وصمة عار

يجلد الجلاد المتهم حتى يمزق جلده و تسيل الدماء ويجرى الزمن ويظن الذي جلد ان حان وقت النسيان ولا احد يذكر جروحه واوجاعه وعاره حتي يكتشف ان ندوبه في ظهره لم تندثر بل انها تتخذ شكل علامات على جلده وهنا يعلم ان عاره لم ولن يسنى . وهكذا الحال والقصة شبيهة ولكن مع اختلاف الأبطال ، يمسك المجتمع بالسوط ويجلد كل من يعاني من  ” مرض نفسى “ويعتبر ان التهمة هى مرضه ! فكيف تسول له نفسه ويمرض بذلك المرض ويشبه بالمجنون؟! . واذا كان القانون لا يحمل مغفلين ، فالمجتمع لا يتحمل “المجانين” واذا ظن المريض انه تعافى من مرضه وتحسنت حالته يكتشف ان المجتمع يتذكر ندوبه و سقمه ويركض هنا وهناك ويطلب من عائلته واقاربه واصدقائه الا يخبروا احد عن طبيعة مرضه والا سيوصم بالعار . لا يرحم الناس المريض الذي يتعرض للاكتئاب او لاي نوع من انواع المرض النفسي الذي يأتي نتيجة لمشاكل او ضغوطات الحياة او حوادث مفاجئة او تراكمات في التنشئة الاجتماعية والتربية بل ينعت المجتمع المريض النفسي بالمجنون ولا يفرق بينه وبين المريض العقلي او الذين يعانوا من  خلل عقلى . فنحن تربينا علي ثقافة مغلوطة وظالمة وتتصف بالجهل الشديد في مجتمعاتنا ، فلا نحترم ولا نقدر ولا نعي حتي طبيعة المرض كما تغذينا علي هذه الثقافة من الافلام والدراما التي احيانأ ترسم صورة خاطئة للامراض النفسية وللمصحات النفسية ، كم رأينا مشاهد قاسية عن العلاج بالجلسات الكهربائية التي تعالج بعض الامراض وكيفية استخدامها وعن انها تستخدم بطريقة مرهبة وقاسية وكأنها ضرب من ضروب التعذيب . وهذه التصورات هي بعيدة كل البعد عن الصحة . كما صورت لما الدرانا ايضأ المريض النفسي هو الشخص الذي تتجمع حول عينيه الحالات السوداء و ونظراته مريبة ومخيفة ولا استبعد ان يتصور البعض ان المرضي النفسيين يرتدون فوق رؤؤسهم اوعية طعام ويصفقون ويقفزون ويهرولون بأي حديث.

 

نعترف في مجتمعاتنا بالمرض الجسدى ونرثي له و نشفق علي كل من يعاني منه ونقدر ايضأ خطورته وكيفية العلاج منه ، اما المرض النفسي يمكن ان يصيب اي انسان نتيجة لظروف قاسية تعصف بالانسان ولا يقدرعلي مواجهتهها او تقبلها فتمرض نفسه ويحدث خلل او عدم اتزان. وقد يكمن المرض منذ الصغر ولا يظهر الا في ظروف معينة . الام مبرحة يعاني منها المريض النفسى  ولا نشعر به : ففقدان ذاتك واتزانك النفسي ليس امر هين . هناك انواع كثيرة للمرض : الاكتئاب ،القلق النفسى ،الرهاب ، الوسواس القهري ، بارانويا، إضطرابات شخصية ، فصام وانواع اخري كثيرة .

وهنا يتحمل المريض اعباء فوق عبء مرضه حيث يبدأ الناس في التحفظ عند التعامل معه او محاولة اخفاء العائلة والاقارب طبيعة مرضه والشعور بالخزي من مرضه ، لغياب الثقافة يتم وصم المريض بالعار ونعته بالجنون والاصعب ان يتهم المجتمع المريض بأنه ليس متقرب من الله وغير متدين وايمانه بالله ضعيف وإنما اصيب هكذا بسبب وهنه وضعفه . قد يجهل البعض ان طبيعة البشر مختلفة  وقدرة تحملهم لضغوط الحياة متباينة واذا سمح الله بالداء فهو جعل للداء الدواء والطب .

 

ليس هناك ما يخجل في المرض.  لماذا نجد الناس يرفضون العلاج النفسي بسبب نظرة المجتمع لمن يذهب الي عيادة الطبيب النفسي؟  فهو مكان طبيعي للعلاج لا شك به او ريبة ! قد يعاني بعض الاطفال من اضطرابات في الشخصية ويرفض الاهالى تقويم سلوكهم بواسطة الطبيب النفسي وتجد من يصرخ معترضأ : ابني ليس مجنون حتى اذهب به الي طبيب النفسي ! هذا طبعا نتيجة لغياب الوعي والثقافة والمعرفة الصحيحة للعلاج النفسي والتقويم السلوكي .

نحتاج بشدة في المجتمع الشرقي لمزيد من التوعية ونشر ثقافة تقبل المرض النفسى وكيفية التعامل معه وعدم رفض المريض واقصائه وتهميشه عن المجتمع حتى يتخطى مرحلة مرضه ولا يعود يذكر ندوبه كما قلنا ويستأنف دوره في نهضة و تطور مجتمعه .
فللبيئة المحيطة للمريض دور هام في تماثل الشفاء والتعافي من المرض ، لا تخجل اذا شعرت بفقدان الرغبة في الحياة ، اذهب واستشرالطبيب النفسي ، لا تشعر بالعار اذا كان احد افراد اسرتك يعاني من تلك الامراض ، احترم وقدر من يعانوا في تلك الازمة . أبدأ بنفسك حتى تتعافى مجمعاتنا من تلك النظرة القاسية وتتخلى عن دور الجلاد وترفق وتساند المرضي النفسيين . دعونا نزيل وصمة العار عن هؤلاء !

فيديو وصمة عار

 

أضف تعليقك هنا

مريم أنيس توفيق

مريم أنيس توفيق