” إقبال ” أقبلَت ، ( هُدى حسين ) أُنصِفَت

في موسم تتنافس فيه الأسماء بـ مُختلف قدراتها وميولها على تقديم مادة ذات قيمة ، رسالة ، وبـ طابع جديد عن كل ما اعتاده المشاهد الخليجي والعربي في الشهر الكريم خلال السنوات القليلة الماضية ؛ إذ تخلل الكثير من السنوات بعض الأعمال التي كانت في الجانب المُظلم من ذاكرة المشاهد من كل النواحي .. تأمل الجمهور خيرًا في هذه السنة بـ إعادة الثقة في الأسماء العملاقة والطاقة الشبابية الجبّارة على الساحة بـ تقديم مسلسلات وبرامج تليق بـ هذا الموسم لـ تُعوّضهم وتُنسيهم بعض الأخطاء السابقة. لكن ما لم يحسب الجمهور حسابه هو بزوغ نجم واحد ، اسم واحد ، مسلسل واحد على بقية الأعمال التي يضجّ بها الشهر الفضيل .. فـ حصل ما يمكن وصفه بـ انفصام شخصية في عقلية المشاهد ؛ خذلان من أسماء عملاقة اعتاد مشاركة أيامه ولياليه الرمضانية مع أعمالهم ، وانبهار بـ ضخامة عمل لم ينل مِن الصيت كما ناله غيره قبل هلال رمضان.

( إقبال يوم أقبلت )

كان مفاجأة الموسم بـ النسبة لـ الكثير من المشاهدين ، لكنه لم يكن إلا نجاح مُنتظر ممن يُقدّر ويعرف إمكانيات العملاقة ( هدى حسين ) .. فـ هذا النجاح الصارخ لم يكن وليد اللحظة ولم يبدأ مع ضياع “ إقبال “ في الجزيرة ، بل هو استكمال لـ احتلال أعلنته ( هدى ) بـ صريح العبارة في ( جود ) الذي تم عرضه في رمضان الماضي .. هذا لا يعني أن ( هدى حسين ) لـ التو رَشَدَت الطريق الصحيح ، بل هو إعلان على أن حِقبتها بدأت وتفوّقها الصريح بات أمرًا لا يمكن لـ أي شخص تجاهله .. “ جود “ التي أسرت المشاهد بـ قلبها الطيب ، صدق مشاعرها ، ولَطافتها .. استطاعت أيضًا أن تكسر الصورة النمطيّة التي يُحاول البعض إلصاقها بـ ( هدى ) كونها تُكرر اختيارها لـ الضحية ؛ المرأة المغلوب على أمرها والمُتآمَر عليها وتصوير الرجل الشرقي بـ صور شنيعة يرفضها الكثير .. فـ في ذات المسلسل أظهرت “ جود “ جانبها القوي ، المسؤول ، والمُتمرّد حتى أقنَعَت – بـ حلول الحلقة الأخيرة – وأرضَت شريحة عملاقة من المشاهدين الغير مُتابعين لـ  ( هدى حسين ) على وجه الخصوص. في ذات الموسم ، قدّمت ( هدى ) لونًا آخرًا واستعرضت طاقات وإمكانيات أخرى بـ جانب الدراما ؛ فـ قدّمت عملًا كوميديًا – بعيد كل البُعد عن التهريج المستفز – بـ صورة إحتيال بـ تجسيدها لـ شخصية “ جميلة “ في مسلسل ( المحتالة ) .. كما أنها ختمت موسمها الحافل بـ نجاح مُبهر على مستوى المسرح من خلال عروض مسرحيتها ( عائلة آدم ) .. فـ عند ذكر مسرح الطفل ، على الجميع المتابعة ، الإنصات ، والتصفيق فقط !

رغم النجاح الكبير لـ ( جود ) من ناحية الدراما وتفوّقه – حسب رأي الجمهور – على ( ساق البامبو ) من بطولة القديرة ( سعاد عبدالله ) ، والقَبول الوفير لـ ( المحتالة ) كـ عمل كوميدي ، والإقبال الشديد على ( عائلة آدم ) رغم تمديد فترة المسرحية وزيادة عدد العروض في اليوم الواحد .. إلا أن ( هدى حسين ) لم تهنأ بـ قسط من الراحة ، فـ باشرت بعدها عملها الجديد في أواخر ٢٠١٦ إذ أنه من المُقرر عرضه في مُستهل سنة ٢٠١٧ .. ( حياة ثانية ) كان بـ الفعل حياة ثانية ، جديدة ، وإنعاشًا لـ الدراما الكويتية والخليجية كـ كُل .. طاقم عمل مُتمَكّن ، نَص عميق ، تَتابُع مُشوّق ، وأحداث مُتسارعة تمنع تسلل الملل لـ عقل المشاهد .. بل على العكس تمامًا ، شَد المتابع منذ الحلقة الأولى حتى الأخيرة لـ معرفة ما سـ تؤول إليه المعركة الطاحنة بين “ الأستاذة مشاعل “ و “ سُلطان مرزوق “.

بـ هذا العمل ، أطلقت ( هدى حسين ) صافرة البداية مُبكرًا مُعلنةً عن بداية المنافسة .. فـ قامت بـ حركتها الأولى على رُقعة الشطرنج ، لكنها لم تنتظر ردة فعل مُنافسيها وزملائها .. بل تركت ( حياة ثانية ) كـ نُبذة عن القادم ، صورة بدائية عن مشروع ضخم بدأت العمل عليه ودراسة كل نواحيه ، فـ بينما الجميع مشغول بـ عَيش “ حياة ثانية “ كانت هي قد قرأت ، درست ، أعدّت ، واستعدّت لـ تقديم عمل آخر يُضاهيه في الموسم المُنتظر كل سنة أمام أعين الجميع .. توارَت ( هدى ) عن الأنظار كـ “ مشاعل “ ، وأقبَلت كـ “ إقبال “ !

رُفِعَ السّقف .. فـ هل من مُنافس ؟

قبل التطرّق لـ الشخصيّة الرئيسية والتي رُسم الدور الدرامي خِصّيصًا لها من الدكتور ( حمد الرومي ) ، يجب أن نقف وقفة تحية ، تشجيع ، إطراء ، وإنصاف لـ أُولى تجارب الدكتور الدرامية من ناحية السيناريو والحوار .. حوارات راقية ، مُطعّمة بـ الحِكَم والدروس ، وبعيدة كل البعد عن الحوارات التي يمكن توقّعها لـ كثرة استخدامها المُبتَذل في مسلسلاتنا الخليجية. تجربة أولى تستحق التصفيق والانتظار بـ فارغ الصبر لـ جديد هذا القلم الهادف .. ولا نَغفل عن الدور الكبير جدًا والجُهد المبذول من المخرج ( منير الزعبي ) وفريقه لـ إظهار الحِقَب المُختلفة بـ الحضارات المُتعددة مع إضافة “ جرافيكس “ بـ أفضل شكل ممكن والأقرب لـ الواقعية ، الديكور ، الإضاءة ، والملابس .. بـ الإضافة لـ الطاقم المُحترف الذي قام بـ تحويل ملامح ( هدى ) لـ ملامح سيدة ستّينيّة تلاعب بها الزمن والمرض. والشكر أيضًا موصول لـ شركة الإنتاج صبّاح بيكتشيرز على تعاونهم في تقديم مادة دسمة لـ جمهور مَل الروتين.

أما نصيب الأسد في التقدير ، الشكر ، والتحيّة – بلا جدل – يكون لـ محور الرواية التي وضع فيها ( د. حمد ) كامل ثقته لـ تُجسّد بطلة قصّته ، تلك التي ارتأى فيها كل المقوّمات ، الإخلاص ، والإمكانيات لـ تُظهر – على عكس المُعتاد عليه – مسلسلًا يطغى في جماله على الرواية .. ( هدى حسين ) ، وما عسانا أن نذكر بعد هذا الإسم ؟

مرّت ( هدى ) خلال تصوير العمل بـ مراحل عِدّة يصعب تلخيصها .. – بـ استثناء دور الأم “ بزّة “ – تغيّر آداء ( هدى ) مع كل و أي تغيّر ولو كان طفيفًا على حياة “ إقبال “ ؛ اكتشاف الخيانة الأولى ، التخرّج من مصر ، العمل كـ مُدرسّة ، إنجاب الأطفال ، وغيرها الكثير من الأطوار التي مرّت فيها “ إقبال خالد “ .. في كل مرحلة من هذه المراحل ، لا يمكننا إيجاد أي لقطة أو حتى إيماءة مُتشابهة على الرغم من كونها جسّدت دور الأم مرّتين ( بزّة وإقبال ) .. لكن تعاطيها مع كل شخصية كان على حِدى ؛ المُفردات ، الأفكار ، التصرفات ، وحتى حركات اليد وانحناءة ظهرها عند المَشي.

بّزة

استطاعت ( هدى ) أن تؤدي شخصية “ بزّة “ حَد الإقناع ؛ وصاياها لـ إبنتها قبل الخروج من المنزل ، بهجتها بـ زيارة ” أبلة سعاد ” لهم في المنزل لـ كونها تحمل من العلم الكثير وهو ما كان يُحتَرم بـ شكل مُلفت لـ الإنتباه في ذاك الزمن لـ قلّة المُتعلّمين خصوصًا من الجنس الناعم ، لَمعة الفرح البادية في عينيها حين سمعت إشادة الأستاذة في مستوى “ إقبال “ الدراسي ، آثار الصدمة حين عَلِمَت بـ كذب ابنتها وحضورها لـ حفلة غنائية حيث استطاعت ( هدى ) – مرة أخرى – اللعب على وتَرين مُتباينَين حين أوصَلت لنا مشاعر الصدمة ، الإستياء ، والرحمة في قلب الأم رغم عدم رضاها على فِعل ابنتها في مشهد واحد .. كما أننا لا نستطيع نسيان المشهد العظيم والآداء الذي – بلا مُبالغة – أبكى كُل من شاهده ؛ عندما عثرت “ بزّة “ على طفلتها “ إقبال “ قرب البحر بعد وفاة والدها بين أمواجه. ثم انتقلت “ بزّة “ لـ مصر إذ أن ” إقبال ” قررت استكمال دراستها الجامعية حَيث الحضارة والعادات المُختلفة جدًا عن مُجتمعنا الخليجي. لم يصعب على ( هدى ) تقمّص دور البساطة في التعليم ، التفكير ، والنفس الصافية في الجيل القديم .. أبرز ما نستذكره من شخصية “ بزّة “ في مصر :

  • حين معاينتها لـ الشقة وتساؤلها عن سبب سعرها المرتفع ، خاطبت صاحب العمارة قائلة بـ كل شفافية ، عفوية ، وبـ كل لطافة : لا تاكلني أطنطا “.
  • عفويتها حينما طلبت عنوان منزل الفنانة ( فاتن حمامة ) بـ غرض زيارتها بـ سبب حبها الشديد لها.
  • دعوتها لـ مدبّرة المنزل “ أم أحمد “ لـ حضور فيلم جديد في دُورالسيلما.
  • عتابها المصحوب بـ نظرات الحب والحنان لـ ابنتها بـ سبب قُصر فستانها قبل الخروج لـ مشاهدة الفيلم.
  • وصاياها لـ “ إقبال “ وصديقتها بـ الإحسان لـ البُسطاء ممن هم أقل مستوى ، تعليم ، وثقافة.

إقبال

الشخصيّة الأم ، الأساسية ، محور الحكاية ، والنُقطة المركزيّة لـ كل الأحداث .. من أين نبدأ وكيف عسانا أن ننتهي من الحديث عن الإتقان التام والآداء المُنقطع النظير لـ ( هدى حسين ) في تجسيد هذه الشخصية في كل الظروف رُغم التفاوت الضخم والكبير جدًا بين تلك الظروف ؟

” إقبال ” أصابت العقل بـ حالة من الذهول .. ليس لـ الإتقان التمثيلي فقط ، بل لـ الإقناع في تفاوت المراحل العُمرية أيضًا ؛ الملابس ، الشعر ، إيحاءات الوجه واختلاف ملامحه عبر تسلسل الحلقات. هنا يجدر بنا تحيّة الفريق القائم على هذا المستوى من الإحترافية في رسم تجاعيد الزمن والمرض التي بدَت جليّة على ” إقبال ” مع تقدّم الأحداث ، فـ ما شهدناه مع القديرة ( سعاد عبدالله ) في ” ثريا ” ما زال عالقًا في العقول .. إذ كان تشويهًا لـ ملامحها لا تجاعيد مُسنّة. كما يجب علينا الوقوف إجلالًا لـ الرائعة ( هدى ) التي قَبِلت واختارت بـ محض إرادتها تجسيد هذه الشخصية والظهور في موسم المسلسلات الأضخم في عالمنا العربي بلا أي مساحيق تجميل تستحق الذكر ، فـ حتى فترة الدراسة الجامعية لـ ” إقبال ” لم يكن حضور تلك المساحيق طاغيًا ولا يكاد يُذكر لـ بساطته .. هذا التصالح الذاتي ليس غريبًا عنها ، إذ أنها التجربة الثانية على التوالي لـ ( هدى حسين ) بـ الظهور على شاشة شهر رمضان بلا ألوان تُلطّخ مناطق مُتفرّقة من الوجه بعد ( جود ) في رمضان المُنصرم ، ولا ننسى أيضًا مسلسل ( لك يوم ) في رمضان ٢٠١٥ ، باعثةً بـ هذا رسالة لـ بقية الفنانين كبارًا كانوا أم نجوم شباب مفادها أن الإقناع بـ تغيّر المرحلة العُمرية لا يقتصر على نوعية الملابس ، تسريحة الشعر ، ارتداء عباءة .. بل هو أعمق من ذلك بـ كثير ، ولعل الحلقات الـ ١٥ الأخيرة كفيلة بـ إيضاح هذه الفكرة بـ الشكل المطلوب.

وصلت ( هدى حسين ) مرحلة عالية من الإحساس والإخلاص حد الإقناع حتى وإن لم تنطق بـ حرف كما حدث في مشهد ” كَت النون ” ، إذ أنه أحد أكثر مشاهد المسلسل إنتشارًا في وسائل التواصل .. ويُنافس إنتشاره مشهد آخر من الحوار الراقي ، العقلاني ، والمُنصف تجاه الشريحة التي تُعاني من الشك المقيت .. كما أن ( هدى ) أعطت درسًا لـ كل مَن يعتزم دخول عالم الفن – وحتى العاملين فيه – أن الإنفعال لا يَشترط الصُراخ والمُبالغة في رفع حِدة الصوت لـ يصل الإحساس لـ قلب المُشاهد .. فـ في مشهد اكتشافها لـ خيانة زوجها – مُجددًا – في لندن كانت نبرة صوتها منخفضة لكن رجفته عالية بـ الإضافة لـ عينها التي كانت تصرخ ألمًا لِما بَدر من زوجها بـ شهادة ابنهما الأكبر .. دموعها المحبوسة وتكبّرها على البكاء كان منظرًا خانقًا بـ الفعل.

رغم أن العمل كـ كُل كان غنيًّا بـ عدة المواقف والمشاهد التي تستحق الوقوف عليها والتأمل في كيفية آدائها ، لكن لعل الفترة الأبرز والأكثر تشويقًا من ناحية الإنتظار – بعيدًا عن الأحداث – هي إصابة ” إقبال ” بـ ( شلل الرعاش ) ، لـ جديد إبداع ( هدى ) تحديدًا في إيصال المَشاهد بـ أقرب صورة ممكنة لـ الواقع .. فـ لعِبَت على أوتار مشاعر المُشاهد بـ إجادة وبراعة مُنقطعة النظرير ، إذ أن الإشادات والشهادات عبر مواقع التواصل الإجتماعي لم تصلها من جمهورها ومُتابعي المسلسل فقط ، بل من عدة أشخاص رأوا فيها ما يرونه في أحد الأشخاص المُقرّبين منهم وهذا بـ حد ذاته نجاح يُحسب لـ الرائعة ، المُخلصة ، والصادقة جدًا في كل طَرفة عين خلال أعمالها بـ مُختلف أنواعها. من مُنطلق شخصي ، دفعني الفضول لـ البحث أكثر عن الباركنسون ( شلل الرعاش ) ؛ أعراضه ، أسبابه ، كيفية علاجه ، وماهية المرض نفسه .. فـ وجدت أن أغلب الأعراض قدّمتها ( هدى ) بـ شكل لا يُوصف إبداعه ؛ الإكتئاب ، صغر خط الكتابة ، رَعشة اليد ( اليُمنى ) وتسارعها تحت الضغط أو التوتر ، حَك السبابة بـ الإبهام في اليد الأخرى ( اليُسرى ) ، تغيّر الصوت وبطئ النُطق ، جَرّ القدميَن عند المشي ، وعبوس الوجه .. كما أن أحد الأعراض أيضًا هو ألم البطن نتيجة الإمساك وهو ما شاهدنا ” إقبال ” تُعاني منه في مشهد العثور عليها في الجزيرة.

( إقبال يوم أقبلت ) كان أشبه بـ سِباق التتابُع حيث يُرتَقَب فيه كل عَدّاء ، والحلقات العشر الأخيرة كانت النجم الأبرز في صفوف فريق أفضل مسلسل في رمضان ٢٠١٧ ، لكن هذا لا ينفي روعة بقية أجزاء المسلسل .. فـ في النهاية سـ يحصل كل فرد فيه على ميداليته الذهبية. بلغت حينها ( هدى ) ذروتها في إطار المُسلسل من ناحية التمثيل وحتى في الـ لفتات التي دخل في نسيجها خيط من الفُكاهة حتى عَلِقَت في الذاكرة ؛ إجابتها لـ ” المُدقق اللغوي ” بـ كل عِزّة بـ عدم حاجتها لـ التدقيق الـ لُغوي ، وكذلك مُخاطبتها إياه بـ اللهجة المصرية في تعاونهما الثاني ، بـ الإضافة لـ مشهدها مع أبنائها في الثُلث الثاني من المسلسل وجُملة ” بيتي الصغير لا يتحمّل ” .. الحلقات الأخيرة – عادةً – ما تكون فترة خمول وملل وحتى إنشغال عن المسلسلات لـ إمكانية التكهّن بـ النهايات .. لكن – ولأن الأسد يكره مُشاركة مكانه الخاص – كانت ( هدى ) في أقصى مراحل التَجلّي في كل تفاصيل الخطوات العشر الأخيرة من المسلسل لـ تُبقي تركيز المشاهد نَشِطًا ، وكفى بـ ضحكتها في المستشفى مع ” مشاري ” وأمه بُرهانًا يجعل المُتابع يتساءل : ما مدى إبداعكِ ؟ ما حَد طموحكِ ؟ وإلى متى سـ ننبهر يا ” إقبال ” ؟!

” إقبال خالد ” لم تُرحم من زوجها ، أبنائها ، أهلها ، ولا حتى من الجمهور .. فـ قد جرفها سيلٌ من الإنتقادات طيلة شهر كامل كان البعض منها منطقيًا وأغلبها سطحي منذ الحلقة الأولى. لكن هذا – التصيّد – لم يُعمّر ، فـ الوقت كان كفيلًا بـ الرد على كل تلك الإنتقادات التي يزعم أصحابها الحياد ، والحقيقة أن عالم التواصل الإجتماعي أتاح لـ الجميع إمكانية التستّر خلف اسم مُستعار وصورة ويكتب في وصف حسابه ” ناقد فني ” ويبدأ بـ التحاذق ، وهو في الواقع لم يدرس أي قاعدة في أي طيف من أطياف الفن .. بـ حلول الحلقة ٢٣ من ( إقبال يوم أقبلت ) كُسِرَت أُنوف الأغلبية من مُتبنّي فكر النقد الهدّام ، فـ تجسيد الموهوبة فطريًا ( هدى حسين ) لـ معاناة مرضى الباركنسون ( شلل الرعاش ) الذي تشكّل في قصة ” إقبال ” كان بـ مثابة رصاصة الرحمة في جسد يلفظ آخر أنفاس الإستغفال ، مُتناسيًا أن الحُكم اليوم لـ الجمهور والمُشاهد لا لـ وسائل الإعلام ، الصُحف اليومية ، ولا المجلات الأسبوعية .. لـ المُشاهد القوة والسُلطة في تحديد نجاح مسلسل أو برنامج من عدمه دون فلسفة أو تحذلق.

مُحزن جدًا أن نسمع ونقرأ آراءً واقعية ، واعية ، وقادرة على تقييم اللبس ، الأثاث ، الإضاءة ، الجرافيكس ، وغيرها من التفاصيل .. لكنهم في نفس الوقت يعجزون عن تقبّل التجديد ، فـ يقعون بـ ذلك في فخ الإزدواجية والتناقض وكانت أُولى محطات الإنتقاد تخص سيناريو المسلسل.  طريقة سرد قصة ” إقبال ” كانت جديدة .. إذ أننا كنا جميعًا ننتظر ما سـ تؤول إليه النهاية ، وفي الواقع أننا نعرفها منذ الحلقة الأولى ( الإنعزال في الجزيرة ) .. ما كُنّا نجهله هو الأسباب التي دفعت ” إقبال ” لـ هذا القرار. هذه الحقيقة الجليّة والفكرة الجديدة عجزوا عن فهمها فـ أصبحت الترجمة أن عملية إنقاذ ” إقبال ” استغرقت ثلاثين يومًا !

إنتقل بنا رمضان إلى محطة مُستحدَثة أخرى يُرَى فيها أن ( هدى حسين ) تبحث عن الأضواء ، أدوار البطولة ، واحتلال المَشاهد .. والحقيقة أن الأضواء والأدوار هي مَن تبحث عن ( هدى ) لا العكس ، بـ تصريح من بطل الرواية ( د. حمد الرومي ) حين أكّد معلومة وخبر رسمه لـ شخصية ” إقبال ” خِصّيصًا لـ ( هدى حسين ) إذ أنه لم يجد أحق وأجدر منها بـ تجسيد هذه الشخصيّة المُعقّدة التركيب والصعبة في الآداء والتقمّص. ثم ما المانع أن تكون ( هدى حسين ) الواجهة لـ عمل كامل ؟ أو من هو الأجد لـ تجسيد ” إقبال ” في مُختلف الأعمار والحالات الصحيّة والنفسيّة سواها ؟ وصلت ( هدى ) لـ مرحلة تضعها في مكانة تَلي القديرتَين ( حياة الفهد ) و ( سعاد عبدالله ) ، فـ أن تكون بطلة عمل ليس محل صدفة ولا بـ غرض اقتصادي لـ جذب أكبر عدد من المتابعين دون تأثير محسوس على مسار العمل كـ كُل .. في ذات السياق ، قِيل أن ( هدى حسين ) تُحب تجسيد دور المرأة المظلومة على الدوام و ( إقبال يوم أقبلت ) ليس إلا استكمالًا لـ تلك الألوان التي قدّمتها مُسبقًا .. ولكن ما شاهدناه يقول العكس تمامًا ، فـ ” إقبال ” تملك شخصية حديديّة حين وضعت الدراسة شرطًا قبل زواجها بـ حضور خالها و ” بدر ” على الرغم من تهديد خالها وكونها يتيمة الأب والأم ، كما أنها كانت السبب في استكمال زوجها لـ دراسته معها في مصر ، بـ الإضافة لـ كونها صارمة في تربية أبنائها بـ مبادئ ثابتة .. فـ لم يكسرها إلا ما كان أقوى من طاقة الإنسان على التحمّل ؛ المرض.

كل ما سبق كان انتقادات سطحية ، لكن الإنتقاد المؤلم هو وصف العمل الدرامي الهادف وصاحب الرسالة الرائعة بـ الكئيب ! الحزن الذي اعترانا حينما شاهدنا دموع ” إقبال ” إزاء تحمّلها خيانة زوجها ، أو كل ما اعترضها خلال مراحل تفشّي المرض فيها ليس إلا مِصداقًا لـ أن يُقال عني وعنك ” إنسانـ/ـة ”. ليس من الكآبة أن تشعر بما تشعر به فئة لا تكاد تُذكر ، بل من النُبل .. ليس من الكآبة أن يرجف قلبك مع رعشة يد ” إقبال ” ورجفة جسدها ، بل من الشهامة .. ليس من الكآبة أن تغرق عيناك بـ الدموع لـ عجز ” إقبال ” عن القيام بـ أسهل الواجبات اليومية بعد أن وصلت لـ قامة الأدباء ، بل من الإنسانية. إن كانت قضايا المُجتمع ليست مهمة .. فـ يمكن بـ سهولة إيجاد التهريج في مسلسلات أخرى ، أو إن كانت الذائقة تميل لـ قصص الحب المناقضة لـ المنطق والعقل ( والتي تم انتقاد كثرة تواجدها في المسلسلات الخليجية في السنوات الأخيرة ) يمكن العثور على العشرات من المسلسلات التركيّة التي تُرضي هذه الفئة .. لك حق اختيار ما تشاهد ، لكن لا يحق لك وصف شريحة من المجتمع ومعاناتهم بـ الكآبة ، قد يكون أحدهم يقرأ لك.

شكرًا ( هدى حسين )

شكرًا ( هدى حسين ) على مسلسل وجّه أنظار العالم بـ رسائله وحِكَمه لـ واجبات غائبة ، شكرًا على ثلاثين حلقةٍ أنارت عقول الكثيرين – وأنا منهم – بـ حقائق كانت مُبهمة ، شكرًا لـ تفانيكِ في آداء كل إيماء وحركة ، شكرًا لـ صدقك وإخلاصك لـ سمو الفن ورسائله .. شكرًا لـ كل دمعة نزلت من عينيكِ ، قد حصدتِ – واللهِ – أيُّما حصاد !

فيديو ” إقبال ” أقبلَت ، ( هُدى حسين ) أُنصِفَت

أضف تعليقك هنا