الإرادة هي محمد غازي

أنا الآن في السنة الدراسية الثالثة في جامعة بيرزيت، لا أحتاج لأحد في أنشطتي اليومية، أرتدي ثيابي وحدي وأصفف شعري وحدي وأتناول الطعام وحدي، وأدرس وحدي، بل أستطيع أن اقوم بكل شيء وحدي، الحياة جميلة جداً رغم كل شيء

خطأ طبي حرمني من أطرافي !!

بدأت القصة عند أم محمد  من قرية بدو شمال غرب مدينة القدس عام 1995, التي كانت تبلغ من العمر 16 عاماً, والتي تعاني من حساسية شديدة تجاه بعض المأكولات, ويصحبها عند تناول إحداها إرتفاع شديد في درجات الحرارة وغثيان وأحيانا تصل الى درجة الخطورة, في إحدى الأيام شعرت أم محمد بتعب شديد بعد تناولها بعض الجوز, ليتم نقلها إلى طبيبة القرية برفقة زوجها, أخبرت أم محمد الطبيبة أنها تناولت الجوز الذي لديها حساسية منه و أنها حامل في شهورها الأولى, لم تكترث الطبيبة لما قالته و قامت بإعطائها ثلاثة حقن من مادة الكورتيزون من اجل علاج الحساسية, ومنع حدوث إلتهابات في الجسم متجاهلة أمر الجنين الذي يتكون !!

بعد مدة ذهبت أم محمد لمراجعة طبيبة الحمل لتكتشف الطبيبة أن الجنين يعاني من مشكلة في تكون أطراف جسده، كانت صدمة للأم أولاً وللطبيبة ثانياً، فالأم لم تكن تتناول أي شيء قد يعرض الجنين لخطر، اكتشفت الطبيبة بعد أن استفسرت من أم محمد أن السبب في ذلك يعود إلى زيادة نسبة الكورتيزون التي أعطيت للأم، وبينت الطبيبة أن هذه المادة تمنع بتاتاً للمرأة الحامل، خصوصاً في الأشهر الثلاث الأولى من الحمل، لما تسببه من ضرر كبير للجنين خلال هذه الفترة.

صعوبات وتحديات

ولد محمد غازي عام 1996 بيدين حتى المرفق (العَضُد) وقدمه اليمنى أقصر من القدم اليسرى, ذو بشرة قمحية فلسطينية وعيونٍ سكن الربيع فيهما وشعرٍ أشقر مائل للسواد ، انهمرت والدته بالبكاء عند رؤية ولدها الأول في هذه الحال وهي تردد وتقول ” كيف بدويعيش !! ” قرر الوالدين الصبر والرضا بما كتب الله لهما، فهم يؤمنون بأن الصبر والإصرار والعزيمة هي الطريق للنجاح وتخطي العثرات، لم يشعراه والداه أبداً أنه مختلف عنهما أو أن يعزلوه عن المجتمع، بل حرصا على إختلاطه مع غيره من الأطفال، ليتعود على الحياة الاجتماعية، حيث كان والده يصحبه في كافة زياراته التي يقوم بها.

يقول محمد: والداي تعبا كثيراً لأجلي، عندما بلغت ثلاث سنوات سعى والداي جاهدين لشراء جهاز لقدمي اليمنى، لتصبح بطول القدم اليسرى، حتى أتمكن من السير من خلال هذا الجهاز، لا يمكنني وصف كمية الصعوبات التي واجهتها لشراء الجهاز الذي يبلغ ثمنه ما يقارب 8 ألاف شيكل، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد في تلك الفترة، إضافةً إلى تغير الجهاز باستمرار عند نمو جسدي.

عندما أصبح عمري ستة أعوام التحقت في مدرسة القرية، لم أشعر أبداً بأنني مختلف عن أبناء جيلي، وهم أيضاً لم ينظروا إلى بغرابة فقد كنت شديد الاحتكاك في أطفال قريتي، نمرح ونلهو منذ الصغر في الحي، والدتي لها الفضل الكبير في تعلمي القراءة والكتابة، ففي البداية لم يكن باستطاعتي الكتابة إلا من خلال قدمي اليسرى وبمساعدات أمي المستمرة، كانت والدتي تحاول أن تجعلني معتمداً على نفسي في تلبية كافة احتياجاتي قدر المستطاع حتى لا أحتاج إلى مساعدة أحد.

لا يوجد طريق لليأس

والدا محمد هما مثال للأبوين المثالين في الحب والعطاء والتضحية، لم يميزا بين أبنائهم أبدا، رزق محمد بأربعة أخوة وأخت واحدة وجميعهم بصحة سليمة، غرست والدته حب الحياة في قلبه وجعلته مفعماً بالحياة، وبينت له أن العقل ما دام يعمل لا يوجد شيء مستحيل.

تميز محمد بالذكاء والفطنة وأنهى دراسته الثانوية ليلتحق في جامعة بيرزيت ودراسة تخصص علم الاجتماع من أجل دراسة المجتمع وعلاقة الفرد في المجتمع ككل، وليوصل رسالة لكل شخص سواء كان يعاني من عجز او لا، أن الإرادة هي مفتاح النجاح مهما كانت الحالة التي تعاني منها قاسية انظر فقط للجانب المشرق.

يمتلك محمد بروحه الجميلة العديد من الأصدقاء وانا من بينهم، خفة دمه وحلاوة لسانه وسرعة بديهته جعلت منه إنساناً محبوباً، لعل الكثير لا يعلم بأن محمد يحب الموسيقى والغناء ويمتلك صوت يطرب به كل من يسمعه، وإن سألوني عن الإرادة سأقول محمد غازي

فيديو الإرادة هي محمد غازي

 

أضف تعليقك هنا

إيهاب خصيب

صحفي من فلسطين

Snapchat ➡ ehabkhaseeb