زينب النفزاوية المرأة التي أبهرت العالم بجمالها ورئاستها

 

لا جدال في أن رقي المجتمعات الإنسانية دائما يقاس بمدى التقدير والاهتمام التي تحظى به المرأة وتناله قديما وحديثا ، أضف إلى ذلك منحها كامل حقوقها السياسية والاجتماعية ، علمًا بأن المرأة هى الشريكة الأولى للرجل وساعده الأيمن فى تحمل كافة أعباء الحياة ، ولا ننسي أنها الزوجة التى تدبر شئون الأسرة بل وتعتبر النواة الأولي في قيام المجتمعات البشرية ، وهي الأم المسئولة قبل غيرها عن تنشئة أبنائها .
ومن هذا المنطلق جاءت فكرة هذا المقال ليلقي الضوء من جديد حول هذه المرأة الأمازيغية ” زينب النفزاوية ” التى عدت أحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة على حد تعبير المؤرخ ابن خلدون (ت 808هـ) حيث لعبت دورًا كبيرًا في إرساء وتثبيت دعائم دولة المرابطين بالغرب الإسلامي ، وكان لها الفضل المشهود والأثر المحمود فى كتابات العديد من مؤرخي عصرها وهذا ما سنفصله فى إيجاز . (العبر 6 /244) .

النشأة والأصل :

هي زينب بنت إسحاق النفزاوية اسمها باللغة الأمازيغية (زينب تانفزاوة) من قبيلة نفزاوة , من بربر الأمازيغ القاطنة بطرابلس الغرب , وقد بدأ بزوغ نجم هذه المرأة حينما تزوجت من قبل الأمير المرابطي أبي بكر بن عمر اللمتوني (المتوفى عام 480هـ/ 1087م) ، أما قبل ذلك فلم تذكرها المصادر التاريخية المعاصرة إلا بشكل مقتضب للغاية أثناء الحروب التى خاضها المرابطين في منطقة السوس بالمغرب الأقصى ، واتفق أغلب المؤرخون أنها كانت ابنة تاجر كبير من تجار مدينة القيروان , هو إسحاق الهواري الذى ينتمي إلى قبيلة هوارة الأمازيغية, التى اعتبرت آنذاك من أهم الحواضر الثقافية في العالم الإسلامية .
واللافت للانتباه والمثير للجدل وجود بعض الروايات التى زعمت أنها ابنة لرجل من الصيادلة بالقيروان ، رغم ثبوت ضعف هذه الأقاويل نظرًا لأنها انتقلت فى بادئ عمرها ومقتبل حياتها للعيش بمدينة أغمات حيث كانت العاصمة الأولي لدولة المرابطين ، وهذه المدنية لها من الشهرة والصيت الكثير وخاصة أنها تقع في مفترق الطرق التجارية ، أضف لذلك أن هذه المدينة بما لها من شهرة واسعة ساهمت بشكل كبير فى ثراء والدها الذى امتهن التجارة . وهذا هو الأمر المؤكد لدينا الذى كان له بالغ الأثر في تكوين شخصيتها وخاصة إذا علمنا أنها نشأت وترعرعت في بيئة ثرية متحضرة .
انتقالها إلى أغمات وزواجها:
هاجرت زينب من (نفزاوة) التى كانت تحت إمرة بني زيري الذين ثاروا على الخلفاء الفاطميين وخاصة بعد انتقال عاصمة ملكهم للقاهرة ، حيث انتقلت زينب إلى مدينة أغمات بصحبة والدها التاجر وذلك فرارًا من همجية بني هلال الذين الذين تم طردهم من صعيد مصر إبان الحكم الفاطمي عقابًا لهم على نكاياتهم بالمسلمين ، ومن ناحية أخرى عمدت الخلافة الفاطمية بمصر فى نفس الوقت استخدام هؤلاء كدروع بشرية في مواجهة بني زيري المتمردين عليهم إفريقية . فاستعانوا ببني سليم واستطاعوا هزيمة أمير افريقية ، وخربوا القيروان حتى سقطت تحت وطأتهم سنة 1057م ، فهاجر من نجا من أهلها إلى المدن المجاورة رحمة بهؤلاء المستضعفين وبأبنائهم من وطنهم الجريح . وهكذا انتقلت زينب إلى أغمات هذه الحاضرة المتحضرة لتستوطنها مع أبيها فبقيت أغمات مسكنا لها حتي شيدت مدينة مراكش فى عام (464هـ/ 1072م) .
وتعد زينب من النساء التى ذاع صيتها وشاع ذكرها بإفريقية بين القبائل وخاصة المصامدة وغيرها ، لدرجة أن شيوخ ورؤساء هذه القبائل تنافسوا وتبارزوا على الزواج منها نظرا لما تمعت به من جمال وحسن فائق الوصف على حد تعبير مؤرخي عصرها . ولكنها كانت ترفض الزواج فى بادئ الأمر ، وخاصة أنها كانت ترى نفسها في مكانة لا يضاهيها فيها أحد ، ومما يفسر رفضها أصرارها على تزوجها ممن يحكم بلاد المغرب بأسرها .
وعندما تكرر رفضها الزواج عدة مرات دفع هذا الأمر البعض إلى وصفها بالكهانة ومنهم من رماها بالحمق وخاصة بعد الادعاء التى أثير بشأنها وأنها لن تتزوج سوى من يحكم المغرب بأسره ، فى حين وجد آخرون هذا الأمر فرصة لنيل منها من خلال تنبئها بالمستقبل ، وقالوا أنها على صلة بالجن والغيبيات التى هى من أعمال السحر والشعوذة . ولكن إذا أمعنا النظر في كل ما قيل بحقها سنجد أن كل ذلك نابع من الحقد التى تركته فى نفوس نساء عصرها ، ولن نجد ردًا على هذه الافتراءات أبلغ من قول الشاعر المتنبي ” وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ, فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ ” . وفي هذا السياق نفسه لا يمكن أن نغفل جانبا مهما وهو أن المغرب بأكمله افترقت فيه الكلمة ، ومن الصعوبة بمكان أن تتحق الوحدة في رجل تتزوجه زينب على حد زعمها ، وخاصة بعد كل هذه الاضطرابات والقلاقل الداخلية التي عمت أرجاء الشمال الأفريقي .
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن زواجها فنجد أن المؤرخ ابن خلدون(المتوفي عام 808هـ) يسوق لنا في هذا الصدد رواية مفادها أنها تزوجت من الأمير لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات ، بل ويشير أيضا أنها زوجت قبله من يوسف بن على بن عبد الرحمن بن وطاس ، وكان هذا الرجل شيخا على وريكة وهى زوجة هيلانة فى دولة أمغازن في بلاد المصامدة وهم الشيوح . وتغلب بنو يفرن على وريكة ، وملكوا أغمات فتزوجها من بعده الأمير لقوط . (العبر 6/ 244)
ومما تجدر الاشارة إليه أن المصادر التى تعرضت لتلك الحقبة لم تقف على ترجمة لأسماء أمراء أغمات آخر دولة بني زيرى بفاس على حد تعبير ابن خلدون ، إلا أن هناك إشارات بسيطة حول الأمير لقوط بن يوسف المغراوي نظرًا لأنه كان آخر ملوك أغمات التى هزمه المرابطون وأستولوا على ملكه عام (449هـ / 1017م) ، وقد ظل متخفيا إلى أن فر هاربا عن المدينة فى الليل الدامس إلى مدينة تادلا عام (451هـ/ 1019م) تاركًا خلفه زوجته زينب النفزاوية وحيدة بمفردها . (العبر 7/ 62)

زواجها من أبي بكر بن عمر اللمتوني

وبعد استيلاء اللمتونيون على مدينة أغمات تزوجت زينب النفزاوية من أميرهم وقائدهم آنذاك وهو أبو بكر بن عمر اللمتوني الذى عده البعض فاتح افريقيا وحامل النور للغرب الإسلامي ، فقد كان شغله الشاغل هو محاربة البدع والوثنية المنشرة في أوساط القبائل الافريقية ونشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيح ، وعندما بلغه الصراع الذى نشب بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء وهو لم يستتم فتح بلاد المغرب بعد ، دفعه هذا الأمر لترك زوجته زينب النفزاوية عام (453هـ /1021م) والتوجه إلى الصحراء خشية افتراق كلمة القبائل هنالك وارتدادهم عن الإسلام ، ورغبة منه في محاربة الوثنية ونشر العقيدة الصحيحة ، ففتحت على يديه أكثر من خمسة عشر دولة أفريقية أهمها : ( السودان ، تشاد ، النيجر ، بوركينا فاسو ، ساحل العاج ، غينيا بيساو ، سيراليون ، مالي ، غانا ، توجو ، الكاميرون ، أفريقيا الوسطي ، الجابون) .
ويستدل على ذلك بما أورده ابن خلكان (المتوفي 681هـ) بقوله ” كان أبو بكر بن عمر رجلا ساذجا خير الطباع مؤثرا لبلاده على بلاد المغرب غير ميال إلى الرفاهية ، وكانت ولاة المغرب من زناتة ضعفاء لم يقاموا الملثمين (المرابطين) ، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط ، فلما حصلت البلاد لأبي بكر بن عمر المذكور سمع أن عجوزًا فى بلاده ذهبت لها ناقة فى غارة فبكت وقالت : ضيعنا أبو بكر ابن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب ، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب رجلاً من أصحابه اسمه يوسف بن تاشفين ورجع إلى بلاده الجنوبية . (وفيات الأعيان 7/ 113) .
ولذا فلم يستمر هذا الزواج سوى ثلاثة أشهر ، فقد توجه أبو بكر اللمتوني إلى الصحراء جنوبًا صوب بلاد السودان إعلاء لكلمة الله ورغبة منه في اجتماع الكلمة بين القبائل ، وعندئذ اسند أمر بلاد المغرب إلى ابن عمّه الأمير المجاهد يوسف بن تاشفين وذلك في عام (453هـ/1021م) ، وتنازل له عن زوجته النفزاوية وزوجه إياها ، وكان ذلك تطوعا منه دون إكراه ورغبة في مواصلة التفرغ للجهاد في سبيل الله .
وظهرت شخصية زينب النفزاوية جليا على الساحة السياسية وتبوأت مكانة عظيمة لا تقارن وقد اتضح ذلك بقوة من خلال نصيحة أبي بكر لابن عمه يوسف بن تاشفين حيث قال له : « تزوجها فإنها امرأة مسعودة » ليصبح ذلك دليلا واعترافا بقوة ومكانة هذه المرأة الأمازيغية ، ثم يتدارك أبي بكر اللمتوني وفاءها لشعارها وشموخها فيقول لها : «فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين، فهو خليفتي على بلاد المغرب».
ويؤكد ذلك الناصري بقوله : «كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية وكانت بارعة الجمال والحسن ، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء ووقوع الخلاف بين أهلها، وكان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا وهو قادر على كفهم ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها ويقيم رسم الجهاد بها، ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب، وقال لها عند فراقه إياها : (يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك، فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب). فطلقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا حتى أتى سجلماسة فدخلها وأقام بها أياما حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء. «الاستقصا 2/ 20-21» .

زواجها من يوسف بن تاشفين

لتصبح بذلك زينب النفزاوية زوجة لأمير المغرب يوسف بن تاشفين بأكلمه كما تمنت في بادئ أمرها ، وفي الأيام الاولى كان يوسف بن تاشفين متخوفاً بعض الشيء , وكانت زينب تطمئنه, ويحلو لها أن تردد على مسامعه :”سأجعل منك سلطاناً كبيرا يحكم المغرب بأكمله” وظلت تحفزه على استكمال فتوحات سابقيه وتثبيت دعائم أركان مملكة المرابطين , ويستدل من الروايات التاريخية أنها كانت تزوده بالمال لتحقيق ذلك , ويسجل التاريخ أن باتباعه لنصائحها قوى يوسف ثروته وجيشه وشوكته وتوغل في فتح مناطق جديدة.
وقد عظم أمر يوسف بن تاشفين حيث ارتفعت مكانته بين ملوك عصره نظرًا لما تميز به من علو الهمة ، واستفحل سلطانه بالمغرب واستطاع أن يسيطر على أكثر البلاد فلما سمع الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني بما آل إليه أمر يوسف بن تاشفين وما منحه الله من النصر أقبل من الصحراء ليختبر أمره، ويقال: إنه كان مضمرا لعزله وتولية غيره، فأحس يوسف بذلك فشاور زوجته زينب بنت إسحاق . فقالت له: (إن ابن عمك متورع عن سفك الدماء فإذا لقيته فاترك ما كان يعهده منك من الأدب والتواضع معه وأظهر أثر الترفع والاستبداد حتى كأنك مساو له ثم لاطفه مع ذلك بالهدايا من الأموال والخلع وسائر طرف المغرب واستكثر من ذلك فإنه بأرض صحراء وكل ما جلب إليه من هنا فهو مستطرف لديه).

تنازل أبو بكر بن عمر اللمتوني عن الحكم

ويشير الناصري لاحتمالية وقوع الصدام بين الأميرين رغم صلة الدم ورابطة القرابة حيث قال : «فلما قرب أبو بكر بن عمر اللمتوني من أعمال المغرب خرج إليه يوسف بن تاشفين فلقيه على بعد وسلم وهو راكب سلاما مختصرا ولم ينزل له ولا تأدب معه الأدب المعتاد. فنظر أبو بكر إلى كثرة جيوشه، فقال له (يا يوسف ما تصنع بهذه الجيوش)، قال: (أستعين بها على من خالفني)، فارتاب أبو بكر به، ثم نظر إلى ألف بعير قد أقبلت موقرة، فقال: (ما هذه الإبل الموقرة؟)، قال: (أيها الأمير إني قد جئتك بكل ما معي من مال وأثاث وطعام وإدام لتستعين به على بلاد الصحراء)، فازداد أبو بكر تعرفا من حاله وعلم أنه لا يتخلى له عن الأمر، فقال له يا ابن عم: (انزل أوصيك)، فنزلا معا وجلسا، فقال أبو بكر: (إني قد وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه، فاتق الله في المسلمين واعتقني واعتق نفسك من النار ولا تضيع من أمور رعيتك شيئا فإنك مسؤول عنه. والله يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك وهو خليفتي عليك وعليهم)، ثم ودعه وانصرف إلى الصحراء فأقام بها مواظبا على الجهاد في كفار السودان، إلى أن استشهد« الناصري : «الاستقصا 2/ 20-22»
ويؤكد هذا السياق ما قاله ابن خلدون عن علاقة أبي بكر بن عمر اللمتوني بابن عمه يوسف بن تاشفين حيث قال : «حتى إذا ارتحل (يقصد أبا بكر) إلى الصحراء سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة واستعمل ابن عمه يوسف بن تاشفين على المغرب، نزل له عن زوجه زينب هذه فكان لها رياسة أمره وسلطانه، وقد أشارت عليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء في إظهار الاستبداد حتى تجافى عن منازعته، وخلص ليوسف بن تاشفين ملكه». (العبر 6/ 245)

حكمتها ورجاحة عقلها

ونستخلص مما سبق أن هذه المرأة قد قادت زوجها بحسن تدبيرها ورجاحة عقلها إلى الاستبداد بملك المغرب وذلك من خلال إشارتها عليه في أمر أبي بكر بن عمر اللمتوني ، وكيفية ملاقاته عام 464ﮬـ ، وخاصة أن يوسف بن تاشفين قد صعب عليه مفارقة الملك ، لذا سارع بمشاورة زوجته وعمل على الأخذ برأيها حتي يستبد بالأمر فدانت له بلاد المغرب بأكملها من بجاية (الحدود الجزائرية) شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ، ومن السنغال جنوبا حتى الأندلس شمالا ، بذلك استطاع تكوين أكبر إمبراطورية مغربية في التاريخ شهدها الشمال الافريقي .
وقد أثنى معظم المؤرخين على دور زينب السياسي والحضاري آنذاك فوصفت المصادر زواجها من أمير المرابطين ابن تاشفين بأنها ” وكانت عنوان سعده، والقائمة بمُكله، والمدَبِّرة لأمره، والفاتِحة عليه بحُسن سياسَتها لأكثر بلاد المغرب” على حد تعبير الناصري في كتابه (الاستقصا 2/ 23). وفي هذا الصدد قال المؤرخ ابن الأثير (المتوفي عام 630هـ) أنها ” كانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين” (الكامل في التاريخ 8/ 531) .

وأما زوجها أمير المسلمين فقد أسهبت المصادر العربية والأجنبية في الثناء عليه والاعتراف بفضله وعدله ، وخير ما يستدل به ما جاء على لسان مؤلف أندلسي مجهول من القرن الثامن عشر الميلادي ، حيث وصف أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائلا : «كان رجلا فاضلا، خيرا، فطنا، حاذقا، زاهدا، يأكل من عمل يده، عزيز النفس، ينيب إلى الخير والصلاح، كثير الخوف من الله عز وجل، وكان أكبر عقابه الاعتقال الطويل، وكان يفضل الفقهاء، ويعظم العلماء، ويصرف الأمور إليهم، ويأخذ فيها برأيهم، ويقضي على نفسه بفتياهم« (الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ، ص81-82) .
ومن المؤرخين الذين أثنوا عليه أيضا ابن خلكان بقوله ” وكان يوسف هذا رجلا شجاعا عادلا مقداما ” (وفيات الأعيان 7/ 113) ، وقد أفاض ابن أبي زرع في وصف محاسن أمير المسلمين حيث قال «وكان رحمه الله (يقصد ابن تاشفين) بطلا نجدا شجاعا حازما مهابا ضابطا لملكه، متفقدا الموالي من رعيته، حافظا لبلاده وثغوره، مواظبا على الجهاد، مؤيدا منصورا، جوادا كريما سخيا.. خـطب به بالأندلس والمغرب على ألف منبر وتسعمائة منبر. وكان ملكه من مدينة أفراغة أول بلاد الإفرنج قاصية شرق بلاد الأندلس إلى آخر عمل شنترين والاشبونة على البحر المحيط من بلاد غرب الأندلس.. وملك بالمغرب من بلاد العدوة من جزائر بني مزغنة (الجزائر العاصمة) إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى، إلى جبل الذهب من بلاد السودان. «روض القرطاس ، ص134».
ومما يستطاب به ما نقله الناصري عن ابن الاثير في وصف أمير المسلمين بقولهم ” كان يوسف حسن السيرة خيرًا عادلاً يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم ويحكمهم في بلاده ويصدر عن رأيهم وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام ” (الاستقصا 2 /23)

اشارتها بتأسيس مراكش العاصمة

وأجمعت الرويات التاريخية أن زينب النفزاوية كان لها دورًا كبيرًا وراء تحفيز بناء عاصمة دولة المرابطين الجديدة وهي (مدينة مراكش) سواء عند وضع أسسها الأولى في عام (461هـ/1096م) أو عند استكمالها بدء من عام (463هـ/1071م) على يد زوجها الجديد أمير السلمين يوسف بن تاشفين. وهي التي تمتعت بالطموح العارم..حتى كان يوسف يذكر دوما فضل زينب أمام الملأ من الناس ويثني عليها ثناء حسنا، فكان إذا اجتمع بأبناء عمومته يقول “إنما فتح الله البلاد برأيها” على حد تعبير الناصري.

ويسوق لنا كل من ابن الأثير والناصري قصة طريفة في فحواها يستدل من خلالها عن رجاحة عقل زينب وهى أن مفادها ” أن ثلاثة نفر اجتمعوا فتمنى أحدهم ألف دينار يتّجِر بها، وتمنى الثاني عملا يعمل فيه لأمير المسلمين ابن تاشفين ، وتمنى الثالث زينب فبلغت مقالتهم أسماع أمير المسلمين، فأحضرهم بين يديه وحقق أمنياتهم ثم بعث بالثالث إلى زينب فحبسته ثلاثة أيام بخيمة لا يذوق إلا طعاما واحدا ثم سألته عن مأكله فقال هو طعام واحد فقالت فكذلك النساء ثم أمرت له بكسوة ومال وصرفته. (الكامل فى التاريخ 8/ 531 ، الاستقصا 2/23) .
اختلاف المؤرخين حول تحديد تاريخ وفاتها

اختلفت المصادر في تحديد سنة وفاتها حيث ذكر ابن أبي زرع أنها توفت عام (464هـ/1071م) ، في حين يتعارض ذلك مع ما أورده ابن عذارى حيث قال أنه في سنة (469هـ/1076م) انجبت زينب هذه للأمير يوسف ولده الفضل ، ولم يذكر تاريخ وفاتها . بينما أورد ابن الاثير بعض أخبارها في حوادث عام (500هـ/1006م) في حين يرجح أحد الباحثين المحدثين أنها توفيت ما بين (472-1079م : 474-1081م) . (مليكة حميدي : المرأة المغربية ، ص58)
وقد تركت دورا حافلا مليئا بالمواقف المضيئة المشرقة ، وقد خلفت بعد وفاتها تميما والفضل والمعز بالله؛ حيث كان تميم هذا من القادة العسكريين البارعين الذى ساعد أخاه (عليا) على اعتلاء ملك أبيهما ، وقد اختاره يوسف لولاية عهده وهو من أبناء زوجته “قمر” ، مما يُفنِّد الإدعاء القائل بأنها استبدت بأمور الحكم فلو كانت كذلك لجعلت ولاية العهد في أبنائها . ويبين هذا الموقف مدى كره المرابطين لإراقة الدماء وعدم تكالبهم على الملك ، كما يبرز حسن تربية المرأة العاقلة لأبنائها وتعليمهم تعاليم الدين الإسلامي الصحيح .
المصادر والمراجع

– ابن الأثير (ت630هـ/1232م) ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني : الكامل في التاريخ ، تحقيق د.عمر عبد السلام تدمري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1417هـ/ 1997م.
– ابن أبي زرع ، أبو الحسن علي بن عبد الله (ت بعد 726هـ/ 1325م) : الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس ، دار المنصور للطباعة والوراقة ، الرباط ، المغرب 1972م.
– ابن خلدون (ت808هـ/ 1405م) ، عبد الرحمن بن محمد : العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر ، تحقيق خليل شحادة ، دار الفكر ، بيروت ، ط2 ، 1408هـ / 1988م.
– ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م) ، أبو العباس خير الدين : وفيات الأعيان وأنباء الزمان ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، 1994م.
– ابن عذارى (ت بعد 712هـ/1313م) ، أبو العباس أحمد بن محمد المراكشي : البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب ، تحقيقي ليفي بروفنسال وآخرون ، دار الثقافة ، بيروت ، ط3 ، 1983م.
– الناصري (ت 1315هـ/ 1890م) ، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد السلاوي : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، تحقيق جعفر الناصري ، محمد الناصري ، دار الكتاب ، الدار البيضاء ، المغرب ، د.ت
– مؤلف مجهول (ق12هـ/ 18م) : الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المراكشية ، تحقيق د.سهيل زكار ، عبد القادر زمامة ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1399هـ/ 1979م.
– الزركلي (ت 1396هـ/ 1976م) ، خير الدين بن محمود بن علي بن فارس : الأعلام ؛ قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط15 ، مايو 2002م .
– حسن على حسن (دكتور) : الحضارة الإسلامية فى المغرب والأندلس ، عصر المرابطين والموحدين ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط1 ، 1980م
– عصمت عبد اللطيف دندش (دكتور) : الأندلس فى نهاية المرابطين ومستهل الموحدين ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1408هـ/ 1988م .

– ــــــــــــــ : أضواء جديدة على المرابطين ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1991م .
– إبراهيم القادري بوتشيش(دكتور) : المغرب والأندلس فى عصر المرابطين (المجتمع ، الذهنيات ، الأولياء) ، دار الطليعة ، بيروت ، ط1 ، 1993م.
– يوسف أشباخ : تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين ، ترجمة محمد عبد الله عنان ، مؤسسة الخانجي ، القاهرة 1985م.
– مليكة حميدي : المرأة المغربية في عهد المرابطين ، رسالة ماجستير ، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ، جامعة الجزائر ، 1423هـ/ 2002م .
– مصطفي القصري (دكتور) : نابهات من الغرب الإسلامي (زينب النفزاوية نموذجًا) ، مقال منشور بمجلة المناهل ، وزارة الشئون الثقافية ، الرباط ، المغرب ـ العدد (44) ، السنة (19) ، محرم 1415هـ ، يونيو 1994م .
– حامد محمد خليفة (دكتور) : يوسف بن تاشفين موحد المغرب وقائد المرابطين ومنقذ الأندلس من الصليبيين ، دار القلم ، دمشق ، ط1 ، 1423هـ/ 2003م .
– ــــــــــ : من أخبار المجاهدين انتصارات يوسف بن تاشفين ، مكتبة الصحابة ، الإمارات ، الشارقة ، 1425هـ / 2004م .

رابط الصورة

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/1/1d/Zainab-nefzawiya-620×372.jpg

فيديو زينب النفزاوية المرأة التي أبهرت العالم بجمالها ورئاستها

أضف تعليقك هنا

أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة

أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة

باحث دكتوراه بقسم التاريخ الإسلامي جامعة الفيوم