التعليم بين التطوير والتطبيل

التعليم بين التطوير والتطبيل

أنهي المسئول الكبير كلمته في اللقاء الذي عقده مع مجموعة من المعلمين العائدين من الخارج بعد المشاركة في برامج تدريبية عُقدت بالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وضجت القاعة بتصفيق حاد يصُم الآذان وارتسمت علامات السرور علي وجه المسئول الكبير وانتابه احساس غامر بالرضا عن أدائه لمسئولياته الجسام علي أكمل وجه، كان في قرارة نفسه يشعر أن هذه المجموعة من المعلمين أو ما أطلق عليهم “الكتلة الحرجة” هم الذين يقع عليهم عبء التغيير والتطوير والتحديث لنظام تعليمي متهالك من الأساس.

وفجأة هب أحد الحضور واقفاً يشكو للمسئول الكبير عن ظُلم وقع عليه ولم يُنصفه أحد، واتهم الوزارة بالتخاذل والتقاعس وعدم الوقوف إلي جانب المُعلم. وهنا تغيرت ملامح المسئول الكبير وعلا صوته وأرعد وأزبد فهو لم يعتد أبداً أن يعارضه أحد وأشار إلي أفراد الأمن المصاحبين له فاتجهوا بسرعة البرق إلي المُعلم الذي تجرأ وعارض وأخرجوه من القاعة.

حدث ذلك في نهاية التسعينيات وظل ذلك المسئول قابعاً علي كرسيه أربعة عشر عاماً من 1991 إلي 2004 حتي ظن البعض أن كرسي الوزارة سيؤول الي أحد أبنائه من بعده.

ما أشبه الليلة بالبارحة!

وما أشبه الليلة بالبارحة، فمنذ ذلك الحين وحتي تاريخه لم يحدث أي تغيير أو تطوير حقيقي في منظومة التعليم في مصر ومع ذلك استمر التطبيل والتصفيق لكل من جلس علي كرسي الوزارة وبالتالي صارت الأمور إلي ما هي عليه الآن بل باتت أسوأ.

أتذكر أنهم طلبوا منا يوماً في أحد اللقاءات أن نقدم لهم بعض المقترحات لتطوير التعليم وأخذتنا الحماسة وقدمنا العديد من الأفكار التي عُدنا بها من الخارج وسلمناها للسادة المسئولين فوضعوها في مظروف أنيق كُتب عليه من الخارج “مقترحات التطوير” وفي نهاية اللقاء صفق الجميع ووجدت المقترحات طريقها إلي سلة المهملات كالعادة!!

أدركت من وقتها أنه لا فائدة تُجدي من مثل هذه اللقاءات التي تنتهي عادة بالتصفيق وستظل الأمور كما هي إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

ظروف بالغة السوء:

المعلم أيها السادة هو الأساس في أي مقترح للتطوير، وهو بكل أسف يعمل في ظل ظروف بالغة السوء نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

  • يحصل المعلمون علي أجور متدنية لا تسمن ولا تغني من جوع بينما يحصل أقرانهم من المعلمين في الدول المتقدمة علي أعلي الأجور تقديرا من تلك الدول لقيمة المعلم ودوره في احداث أي تغيير حقيقي في المجتمع.
  • يتعرض المعلمون لهجمات ضارية في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها ويُقدم المعلم عادة في الأعمال الفنية الهابطة بصورة مُزرية ومهينة للكرامة ترتب عليها نظرة المجتمع للمعلم نظرة دُونية تُحط من شأنه وتقلل من احترامه.
  • يتعرض المعلمون للمهانة و الإذلال أثناء مشاركتهم في الإمتحانات العامة ولا سيما امتحانات الدبلومات الفنية والثانوية العامة إذ تُفرض عليهم الإقامة في استراحات غير آدمية ويتعرضون للإعتداءات المتكررة من جانب الطلاب وأولياء أمورهم مع استخدام  الترويع والإرهاب بكافة الصور بُغية  تمكين الطلاب من الغش أثناء الإمتحانات.
  • يُعامل المعلمون معاملة بالغة السوء من قبل العاملين بأجهزة المتابعة في الإدارات والمديريات التعليمية ومعظم هؤلاء ينظرون إلي المعلم علي أنه شخص مدان حتي تثبت براءته!
  • ابتُلي المعلمون بنقابة لا تحرك ساكنا وليس لها أي دور فعال في خدمة أعضائها وكل همها ما تحصل عليه من استقطاعات من رواتب المعلمين نظير معاش هزيل يٌقدم لهم عند الإحالة للتقاعد!
  • يُجبر المعلمون علي القيام بأعمال إدارية ومكتبية لا علاقة لها بصميم عملهم وهو التدريس مما يستنزف الكثير من الوقت والجهد ويؤثر سلباً علي قيامهم بمهام أعمالهم.

 

هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم!

وطالما سنستمر في التصفيق والتطبيل للقيادات التعليمية في بلادنا سواء كانوا علي حق أو علي باطل، فلن يكون هناك أي تطوير حقيقي للمنظومة التعليمية في بلادنا.

 

فيديو التعليم بين التطوير والتطبيل

أضف تعليقك هنا

عصام حنا وهبه

عصام حنا وهبه

شارك في العديد من البرامج التدريبية بالولايات المتحدة الأمريكية وله مقالات منشورة في طرق تدريس اللغة الانجليزية.