رسالة إلى الذي حب ولا طال شيء!

الألم الذي تشعر به، عقلك المتحير، عينك الباكية، قلبك الذي ينبض وجعًا، روحك المتعبة، الأفكار التي تموج في عقلك، التساؤلات التي تمنع عينك النوم، البوح الذي لا يسمعه سواك، الرؤية الضبابية للماضي والمستقبل، حياتك التي فقدت الحياة والمعنى، أنا أشعر بك، ولو كان للكلمات يد لجعلتها تربت على كتفك المثقل حتى ترتاح، ولو كان ينفعك لقدمت لك بعض روحي وفؤادي، لكن روحك أكثر جمالًا، وأنا في الحقيقة ما كتبتُ للـ “طبطبة” والهدهدة، وإنما أكتبُ لك لأتساءل معك كيف يمكن أن تمر بسلام مما حصل؟ وهي تساؤلات دارت وتدور في ذهنك تحتاج إلى صديق يناقشها معك.. فلعلني هو!

  • أولا: هل هناك نهاية أخرى؟

كل قصص الحب الرائعة التي انتهت بالفراق، هل كان يمكن أن تنتهي بالوصال؟ هل كان ممكننا من خلال عدم فعل بعض الأخطاء من الطرفين أن تستمر قصة حبهما إلى الأبد؟ كل هذا ممكن، لكن وعلى حد التعبير الحكيم الذي يقول “نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكن بطريقة ما، خسرنا” وهو ليس للمدير التنفيذي لنوكيا كما هو شائع! المهم أنه وبطريقة ما سلك بكم القدر ذلك الطريق، أنت الآن وحيد وينبغي عليك إكمال الطريق؛ لأن الوقوف حيث أنت واستمرار هذا التساؤل وأنت في هذه الحال غير مفيد، لأنك لن تصل إلى جواب منطقي، حين تأخذك رأفة بمن فارقت سوف تقول “لقد كان جميلًا ورائعًا، لقد خسرته”، وحين تقوى نفسك سوف تقول “كم كان بشعًا ومقززًا، كيف أحببته!، لقد خسرني ولن يجد مثلي أبدًا”! وهذا طبيعي جدًا لأنك تتساءل في الظرف الخاطئ والعقل العاطفي لا يقدم أية إجابة مفيدة.. تقدم خطوة!

أوصيك ياغلبان أوصيك يا عاشق

ما تندمشى على اللى راح

لو عملت طير بجناح غير رزقك ولا تطلشى!

  • ثانيًا: هل كان المحبوب قبيحًا؟

كنوع من الخداع والانتصار للنفس سيخبرك عقلك أن محبوبك القديم كان سيئًا وأنت الذي خُدعت وانطلت عليك ألاعيبه الماكرة، إن فكرت بهذه الطريقة سوف ترتاح، إنه مسكن سريع المفعول، لكن وماذا بعد؟ سوف تتألم حين تمر بمكان جمعكما سويًا وتعالى صوت ضحكاتكما وسوف يزيد الألم حين يتخلل عبير هذه الذكرى طيات روحك المرهقة وستعلم أنك كنت تخدع نفسك!
لقد كان المحبوب جميلًا، وكانت قصة رائعة، لكن لو كان شرطًا أن تستمر حياتنا مع من نحب لاستحالت هذه الأرض جنة! ولما مات الأحباب ولا ودعنا الأصدقاء!
لا تكن خائنًا، كن ممتنًا للحظة جمعت روحك، لابتسامة محت دموعك، ليد أمسكت بك يومًا وقالت لك بهدوء: اطمئن! كن شاكرًا لـغار آواك يومًا من برد الحياة وتوحشِ الناس!

خلي الفراق أجمل فراق فى دنية العاشقين

وان حد سألك عني قوله كنا أوفي اتنين

قول كان حبيبي وكان حياتي وعشرة ليها سنين!

  • ثالثًا: هل تتابع أخباره بعد الرحيل؟

في بادئ الأمر لا تفعل =لأنك بهذا ترش الملح على الجرح المفتوح، إن كنت نبيلًا سوف تتألم لألمه، سوف تؤلمك سعادته أيضًا! هذه السعادة التي ما ذقناها إلا معًا، كيف يذوقها بمفرده؟ هل كان يخدعني؟! ثم تتوالى أسئلة لا تنتهي وهي تضرك بلا شك!
ثم حين يلتئم جرحك بعد فترة علاجية كافية تختلف مع عمق كل تجربة ومجموع ما فيها من ذكريات سعيدة أو غير ذلك، بعدها يمكن أن تتابع أخباره كما تتابع أخبار أي كائن حي، قليل من المشاعر سوف يطفو فوق سطح روحك لكن لا تقلق، هذا وسام نُبلك وعلامة صدقك في التجربة.. تقدم خطوة!

القلب يعـشق كـل جميل
وياما شفت جمال يا عين
واللي صدق في الحب قليل
وإن دام يدوم يوم ..ولايومين!

  • رابعًا: هل سوف تنجح في النسيان؟

هذا بحسب معنى النسيان الذي تقصده، هل تقصد النسيان الذي يجعلك تحاول تذكر اسمه حين تراه مجددًا؟ هذا مستحيل، هل تقصد النسيان الذي يجعله أمام قلبك كالغرباء الذين تراهم في الشوارع؟ هذا مستحيل.
النسيان المنشود الذي يناسب النُبلاء =هو أن تراه شخصًا شاركك بعض روحك يومًا ما في الزمان الغابر، كزميل الدراسة القديم، كالجار الذي ترك الحي منذ زمن ثم جمعكما الطريق صدفة، هل تتألم حين رؤية هؤلاء؟ بالطبع لا، هذا هو المطلوب “رفع ألم التجربة”.
وأصدقك القول: هذا يأخذ زمنًا، محاولة نزع إنسان اختلطت روحه بلحمك ودمك يُشبه تخليص صوف مبتل من حديد ساخن، خفف الله عنك يا صديقي!
فقط ينبغي ألا تتسرع في طلب النتيجة، إنها كأي عملية جراحية تأخذ وقتًا، وتصنع بداخلك فرقًا، وتتطلب فترة نقاهة كافية بعدها، ثم تصير إلى الشفاء الكامل، اطمئن.

سَأُقِابِل يَوْمَا عَيْنَيْك

كَالْعَادَة لَابِسَة حُلِيَّك

كَالْعَادَة مَمْشُوْق نَهْدُك

وَسَأُجْرِي نَحْوَك كَالْعَادَة

لَكِن ابْنَتُك سْتَغَمِزك

سَتُشِيْر إِلَى شَاب أَسْمَر

وَطَوَيْل وَنَحِيْف مِثْلِي

وَقْتَئِذ سَأُرَاجِع نَفْسِي

أَتَحَسَّس شِيْبا فِي رَأْسِي

وَأَغَار مِن الْوَلَد الْأَسْمَر

وَسَأَضَحك أَضْحَك أَسْخَر مِنِّي

فَالْوَلَد الْأَسْمَر كَان ابْنِي!

  • خامسًا: هل سوف أحب من جديد؟

أقول لك بيقين، أنت الآن مؤهل للمحبة أكثر من أي زمان مضى، لقد سلكت هذا الطريق من قبل، تعرف دروبه ومرتفعاته وهضابه وحيَّاته ووروده وأشوكه، لقد اجتزت دورة تدريبية وتسلمت الشهادة.
ومع ذلك لك أن تسأل: هل من الأخلاقي أن تختار محبوبًا آخر لتنسى الأول؟ سل نفسك: إذا كنت مريضًا بمرض شديد وأعجبت بأحدهم، هل ستبتعد عنه من البداية أم ستذهب إليه لتخبره “أنا أشعر أنه يمكن أن تكتمل حياتي بك، لكن أن مريض بمرض شديد وأعمل على علاجه وسوف أُشفى منه، أنا أترك لك الخيار في أن تقبلني مريضا في أول علاقتنا أو أن ترفضني من البداية وأنا أقدرك على كل حال”.
إن كنت ستختار هذا السيناريو، فيمكنك أيضا حين يطرق أحدهم قلبك أن تخبره بهذا والخيار له، والخير لك في كل حال، لكن هذا لا يعني أنه بمجرد أن تنتهي علاقتك بالأول تتركه وتبحث عن الثاني! ارفق بنفسك وأرِح روحك قليلًا لتكمل الرحلة!

إذا جاك الموت يا وليدي

موت على طول

اللي اتخطفوا فضلوا أحباب

صاحيين فى القلب

كإن محدش غاب!

  • سادسًا: هل سوف ينساني؟

سامحني سوف أخبرك الحقيقة، سوف ينساك ويُشفى منك ويُحب مجددًا ويكتب له منشورات فيسبوكية جميلة ويشاركه أغاني الغرام ويقول له كل كلمات العشق التي قالها لك يومًا، وربما استعان بكلماتك وقالها له، وسوف يتزوج ويختلى بزوجه ويدور بينهما ما يدور بين الأزواج وسوف يكون هذا ممتعًا له ولشريكه، وسوف يكون له أطفال أجمل من القمر وأخف من الهواء، وسوف يسعد هو بهم، وسوف تأخذه الحياة من التفكير بك ومن التفكير بنفسه، الحياة قاسية جدًا!
لا يعني هذا أنه جاحد أو نـاكر للجميل، هي فقط سنة الحياة، وعليك أن تُساعده في نسيانك كي يكون وفيًا لشريك حياته الجديد، كما تتمنى من شريكك الجديد أن يكون وفيًا لك! (هذا هو الحد الأدنى من الأخلاق).

مش كل حلم نشوفه سهل هنبقي حققناه

دا ساعات بيبقي السهل صعب لما نتمناه

والدنيا عمر ماحد جالها وعاشها من غير آه!

  • سابعًا: لماذا لا تكتمل قصص الحب الجميلة؟

لماذا لا تكون الحياة أسهل من كل هذا، أبحث عن محبوب فأجده فنتزوج فنعيش سعداء للأبد، لماذا لا تكون كذلك؟!
لا توجد إجابة نموذجية، ربما كان المحبوب لا يناسبك وسوف تدرك ذلك في المستقبل، ربما كان لا يستحقك، ربما كنت لا تستحقه، ربما لأنكما مناسبَين ومتطابقين جدًا إلى الدرجة التي لو اجتمعتما لصارت هذه الأرض جنة وهذا غير ممكن، وربما لأنك سوف ترى الأجمل يومًا ما فتحمد الله أن جعلك تفارق الأول ليجمعك بالأجمل، أو لأنك سوف ترى الأقبح يومًا وتعلم أنك فرطت في كنز عظيم وتأخذ عقابك! وربما لأن الآلام العظيمة تصنع العظماء وربما لأنك نسيت الله خلال تجربتك الأولى فأراد لك تجربة جديدة في محبته ورضاه، وربما.. وربما!

لا نعرف! كل ما نعرفه أننا لا نعلم الغيب! وأن لهذا الكون خالق حكيم يُسيِّر هذا الكون وفق حكمة أعلى من جهلنا وعلمنا المحدود، وأننا بشر لو علمنا الغيب الكلي لصرنا آلهة وهذا غير ممكن، وأن هذا الإله رحيم لا ينفعه ألمك ولكنه كالطبيب الذي يعطيك ما ينفعك لا ما تريده!

أو لأنه –كما يقول كافكا- يهبك الله الجوز لكنه لا يقشره لك!

فيديو رسالة إلى الذي حب ولا طال شيء!

أضف تعليقك هنا

أحمد رشدي

أحمد رشدي