القوة الخفية للسياق في التصميم الجرافيكي

ˮلا يوجد النتاج الصنعي ولا يعني شيئاً إلا في سياق يدعم ويعزز معناه‟

السياق هو البيئة والظروف التي يتم فيها انتاج او استهلاك التصميم. بعبارةٍ اخرى، هو البيئة المادية ووجهات النظر الفكرية والاطار المفاهيمي الذي نضع فيه التفسيرات والاحكام. السياق هو المفتاح الذي يمكن من خلاله فهم كل شيء.

يتأثر استلام الحل التصميمي بشكل كبير بالبيئة التي يُعرض فيها والفضاء المحيط به وكيفية الاقتراب منه والوصول اليه. ومن الواضح ان المصمم لا يستطيع التحكم في تجارب الحياة الخاصة التي تشكل الاستجابة الشخصية للمشاهد او كيف يمكن ان يقع هذا المشاهد في سياق ثقافي اوسع. لدى المصممين درجة معينة من السيطرة على العوامل السياقية التي تُسهم في امكانيات صناعة الرسائل في الحلول التي يقدمها التصميم الجرافيكي، فضلاً عن الشكل الذي تتخذه الحلول وكيف يتم عرضه على الجمهور.

وعند انشاء المحتوى والتطبيق والعرض والسياق بعناية، فيمكن ان تعمل معاً بشكل متناغم من اجل نقل الرسالة المقصودة بشكل فعال الى المشاهد (التطابق). وعلى النقيض من ذلك، يمكن ان يكون التضارب المخطط له بين السياق والشكل والإظهار اداةً مفيدةً للمصممين، فالتضارب له القدرة على جذب انتباه المشاهد وتعزيز الملاحظة او الحوار الوثيق، وتقديم استراتيجية لتوسيع نطاق الرسالة الى الجمهور البديل.

توفر دراسات المعارض وصالات العرض والمتاحف والتصميم الداخلي خلفية مفيدة لوضع الحل التصميمي في الموقع والسيطرة على عرضه. كما يمكن ان يوفر فن الموقع (احد الفنون البيئية) وفن الارض وفن التركيب ايضاً مبادئ وعمليات واستراتيجيات يمكن تبنيها. هذه التخصصات الاخرى، جنباً الى جنب مع التصميم الجرافيكي، تأخذ السياق بالحسبان بعدِّه شأناً رئيساً من العمليات المفاهيمية والمادية الى الشكل النهائي ومراحل التقديم او الإظهار.

هناك عوامل عديدة تُشكل تفسير المشاهد تتضمن المحتوى والتكوين والسياق. للأخير دور رئيس في فهم الرسالة: هناك فرق بين كيفية فهم المشاهد لإشعار عن حدث نُشر بسرعة على شكل فلاير مصور، وبين إعلان ممولاً تمويلاً جيداً يظهر على شكل لوحة إعلانات براقة.

التفسير هو استقبالنا للتصاميم والاحداث وكيف نصنع المعنى منها. ان المفهوم السيميائي بحسب (بيرس، 1932) هو ان العلامة ˮهي شيء يمثل شيئاً ما بالنسبة إلى شخص ما، بمظهر ما، او إمكانية ما‟. لذا تأتي العلامة الى الوجود ذات معنى عندما تكون ذات معنى للفرد، وليس بسبب الميزة الفعلية التي يمتلكها التصميم خارج التواصل الاجتماعي. ما يجلبه التواصل الاجتماعي هو ليس فقط تفسير الفرد وإنما ايضاً شبكة العلامات التي تشكل سياق التفسير. وهذا يدل على ان السياق الذي نفهمه ونستخدمه، اي الشبكة، هو واحد فقط من العديد من السياقات الممكنة التي تتوافر في حالة معينة. فالسياق ليس مجرد وضع مادي بل وجهة نظر فكرية.

هناك أمثلة عن التفسير يكون فيها السياق او تغيير السياق له تأثير على التفسير. ان الذرائعية (مصطلح في براغماتية ديوي)، تعدُّ السياق وسيلةً في عملية الاستفسار. في السياق الواحد يتم تسهيل بعض المُخرجات دون غيرها. ان تغيير السياق يُغير ما تم تسهيله. لا يمكن النظر في اي سياق على انه الافضل الا بمعنى عملي يتمثل في تسهيل اهدافنا، بمعنى آخر التفسير المفضل. وهذا موقفٌ مألوف في بحوث الفنون والعلوم الانسانية التي تسعى لا الى الحقيقة وانما الى التفسير المفضل: يُعدّ مفضلاً لانه يدمج القراءات المفضلة الاخرى في خريطة معرفية متماسكة. والى هذا الحد لدينا مصلحة في بعض الآراء وبالتالي نعطي الاولوية لبعض سياقات التفسير.

ان التفكير في السياق (سواء كان مادياً ام ثقافياً) – بدءاً من مراحل التخطيط الاولية لحل مشكلة تصميمية – يساعد المصمم في السيطرة بشكلٍ افضل على دمج الحل في سياق العرض المقصود. للسياق تأثير على عرض كل الحلول التصميمية ويجب ان يكون شأناً عالمياً لجميع الممارسين. هناك حاجة اكيدة الى بحوث الماجستير والدكتوراه في هذا الموضوع، ومن المتوقع الحصول على نتائج مثيرة للاهتمام.

فيديو القوة الخفية للسياق في التصميم الجرافيكي

 

أضف تعليقك هنا

د. راقي نجم الدين

د. راقي نجم الدين - العراق

دكتوراة في تقنيات التصميم