خواطر من خيال في واقع رخيص..!

أرجو أن يتقبل القارئ العزيز تلك السطور بصدر رحب.. فما أفدح أن تصل بنا الأمور إلى مفترق طرق صعب المفاضلة.. إما الحقيقة، وإما الفناء..!

تُرى من هو الأسهل قياداً.. الفرد أم الجماعة..؟ سؤال أحسبه هو الأهم حين تصل كل السبل بالمرء إلى مرحلة حتمية للإختيار بين الانخراط في جماعة ما وإعتناق مذاهبها طواعية، أو الإبقاء على نفسه كفرد غير تابع لمذهب ما، مع احتفاظه بالعلاقة الأخلاقية مع هذه الجماعة أو تلك.. ولندع الإجابة على هذا التساؤل تتسربل بالأفكار المطروحة بين السطور حتى النهاية، فربما إنتهت بنا لبعض الحقيقة..!

النوابغ:

هكذا يظهر النوابغ.. فالنابغة فرد ظهر بتمايز معين على الجماعة، ولم يكن مجرد آلة أو ترس يدور في فُلك نظام معين أي كان نوعه، والنبوغ غالباً ما يعني التفرد ومخالفة ما جرى عليه العرف بين الناس، حيث يستهين النابغة بالتقاليد المرعية بين الجماهير لأنه لا يرى سبباً للتمسك بها، إما لأنها عقيمة لذاتها، أو لأنها كانت صالحة أو ضرورية في زمن من الأزمان، ثم عادت غير ضرورية في الوقت الحاضر.. في تونس بشئ من التأويل العقلي، توصلوا إلى أغوار فقهية أبعد بكثير مما وصل إليه كهنة التشدد الوهابي في شبه جزيرة النفط “العرب سابقاً”.. هم بالفعل خرقوا النصوص العقيمة التي لم تعد تحتمل مهاترات أو فرضيات، وصارت تحتاج للتطويع الفوري للواقع، والتنظير لمبادئ المساواة والعدل بما يتفق مع متغيرات الحداثة والتطور إحقاقاً للمصلحة العامة.. وفيما يختص بشئون المرأة في الإسلام، هي لم تُبخس حقوقها وتجرد من إمتيازاتها المشروعة إلا على يد مشايخ الوهابية النفطية الذين حولوها من ربة الأسرة وعقدها الجامع، إلى مجرد سلعة إستهلاكية مُثمنة، أو وعاء لإفراغ شهوانيتهم المدعومة بمال وفير ظنوا أنهم يشترون به النفوس والعقول والأبدان..!

جوستاف لوبون 1841 : 1931، طبيب ومؤرخ فرنسي له عديد من الإطلالات الثرية على الحضارة الشرقية، وقد قال في المرأة قبل حلول عصر النفط البغيض: ” ينظر الشرقيون للأوروبيين الذين يُكرهون نسائهم على العمل كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جر عربة.. فعمل المرأة عند الشرقيين هو تربية الأسرة، وأنا – الكلام للوبون – أشاطرهم رأيهم مشاطرة تامة، فالإسلام لا النصرانية هو من رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه خلافاً للإعتقاد الشائع..!

إذاً ماذا حدث..؟ وكيف وصل بنا الحال إلى تقديس العبودية وإهدار الكرامة.. ولماذا تُنصب محاكم التفتيش لمحاولة لا تنقصها الجرأة لإعادة قدر ولو قليل للمرأة من حريتها وحقوقها المكفولة بنصوص قرآنية ثابتة لا لبس في معناها..!

الذكورية الفكرية المريضة:

الأمر ببساطة يتعلق بحالة الذكورية الفكرية المريضة، تلك التي يتنازعها رجال إنتفخت جيوبهم من فرط الوفر في المال النفطي المفاجئ، فظنوا أنهم إمتلكوا الدنيا والدين، وهذا لا علاقة له بمسائل الفضيلة والرذيلة كما إصطلح عليهما جماعات الناس.. فالإعتراف بشئ أو إنكاره بإعتبار نفعه أو ضرره يتباين من جماعة لأخرى، ومن فرد لغيره.. فما كان من فضيلة عند قوم قد يعد رذيلة لدى قوم أخرين، تبعاً لما ينجم عنه من نفع أو ضرر عند كل منهما، وربما كان العمل الواحد في الأمة الواحدة يعتبر فضيلة في هذا الزمن أو ذاك، ورذيلة في زمن أخر..!

وأغلب الظن أن علة الإنحطاط الفكري والسلوكي لدى الشرقيين مرتبطة بموروث بدائي وصل بهم في الأزمنة السحيقة إلى حال من الخصام المصحوب بصراعات وحشية ودامية، وإقتتال وسلب إرادة فقط لإثبات الفحولة وتأكيد السطوة، وهو منطق لا صلة له بما نعايشه الأن من تطور وحداثة وتنوع في المغريات، وتطلع تجاه المناحي السلوكية المتحضرة.. ولعل كهنة الفقه المتشدد أحفاد الوهابية هم من جعلوا لتنازع البقاء أمامنا ميدانين، فأوهمونا أن خسارة صفقة الحياة الدنيا سيقابلها غنائم الأخرة.. وهذا بالطبع منطق سلطوي سالب للإرادة، ومغاير لطبائع البشر التي فطرهم عليها الخالق..! فسرعان ما ترك من خضعوا لهذا المنطق المغلوط الاشتغال بشئون عالمهم وتطويره وتنميته وتحسينه في مقابل إنتظار فتاوى الشفاعة والغفران التي يطلقها أرباب هذا الفكر بمقابل معلوم.. وقد زاد الأمر تفاقماً أن ساهم خصب الطبيعة والثراء النفطي المفاجئ في جعل الضرورات المعيشية تتأتى بسهولة ويسر بفعل وفر المال، مما لا يلجئ إلى التدافع والكد والعمل كما هو الحال في الأصقاع التي يتاتى فيها استثمار الرزق وتوفير أساليب الحياة إلا بوسائط التعاون والجدية والاستنباط.. وهكذا كانت الدعة والرخاء من أكبر العوامل التي صرفتهم عن أولويات الحضارة إلى طلب السعادة في الكماليات والرفاهية الزائفة..!

أعود لجوستاف لوبون حين قال في أحدى نظرياته: ” أن الجماعات أسلس قياداً من الأفراد” فقيادة شاة واحدة من الأغنام عمل شاق يعي به أشداء الرجال، مع أن سوق قطيع كبير منها قد لا يحتاج إلى أكثر من ثلاثة أطفال صغار.. وفي هذا، وحتى لا نكون أسرى لصراع نفسي مع هويتنا المسكينة، علينا أولاً القبول والإعتراف بأن لكل مجتمع خصوصيات تميزه عن سواه، وإن تقدم أفراده مشروط بإشتراكهم جميعاً في الحاجة إلى تلك الخصوصيات، والزود عنها بصرف النظر عن التعدد العقائدي أو المذهبي..

في تلك اللحظة فقط ستذوب الفوارق وستنكسر الحواجز بين الثقافات، وتتسع الأوطان للجميع.. ولندع الحكم حينها للمنافسة في التطور والإبداع لأجل حفظ البشرية، فتعود السيادة للإنسان وتنقضي الصراعات والضغائن وتسود السكينة ويعم السلام..!

فيديو خواطر من خيال في واقع رخيص..!

أضف تعليقك هنا