إيمانويل كانط وفلسفة الأخلاق

z

كانط (1727-1804)، فيلسوف ألمانيّ، يُعتبر حدثًـا فارقـًا وبارزًا في تاريخ الفلسفة، وتُشبه الثّورة الّتي أقامها في زمانه، تلك الثّورة الّتي قام كوبرنيكوس وكبلر في زمانهما في علم الفلك، فتغيّرت تصوّراتنـا عن كوزموغرافيّة (Cosmography) الكون. إذ إنّهما رفضا التّصوّر، أو حتّى العقيدة التّقليديّة الّتي قالت إنّ الأرض والإنسان هما في المركز الّذي لا يتحرّك، فَقالا بالفرضيّة – بالنّسبة إلى زمانهم – الّتي تُقرّر بأنّ الإنسان والأرض يدوران حول الشّمس.

الإدراك والمعرفة عند إيمانويل كانط

ومن هُنا، وبالطّريقة نفسها، كان الفلاسفة قبل كانط، يفترضون دائمًـا، أنّ إدراكاتنـا المُستمّرة، تُناظر – بالضّرورة – خصائصَ معيّنة في العالم الخارجيّ، الّذي هو موضوع خبرتنا، وملاحظتنا، وتفاعلنا. لكنّ كانط ثار على تلكُم الافتراضات، وأثبت عكس ذلك؛ أيْ إنّ كلّ الموضوعات الخارجيّة، لا بدّ أن تتطابق مع تكوين أذهاننـا، فيتسنّى لنا إمكان معرفتها. وقالوا إنّ المعرفة تحدث عندما تتأثرّ الذّات بالشّيء، لكنّ كانط قال العكس، فأكّد أنّ الشّيء هو الّذي يتأثرّ بالذّات، إذ إنّ الأشياء كما نعرفها تتشكّل بطريقة الذّات في الخبرة والتّفكير. وكانت هذه نقلة إبستمولوجيّة جديدة في ذلك الوقت، بنى كانط نظريّته في المعرفة عليها.

لذلك، فالثّورة الّتي تجمع كوبرنيقوس، وكانط، معًا، هي إسنادهم إلى الذّهن البشريّ، العديد من الخصائص الّتي كان النّاس قبلهم ينسبونها إلى العالم الخارجيّ نفسه. وهكذا، أصبحت المركزيّـة للذّهن البشريّ، وليس للعالم الخارجيّ. فبمعنًى من المعاني، أذهاننا هي الّتي تصنع العالم الفيزيائيّ، وليس كلّ ذهنٍ يصنع عالمه الخاصّ، إنّما يعيش النّاس في عالمٍ مُشترك، تحكمه قوانين مصدرها الذّهن، فبالتّالي، تكون هذه القوانين مشتركة. ومن هنا، لسنا نستطيع أن نعرف أيّ شيء بشكلٍ يقينيّ عن هذا العالم، كما هو في ذاته «النّومين»، إنّما نراه كما تُملي علينا أذهاننا.

تنظيم السلوك البشري عند إيمانويل كانط

ولمّا كان النّاس يشتركون بالعيش في هذا العالم، ولمّا كانوا يشتركون – أيضًا – في القوانين الّتي تحكم أذهانهم؛ فـإنّ كانط قد حاول أن يبني أخلاقه على أساسٍ يقينيّ مطلق، ينطبق على جميع النّاس، باكتشافه مبدأً قبليًّا (A priori) – مستقلاًّ عن الخبرة الإنسانيّة – ينبغي أن يحكم إرادتنا (أو ما يُسمّى العقل العمليّ). وهو مبدأ يُنظّم كلّ السّلوك البشريّ، أيْ عبارة عن وصيّة، أو واجب، أو أمر ملزِم ومطلق، يُسمّيه كانط «أمرًا مطلقًا-Categorical imperative»؛ لنفس السّبب الّذي ذكرناه. ولهذا، باعتبارنا كائنات عاقلة، فيجب علينا أن نعيش ونتصرّف وَفق هذا الواجب المطبوع في أذهاننا، حتّى نتّسق مع أنفسنا. ومن هنا، تهتمّ أخلاق كانط بسؤال: ما الطّريق الّذي ينبغي أن يسلكه النّاس، بغضّ النّظر عمّا يفعلون في الحقيقة، أو كيف يتصرّفون. فبالتّالي، إنّ كانط في أخلاقه، عبارة عن فيلسوف عقلي صارم، لا يهتمّ، ولا يعترف بالّنزعة التّجريبيّة في الأخلاق (Empirical Ethics).

ونفهم من هذا، أنّ كانط لا يولي بالًا لعواقبية الأخلاق (Consequentialism)، إنّما بذاتيّة الفعل الأخلاقيّ، ولكن، مع الأخذ بعين الاعتبار الكثير من التّحفّظات على ذلك، فلا يجوز مثلًا، أن تُستغل الفضائل بطرقٍ خبيثة – فالخُلُق الجيّد، يتضمّن إرادة خيّرة (Good will)، تعمل وتتصرّف انطلاقًـا من احترام الواجب، بغضّ النّظر عن نتائج الالتزام بهذا الواجب؛ لأنّ هذه الإرادة الخيّرة، خيّرة في ذاتها؛ ولأنّنا لا نملك معرفة تامّة أو سيطرة على النّتائج. ومن هنا، عندما يقول كانط إنّه «ينبغي عليك» كذا، فإنّه يتحدّث عن شيءٍ داخليّ فينا، شيء فطريّ (Innate). بهذا، يفصل كانط نفسه – أيضًا – عن مذهب المنفعة في الأخلاق (Utilitarianism)، الّذي يُدافع عن أخلاق النّتائج، أو السّلوك-النّتيجة. فليست الأفعال الأخلاقيّة هي تلك الّتي تُؤدّي إلى أعظم منفعة/سعادة/لذّة، لأكبر عدد من البشر، فالعامل الحاسم في أخلاق كانط، أن تكون إرادتنا خيّرة، لا أن تكون نتائج الأفعال خيّرة.

يعتقد كانط، أنّنا نختبر إرادتنا الأخلاقيّة، أوّلًا، عندما نقوم بعملٍ رغم إرادتنا، حيث يكون دافعنا هنا، هو حسّنا بالواجب الأخلاقيّ. وإنّ كانط إذ يفعل ذلك، لأنّه يُعبّر عن مدى ابتعاده عن جميع أشكال الأخلاق القائمة على اللّذّة. ولمّا كان هذا الأمر الأخلاقيّ المطلق «ينبغي عليك»، يُمثّل أمرًا فطريًّا فينا، فإنّ جميع البشر – بالطّبع – خاضعون لهذا الواجب الأخلاقيّ. وهكذا، يتّضح القول بأنّ أخلاق كانط تقوم على مبدأ مطلق، ينبع من الذّات.

الإنسان كائن عقلي أم كائن طبيعي عند إيمانويل كانط

يُميّز كانط بين الإنسان بوصفه كائنًا عقليًّا، والإنسان بوصفه كائنًا طبيعيًّا. ففي الحال الأولى؛ أيْ باعتباره كائنًا عقليًّا، يخضع للواجبات الأخلاقيّة المطلقة، الّتي تكون على شكل قوانينَ، يتبعها الشّخص الحرّ المستقلّ على أساس العقل. أمّا في مِنطقة الضّروريّ (الّتي تُمثّل ما نختبره)، حيث يكون الإنسان كائنًا طبيعيًّا، فإنّه يخضع لمبدأ السّببيّة. لكنّ أساس الأخلاق، هو الإنسان بوصفه كائنًا عقليًّا، حيث ينتمي إلى مِنطقة الحرّيّة. والسّؤال هنا، كيف ذلك؟ أيْ ما نوع الرّابطة بين كون الإنسان كائنًـا طبيعيًّـا، وكونه كائنًـا عقليًّـا؛ ومِنطقة الضّرورة، ومِنطقة الحرّيّة؛ وما هو «ترنسندنتاليّ-Transcendental» (أي ما هو ضروريّ، وقبليّ، وكليّ؛ بمعنى ما يمكن أن ينطبق على كلّ تجربة بشريّة)، وما هو تجريبيّ-حسّيّ؟ يُجيب كانط بأنّ الإرادة تتوسّط بين المنطقتيْن؛ بمعنى أنّ الإرادة تتأثّر بميولنا الطّبيعيّة، في الوقت الّذي تكون فيه محكومة من قِبَل القانون الّذي نُقرّ بوجوده، بواسطة عقلنـا الحرّ.

الواجب الأخلاقي

أمّا الواجب الأخلاقيّ المطلق، فله وضعيّة الأمر المطلق، ويقدّم كانط أسُسًا متعدّدة لهذا الأمر، بوجهٍ من التّقريب، على النّحو التّالي:

(1) لا تفعل أو تتصرّف، إلاّ بما يتّفق مع المبدأ الّذي تريد أن يصبح قانونًـا عامًّـا للطّبيعة

«لا تفعل أو تتصرّف، إلاّ بما يتّفق مع المبدأ الّذي تريد أن يصبح قانونًـا عامًّـا للطّبيعة، والّذي بناءً عليه، يُمكن أن يسلك كلّ شخصٍ آخر، أيضًا». وبصياغة أخرى: «اعمل حَسب القاعدة السّلوكيّـة وحدها، الّتي تريد في الوقت ذاته، أن تصير قانونـًا كليًّـا، يُمكن لأيّ شخصٍ آخر أن يسلك طبقًـا له». في هذه الصّياغة الأولى للأمر المطلق، تكون قاعدة أعمالنا، هي القانون الكلّيّ الّذي يتّبعه السّلوك. وقد قدّم كانط أربعة أمثلة للحالات الّتي يمكن فيها أن يُنتهك هذا القانون. وهُنا، سنذكر بعضها.

مثال عن شخص يريد الإنتحار

افرض، مثلًا، أنّ شخصًا ما أراد أن ينتحر، وانتحر بالفعل، سيكون – في هذه الحال – فعله خاطئًا تمامًـا؛ لأنّه لا يرغب أبدًا، أن يكون هذا الفعل قانونًـا عامًّـا، يسلك النّاس طبقًا له، فيُقدمون جميعًا على الانتحار. ومن جهةٍ أخرى، فإنّه لو صار هذا القانون كلّيًّـا بالفعل، فإنّه سيناقض نفسه من النّاحية الصّوريّة، وربّما العمليّة أيضًا؛ لأنّه لو حدث ذلك بالفعل، وأقدم الجميع على الانتحار، فإنّه – في هذه الحال – لن يبقى أيّ أحدٍ آخر لينتحر، وهكذا، لا يمكن للانتحار أن يصير قانونًـا كلّيًّـا.

مثال عن شخص يريد عيش حياة الكسل والعبث

ومثال آخر يضربه كانط، يختلف قليلًا عن غيره من الأمثلة؛ إذ يتحدّث عن شخصٍ تُسوِّل له نفسه أن يعيش حياةَ الكسل والعبـث، ولا يُنمِّي قدراته أبدًا، وفي نفس الوقت، يُسلِّم كانط، بأنّ ذلك فعل يمكن أن يصير – بالفعل – مُمارسةً كلّيّـة، لكنّه يشير إلى أنّ أيّ كائنٍ عاقل، لا يمكنه أن يستحسن ذلك السّلوك أبدًا، خاصّة عندما يصير قاعدة كليّة، يتّبعها الجميع. ولا يمكنك بحقّ، أن تفعل ما يستهجن الآخرون فعله.

ومن خلال هذين المثاليْن الخاصّيْن بكانط نفسه، نُلاحظ أنّ قواعد السّلوك، تُبنى عليها الأفعال الأخلاقيّة واللاأخلاقيّة، على السّواء. فيبيّن كانط، أنّه على الرّغم من أنّ الأعمال اللاّأخلاقيّة تتّبع قواعد السّلوك، أيضًا، فإنّ هذا القواعد لا يمكنها أن تُحوَّل إلى قوانينَ كليّة؛ إذ إنّها ستناقض نفسها، سواء على المستوى الصّوريّ أم العمليّ. وبذلك، تكون الصّياغة الّتي وضعها كانط للأمر المطلق، أو الواجب الأخلاقيّ، بأن يكون ذا صحّة كليّة. ويُمكننا اختبار أخلاقيّة هذا الواجب، بأن يَصحّ على كلّ إنسـان، يكون في وضع مماثل، دون أيّ استثناءات. فيتّضح من ذلك، أنّ قواعد السّلوك، محدودة التّعميم.

(2) عامل كلّ موجودٍ بشريّ، بما في ذلك نفسك، بوصفه غايةً في حدّ ذاتـه

من المبدأ الأوّل لصياغة الأمر المطلق، ينتج لدينا مبدأ ثانٍ: «عامل كلّ موجودٍ بشريّ، بما في ذلك نفسك، بوصفه غايةً في حدّ ذاتـه». فواجبنا الأخلاقيّ الثّاني، أن يكون في ألاّ نعامل الآخرين، بوصفهم مجرّد وسائلَ لغاياتـنا، وغايـات غيرنا، فحسب، ولا يجب، أيضًـا، أن ننظر إليهم كذلك. فيجب أن نحترم الآخرين دون محاباة، أو استغلال للطّرف الآخر. ويضرب كانط نفس الأمثلة؛ فأنْ تُقدم على الانتحار، أو تعيش معيشة التّكاسل والعبث، يُؤدّي بك إلى الإخفاق في احترام إلزامك الأخلاقيّ الخـاصّ لِأنْ تُوجِد أفضل فرصك؛ أيْ إنّك لا تحترم ذاتك، ولا تحترم الآخرين.

كما ليس عليك أن تُذعن للمشاعر والميول عندما تتعارض مع الواجب، فأنْ تكذب على الآخرين، أو ترفض مساعدتهم، مثالان تفشل فيهما في احترام حقوقهم الخاصّة بالعدالة، والكرم، من جانبك، وحقّهم في أنْ يُعامَلوا باعتبارهم غايات في ذاتهم.

ويقدّم كانط في فلسفته، ما يُسمّى «قانون الاستقلال الذّاتي-Autonomy»؛ إذ إنّ القانون الأخلاقيّ، كما يُعبِّر عنه الأمر المطلق، قانونٌ لطبيعتنا الخاصّة العاقلـة. وعندما تُخالِف الواجب، بسبب المشاعر المتناقضة، والميول، والرّغبة في تحصيل اللّذَّة، سيُمثّل هذا عدم استقلال، وعندها، ستكون شخصًا عاقلًا، لكنّـك لست حرًّا، ولا مستقلاًّ. فأنْ تكون حرًّا، يعني أن تتصرّف وتفعل وفقًا لما يُحتّم عليك قانون الواجب الأخلاقيّ. ويعتقد كانط، أنّه في كلّ المرّات، الّتي نعصي أو نفعل فيها شيئًا منافيًـا للواجب، فإنّ ذلك يكون بسبب رغبتنا في اللّذّة. لكن، يُمكن في حالات لا تدخل فيها مسائل الواجب – مثلًا – أن نبحث عن اللّذّة، إذ لن يكون ذلك خطأ.

ومن صياغة الأمر المطلق بهذا الشّكل، وما دام القانون الأخلاقيّ هو قانون لطبيعتنا الخاصّة، فيجب أن لا نحثّ الآخرين على فعل الواجب، عن طريق عقوباتٍ وجزاءات، بل يجب أن يفعلوا بطريقة حرة، من خلال شعورهم العميق باحترام الواجب. فأنْ تكون أخلاقيًّا، هو أمر يجب أن تختاره بنفسك. إنّ الأفعال الّتي تُؤدّى من دافع الواجب، هي الّتي يكون لها قيمة أخلاقيّة. فنحن واجب علينا أن نطيع القانون الأخلاقيّ بأنفسنا، وأن نُحقّق – بذلك – سعادة الآخرين.

وبالإضافة إلى الأمر الأخلاقيّ المطلق لدى كانط، فإنّه ادّعى وجود «أوامر افتراضيّة» أخرى مختلفة، على النّحو الّذي يقول: إذا كنّا نريد تحقيق هذه الغاية، أو تلك، فعلينا – إذن – أن نسلك هذا الطّريق، أو ذاك. ولا تكون هذه الأوامر ذات طابَع مطلق؛ لأنّها ليست خيرًا أو شرًّا في ذاتها، ومن ذاتها. بل إنّ هذه الأوامر غائيّة؛ فهي تربط الوسائل بالغايات. كقولنا: «إذا أردتّ فهمًا أفضل، فعليك أن تقرأ وتبحث أكثر». تمثّل هذه الأوامر الافتراضيّة عقليّة الوسيلة المُؤدّية إلى غاية، ونحن هُنا، لا نهتمّ بشرعنةِ الغاية الّتي تُؤدّي إليها الوسيلة. ولاختيار أفضل الوسائل، لا بدّ من توظيف العقلانيّة في ذلك، فنُصيّرها وسيلةً نفعيّة تُساعدنا على إيجاد هذه الوسائل. لذلك، رأى كانط أنّنا نفترض علاقة سببيّة بين الوسائل والغايات، في صياغة الأوامر المطلقة. وإنّ إنشاء هذه الأوامر، يتمّ من خلال الاستعمال «النّظريّ» للعقل، وليس العمليّ الحقيقيّ للعقل، حيث تُبنى أركان الواجب.

(3) كلّ شخص صاحب سيادة، ورعيّة في نفس الوقت

يُمكننا أن نضيف أساسًا ثالثًا لصياغة الأمر المطلق، وهو: «ينبغي على المرء أن يتصرّف ويفعل باستمرار، كما لو كان عضوًا في مملكة غاياتٍ مثاليّة؛ حيث يكون كلّ شخص صاحب سيادة، ورعيّة في نفس الوقت». وهو أساس يوتوبيّ إلى حدٍّ ما، ففي هذه المملكة من الغايات، يتصرّف كلّ شخصٍ وفقًا لما يُمليه عليه الأمر المطلق، الّذي يعني أنّه يفعل بصورةٍ عقليّة، ووفقًا لسلوك كلّ شخصٍ – إذ إنّ الأمر المطلق، قواعده كلّيّة، تنطبق على الجميع، ويتصرّفون وفقه، في هذه المملكة من الغايات.

وبالتّالي، يرغب كلّ واحد قوانين المملكة عينها، ويطيعها؛ بذلك يكون كلّ واحدٍ منّا صاحب سيادة (مَلِكًا في هذه المملكة)، يصدر قوانينَ أخلاقيّة، ويطيعها. فهكذا، يكوّن كانط عالمه المثاليّ الخالص، الّذي لا وجود له البتّة.

وتكون إرادتنا حرّة، عندما تسلك وفق قانون الواجب الأخلاقيّ، فتكون – بذلك – أخلاقيّة في نفس الوقت. لكنّنا في هذه الحياة، لا يمكن لأحد منّـا أن يُؤدّي واجبه على أكمل وجه، فدوافعنا المتعارضة، والظّروف الخارجيّة، تحول دون إتمامنا لهذا الواجب. لكنّ كانط يقول: «إنّك ملزم، ولذلك، فإنّك تستطيع». فيجب على كلّ واحد أن يفعل واجبه، ولا ينبغي على أحدٍ منّا أن يفعل المستحيل، فما دمنا ملزمين، إذن، نحن قادرون. وأمّا الخير الأقصى، أو الخير التّام، فيتضمّن مطابقة القانون الأخلاقيّ، وإنّ كلّ عاقلٍ جدير بالسّعادة؛ إذ إنّ أولئك الّذين يكونون فضلاء، ينبغي أن يكونوا سعداء، أيضًا. فالخير الكامل، يتضمّن، بشكلٍ أو بآخر، كُلاًّ من الفضيلة، والسّعادة، من النّاحية العقليّة.

أضف تعليقك هنا