المسرحية التلفزيونية

“من الضروري أن نذهب بعيدا إلى ماوراء المظاهر ، إلى ماهو أبعد مما نشاهده على مسرح التلفزيون بل إلى ماوراء أشكال المنافسة التي تحدث داخل المجال الصحفي وذلك حتى نستطيع الوصول إلى فهم حقيقي لطبيعة علاقة القوى القائمة بين الهيئات و المؤسسات المختلفة و إلى إدراك المدى الذي تتحكم فيه هذه العلاقة حتى في الشكل الذي تأخده التفاعلات بين هذه الهيئات و المؤسسات. “[4]
إن طبيعة العلاقة بين القوى الفاعلة داخل الحقل الصحفي كانت دافعا بالنسبة “بيير بورديو” إلى إنتقاد الحقل الصحافي من الداخل و الخارج بدأ من طريقة الحصول على الخبر و معالجته ، مرورا بالنشرة الإخبارية التلفزيونية التي تجمع حولها عددا من المشاهدين أكثر من كل هؤلاء الذين يطلعون على كل الصحف الصباح و المساء مجتمعين ، هذا يعكس قوة التلفزيون و فاعليته ، الذي يقوم بالمبالغة في أهمية الأخبار و خطورتها رغم تفاهتها في الكثير من الأحيان لإضفاء طابع الدراما عليها من أجل جذب الإنتباه نحو أحداث تتميز بأنها تهم كل الناس فهي أحداث لايجب أن تصدم أحد ذو أهمية . هذا يظهر جليا في البرامج الحوارية << التمثيلية التي تستضيف أشخاص لا علاقة لهم بالمواضيع المطروحة للنقاش على طاولة البرنامج و لايتساوون معلوماتهم ، لذا نجد النقاش داخل هذه البرامج يتصم بنوع من الصراع ، بين الضيوف الذي يحاول كل واحد منهم أن يدافع على وجهة نظره إنطلاقا من الحقل الذي ينتمي إليه سواء كان ينتمي إلى الحقل الجامعي ، السياسي ، الصحفي أو الديني ، فكل واحد منهم يحاول تلميع صورته أمام المشاهد ، “إن بنية هي حالة صراع القوى بين الفاعلين أو بين المؤسسات الداخلة في الصراع أو إذ شئنا ، توزيع رأس المال الخاص الذي تراكم أثناء الصراعات السابقة و الذي يوجه الإستراتيجيات الاحقة . هذه البنية ، التي هي أساس الإستراتيجيات التي تعمل على تغييرها ، هي نفسها دائما موضع صراع .”[5]
هذا يعني أن مشاركة الضيوف في هذه البرامج نابعة من سلطة الحقل الذي ينتمي إليه كل ضيف الذي يعمل كرقابة فذلك لأن الذي يدخل إلى هذا الحقل أو ذاك يوضع مباشرة داخل بنية معينة ، بنية توزع رأس المال الذي ترخصه المجموعة أو لا ترخصه للكلام ، تمنحه المصداقية بالمعنى المزدوج للكلمة ، لذا نجد أن الضيوف يمارسون نوع من الرقابة على ألسنتهم فيما يجب أن يقوله و فيما يجب أن يمتنع على قوله ، حتى لا يخرج من السياق العام للبرنامج و كذلك العمل على الحفاظ على العلاقات بين الحقول . لكن يجب علينا أن نعلم أن التفكير داخل التلفزيون زمن لحظي و محدود ، لذا يتم تغييب عملية التفكير و التأمل العميق بسبب عامل السرعة ، فالتلفزيون ليس مكان للتفكير بل هو مكان لضخ المعلومات بسرعة ، فالأجوبة يجب أن تكون لحظية و مستعجلة ، لهذا يجب الساؤل لماذا هم قادرون على قبول مثل هذه الشروط ؟ و لماذا يمكنهم أن يفكروا في ظل ظروف لايمكن لأي أحد أن يفكر في ظلها على الإطلاق ؟ يجيب ”بيير بورديو” مستشهدا بـ”فلوبير”” بأنهم يفكرون من خلال الأفكار الشائعة و السائدة ، التي تحدث عنها ”گوستاف فلوبير” ، هي تلك الأفكار التي يتقبلها الجميع ، تافهة ، مبتذلة ، تقليديه” و سطحيه” شائعة و مشتركة لكنها هي أيضا تلك الأفكار التي عندما تتلقاها يكون . قد ثم قبولها بالفعل حيث لا كون هناك محل لطرح مشكلة التلقي و الإدراك بعد ذلك “
[6]. أشباه هؤلاء المفكرين يشبههم ”بورديو” بالمفكرين السريعين fast thinkers الذين يقدمون غداءً ثقافيا على السريع fast food Culturally و هو نوع من التغدية الثقافية التي تم إعدادها مسبقا و التفكير فيها مقدما ، لهذا نشاهد في هذه البرامج الحوارية بعض الوجوه المألوفة من المفكرين و الخبراء حتى يضفون نوعا من الموضوعية و المصداقية على البرنامج ، هذه الحوارات أو النقاشات في مجملها تكون من أجل تزييف الحقائق . لذا هذه البرامج يتم تقديمها ظاهريا على أنها تطرح الأفكار المتعارضة و المختلفة و تحترم حرية تعدد الأراء بالإضافة إلى وجود نوع من الحياد القيمي و الموضوعية في تناول المواضيع و التعبير عن الأراء ، لكن في الباطن نجد العكس من هذا و يبدو ذلك في عدم تقسيم الوقت بشكل عادل و إختزال في عدد الأسئلة و عدم توزيعها بشكل موضوعي ، لتغليب الجهة أو الحقل الذي لا يتعارض مع التوجه الأيديولوجي للقناة و هذا مايعمل عليه مقدم البنامج من خلال عملية تسييره للنقاش و طرحه للأسئلة على الضيوف ، حيث يمارس نوع من العنف الرمزي بتواطؤ ضمني من قبل هؤلاء الناس من خلال مساهمتهم في خلق نوع من عدم التوازن بين الحقول داخل النقاش ، هذا مايدفع بالمثقف إلى أن يمارس على نفسه نوع من الرقابة الذاتية و يقدم تنازلات حتى يصبح مقبولا لدى التلفزيون . هذا عبرة عنه بيير بورديو بفكرة مفادها هو أن التلفزيون عالم يجسد لدينا الإنطباع ، بأن كل الشركاء الإجتماعيين بكل مايتمتعون به من مظهر الأهمية و الإحترام ، و الإستقلالية و حتى أحيانا هالات كبرى خارقة للعادة فهم دمى لضرورة من الواجب شرحها ، دمى لبنية يجب التحلل منها و كشفها و إخراجها إلى النور . من هنا نخلص إلى أن البرامج التلفزيونية توضف أمثال هؤلاء المفكرين و المثقفين من أجل كسب ثقة المشاهد في مقابل إشباع نرجسيهم ..
فيديو المسرحية التلفزيونية 

أضف تعليقك هنا

سعد أيت يحيى

سعد أيت يحيى