقلًا عن أحد مؤسسيه .

نحن أمام نقطه حساسة جدًا ، ويجب على كل فردٌ منا توعية من حوله بأفضل الطرق وأسرعها ، وعدم السماح بترويج المعلومات المغلوطة لاسيما وأننا في عالم ملئ بالأحداث المشحونة ونحتاج الدقة والحقيقة في نقل الأخبار وأخذ العلوم من مصادر موثوقة وجهات معتمدة ، لذلك ان وصلتك رسالة من خلال “واتس أب” وكنت لا تعلم مدى صحة هذه الرسالة ساهم بالتحقق منها وإعادة نشرها سواء بالتصحيح أو التأكيد ، وان لم تستطع التحقق منها فاكتفي بعدم نشرها وذلك أضعف الإيمان بالمشكلة وتأكد تمامًا في حال عدم المبالة للمشاكل الاجتماعية سيصلك الضرر حتى لو بعد حين.
حتمًا أيها القارئ الكريم تعاني كما أعاني من هذا الأمر وتعي تمامَا خطورة الموقف لذلك وجب علينا أن نضرب بيد من حديد ولا نسمح بتمرير معلومات مغلوطة وإشاعات قد تساهم في تقهقر المجتمع الذي يحتوينا.وأقول لزميلي الذي أجبته أني ادركت البلوى تمامًا ، نعم أدركتها حين أيقنت أنك مستعد لتقديم أدلة وبراهين كثيرة لتأكيد صحة رأيك وقولك من مصدر تكثر به الأقاويل المغلوطة والمشبوهة ، والروايات المكذوبة ، والمفبركات الملعوبة.

في كل مرة تهم بأن تذكر معلومة قد حصلت عليها من نفس المصدر ، تذكر هل أنت واتسابي؟

فيديو هل أنت واتسابي ؟

 

أضف تعليقك هنا