هناك ما يستحق المخاطرة

إذا كان قدر الناس أن يتقلبوا بين الفشل والنجاح؛ فعلينا أن نحرص على الاستفادة من الفشل وتعزيز فرص النجاح. ليس هناك نجاح مطلق في الحياة، والتماس النجاح لابد أن يصحبه قدر معقول من المخاطرة المحسوبة. إذا تعاملنا بمرونة مع الفشل واستثمرناه لصالحنا؛ فإننا بذلك ننطلق بروحٍ معنوية تذلل كلَّ الصعاب على الطريق. ولعل أحد أسباب فشل الإنسان تلك القيود التي يفرضها الإنسان على نفسه والتي تنبع من خوفه من الفشل؛ فيترتب على ذلك عدم إقدامه على تنفيذ أيِّ شيء يستحق المخاطرة. هنا يصبح المرء حبيس هواجسه التي ترتاب من نزول أرضٍ جديدة؛ فتتقزم من حوله دائرته وتنكمش حتى تضيق عليه وتصبح كالشرنقة التي لا طائل منها، والحل الوحيد هو تمزيق هذه الشرنقة والعودة لمعركة الحياة.
المخاطرة المحسوبة تدفع عن المرء الخوف المبالغ فيه من الفشل (فوبيا الفشل)؛ فتساعد الإنسان على تقحُّم الأمور بثقة كبيرة، وهذا يعزز من فرص نجاحه في حياته. المخاطرة هنا تمد صاحبها ببوليصة تأمين ضد المستحيل؛ فتراه يُقبِل على الأمور الجِسام بصدرٍ رحب ولا يتهيب هذه المشاق، لأنه يوقن تمامًا أن هذه الصعاب هي وحدها طريقه إلى مجده الذي يتحرق شوقًا له. فإذا كان هذا الطريق هو ما سينقله لأفقِ السرور، فلماذا يخشاه؟! بل من البديهي أن يطرب لهذا الدرب وأن يظل على مقرُبةٍ منه إن لم يكن فيه.
تزوجت البطالة بالتواني؛ فأنتجت له غلامًا سموه (الفقر) وابنة سموها (الندامة)، وقد سأل الممكن المستحيل: أين تسكن يا هذا؟ فقال له: في أحلام العاجز، ومعلوم لك صديقي القارئ أنَّ عاجزَ الرأي مضياعٌ لفرصتِهِ حتى إذا ما فاتَ أمرٌ عاتبَ القدرَ. لذلك لم ولن تجد ناجحًا في أيٍ من مجالات الحياة قد أسلم قياده لليأس، وستجد بلا أدنى شك أنَّ الناجحين يمتازون بدرجة من المخاطرة التي تنقلهم إلى أرضِ النجاح الرائعة. لقد مرَّ الناجحون كغيرهم من الناس بمحطات كثيرة من الفشل واليأس والاكتئاب، لكنَّهم لم يطيلوا المكوث بهذه المحطات بفضل ما يمتلكونه من مقومات النجاح كالمرونة والمجازفة والثقة بالنفس.
أقبلت ييلينا أوستابينكو Jelena Ostapenko من ريجا عاصمة لاتفيا، وقد أتمت عامها العشرين في الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، وهي المصنفة السابعة والأربعين عالميًا في عالم كرة التنس للسيدات. وصلت أوستابينكو لنهائي بطولة رولان جاورس الفرنسية للتنس في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ لاتفيا. في المباراة النهائية كانت أستابينكو تواجه الرومانية سيمونا هاليب Simona Halep المصنفة الرابعة عالميًا في عالم كرة التنس للسيدات، والبالغة من العمر 25 عامًا والتي لعبت نهائي البطولة ذاتها في 2014 أمام الروسية ماريا شارابوفا، وحصدت المركز الثاني كوصيف لشارابوفا. وصلت هاليب لنصف نهائي ويمبلدون الإنجليزية عام 2014 وفي عام 2015 وصلت لنصف نهائي بطولة فلاشينج ميدوز الأمريكية. جاءت هاليب في مركز الثاني في بطولة روما الإيطالية، وقد دخلت بطولة رولان جاروس لهذا العام بمعنويات عالية إثر فوزها ببطولة مدريد الأسبانية. وفوز هاليب في هذه المباراة يعني تصدرها تصنيف اللاعبات المحترفات والفوز بأول بطولة كبرى لها.
هذا يعني أن النهائي والذي أقيم في العاشر من جزيران/ يونيو الجاري بين المصنفة الرابعة عالميًا وصاحبة الخبرة الكبيرة مقارنة بمنافستها صاحبة العشرين ربيعًا والمصنفة السابعة والأربعين عالميًا، وقد يكون في ذلك إشارةً إلى اتجاه سير المباراة. لكن هناك سر خطير لا ينبغي إغفاله وهو المجازفة لبلوغ المجد. قلبت أوستابينكو موازين المباراة رأسًا على عقب للتوج بلقب الورلان جاروس وهي التي كانت أفضل التوقعات تشير لبلوغها الدور الثالث فحسب. الخبرة مهمة لا خلاف على ذلك، لكن المجازفة في سبيل تحقيق المجد تُكسب الإنسان الإصرار والتصميم على النجاح، فلا يفكر في مهابة ما يلقاه من صعوبات ويحصر تفكيره على تحقيق المجد، وهنا تتضائل فرص الإخفاق لينتزع المرء انتصاره من أنياب الأسد.
لعلك مررت بتحديات كثيرة في حياتك، وقد خرجت من بعضها مهزومًا ومن بعضها الآخر فائزًا مُظفَّرًا، وهذه مسألة طبيعية ولكن الأمر يتعلق بالشحنة التي تختزنها الآن من الإخفاقات التي توالت عليك. هل جلست وحدك وتأملت هذه التجارب وما أسفرت عنه من خبرات؟ من الضروري أن تجلس منفردًا وأن تراجع خطتك التي تسير عليها وتتأكد إذا ما كنت تسير في الاتجاه الصحيح أم أنك في اتجاهٍ مغاير. ذكر لي بعض أحد الأصدقاء أنه كان في رحلة خارج البلاد، وكان ينتوي الوصول لأحد الفنادق فقال لسائق سيارة الأجرة: كم يتعين علي أن أدفع لك لتوصلني للفندق؟ فقال السائق: خمسة دولارات. فاستنكر عليه صديقي ذلك وقال له: أنا أرى الفندق من هنا، ويجب أن يكون المبلغ أقل من ذلك، عندها تحرك السائق فما كان من صديقي إلا أن جرى خلف السيارة وبصعوبة توقف له السائق؛ فقال صديقي: والآن كم تأخذ؟ فقال: عشرة دولارات، فصاح صديقي: ولماذا وقد قطعت كل هذه المسافة على قدمي؟! فقال السائق: لأنك قطعت المسافة في الاتجاه المعاكس للفندق!!
لابد أن تفهم أين أنت من هدفك، وتقرر ما هي الخطة الموائمة لتحقيق هذا الهدف. لا تجعل من العقبات مهما كانت جسيمة ذريعة للإقلاع عن حلمك الذي تتحرق شوقًا لتحقيقه، كلُّ من حققَ هدفًا كبيرًا قد بذل في سبيله جهدًا مكافئاً للنجاح الذي يريده؛ فمن طلب عظيمًا خاطَرَ بعظيمته. أنت تعلم أنَّ كثيرين يرددون ليل نهار أنهم قد سلكوا نفس الدرب الذي أنت عليه ولم يحققوا شيئًا، وأنَّ الظروف أكبر منهم وأنَّ المحسوبية هي كلمة السر الوحيدة للنجاح. لا تسمع لهؤلاء فلو صدقوا في سعيهم لوجدوا من الطرق لتحقيق مبتغاهم ما يزيد عن الحصر، عليك أن تمتلك من المجازفة ما ينهض بك إذا ما وقعت ويطير بك إذا تعالت الأسوار من حولك. لا تضع سقفًا لطوحاتك ولا تجعل من إخفاقات الآخرين قيودًا تكبِّل عقلك وتحرمك من فرصتك في المحاولة.

فيديو هناك ما يستحق المخاطرة

 

أضف تعليقك هنا

محمد الشبراوي

محمد الشبراوي

كيميائي مصري، مهتم باللغة العربية.