الجامعات… والحاجه للمزيد!

الجامعه هي المكان الأول في حياه الكثيرين الذي يشعرون فيه ببناء الثقه بأنفسهم، وهي غالباً المكان الذي لا ننسى أجواءه مهما كبرنا. كان أمراً مستفزاً للغايه مشاهده تقرير عن أنشطه جامعه خاصه ليُحجب أسم الجامعه ويحِل محلها جمله “إحدى الجامعات الخاصه” و يتم حجب اسمها عندما يذكره الطلاب أو الأساتذة الذين تم أستضافتهم، لم أفهم لماذا إذاً الخبر من أساسه إذا كان هناك مشكله في ذكر أسم الجامعه. وكيف يشعر طالب تلك الجامعه الذي يجب أن يتعلم الفخر بجامعته وهو يرى شيء كهذا يوحي بعدم الأعتراف بها؟ يتم هذا بحُجه أن ذِكْر أسم الجامعه الخاصه يعتبر “إعلان”! توقفت كثيراً أمام هذا المنطق الغريب، فالجامعات الخاصه كيانات تعليميه مُعترف بها من الدوله و تعترف الدوله والنقابات بما تمنحه من شهادات، والأهم من هذا أنها تقع تحت مظله المجلس الأعلى للجامعات وما يفرضه من قيود.
خطوره هذا المنطق الغريب هي في أعتبار أن التعليم الجامعي سلعه لا يجب التحدث عنها إلا إذا كان إعلان مدفوع الثمن، مثلها مثل سلاسل السوبر ماركت و ماركات السيارات، والتي لا يتم ذِكرها أيضاً تحت مبرر عدم الإعلان، ولو أن هذا المنطق تغير في العالم من حولنا.

دور الجامعات الخاصه:

يأخذنا هذا إلى موضوع التعليم الجامعي بشكل عام ودور الجامعات الخاصه فيه. فغير الجامعه الأمريكيه لم تعرف مصر الجامعات الخاصه إلا متأخراً، ربما في تسعينيات القرن الماضي، ولم يتم قبول هذا الأمر بترحاب، حيث تحدث الكثيرون أن هذا النوع من الجامعات سيكون لأبناء الطبقه الثريه، التي أرتبطت في ذهن الكثيرين بالتكاسل والفشل. كما أبدى البعض تخوفهم من أن تُخرِج تلك الجامعات متخصصين دون المستوى في مجالات مثل الطب والصيدله مثلاً، وهي مجالات تطبيقية ترتبط مباشره بصحه الناس. ربما كانت تلك مخاوف مشروعه من فكره جديده، لكن لم يعتبر البعض حينها أن هذا ضرورياً بسبب الزياده الكبيره في عدد السكان و بالتالي عدد الطلاب الجامعيين، وعدم مقدره الدوله على رصد ميزانيه لإنشاء جامعات جديده، كما أن الجامعات الخاصه من المفترض أن تكون فيها الأعداد أقل وبالتالي توفر طريقه فعّاله للتواصل مع الطلاب ومنحهم تعليم أفضل، كذلك ربما لم يعلم المجتمع حينها أن بعض أكبر وأهم الجامعات في العالم هي جامعات خاصه. فهارڤارد ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوچيا و ستانفورد، و غيرهم يأتون في الدرجه الأولى على مستوى العالم في التعليم والبحث العلمي على السواء، وبلغوا من الشهره ما يجعل البعض لا يميز ان كانت حكوميه أو خاصه. ربما لا يريد البعض أخذ الولايات المتحده كمثال لأختلاف نظامها الأقتصادي والذي يساعد، بل يشجع على الأستثمار الخاص، حتى ولو في التعليم. فبعيداً عن الولايات المتحده، توجد جامعات خاصه في كل أنحاء العالم و تتزايد أعدادها بشكل كبير. فزياده عدد الجامعات، سواء حكوميه أو خاصه، من أهم ما يكون لزياده جوده التعليم الجامعي والبحث العلمي، كما أنه من الضروري جداً أن يتناسب مع الزياده الكبيره في عدد السكان.
فهل لدينا عدد كافٍ من الجامعات؟ الإجابه بكل تأكيد لا، فعدد الجامعات المصريه لعدد الطلاب الجامعيين أقل بكثر جداً من أغلب الدول الأخرى. في ألمانيا مثلاً حيث عدد السكان حوال 82 مليون، يوجد حوالي 380 جامعه، تشمل جامعات حكوميه وخاصه ومعاهد عليا، وإذا تحدثنا عن بلدان كانت تنافس مصر سياسياً وأقتصادياً مثل تركيا و إيران، سنجد أن عدد الجامعات في تركيا الذي لا يزيد عدد سكانها عن 80 مليون، 174، منها 65 جامعه خاصه، أما في إيران وفيها نفس عدد سكان تركيا، فعدد الجامعات 92 جامعه حكوميه، و أحد الجامعات الكبيره لها أكثر من 500 فرع، بالاضافه إلى أكثر من ٢٠٠ جامعه خاصه. هذه فقط  بعض الأمثلة. أما في مصر، الذي تجاوز عدد سكانها 95 مليون في عام 2016، فعدد الجامعات حوالي 67 جامعه فقط، منها 29 حكوميه بما فيها الفنيه العسكرية، و حوالي 38 جامعه خاصه بما تشمله من معاهد عليا، يتركز تقريباً تسعين في المائه منها في القاهره، أي أن أكثر من % 75 من محافظات مصر لا يوجد فيها عدد كافٍ من الجامعات!

عدد جامعات قليل:

فلماذا لدينا عدد جامعات قليل، وبالتالي جوده أقل في التعليم الجامعي بشكل عام؟ هل بسبب التكلفة الكبيره؟ وإذا كانت الدوله غير قادره على إيجاد موارد لإنشاء جامعات جديده،  فلماذا لا تشجع إنشاء جامعات خاصه، مع تأكد خضوعها لأسس وقواعد تضمن جوده ما يتعلمه الطالب؟ لقد أثبتت بعض الجامعات الخاصه نجاحاً في مستوى التعليم ومستوى خريجيها، كما أن قبولها في المجتمع المصري كمؤسسات تعليميه ناجحه يتزايد ولم يعد الألتحاق بها مقتصر على الطبقه الثريه.
 تشجيع إنشاء جامعات جديده لتستوعب الزياده الرهيبة في عدد الطلاب أمر حتمي، أما الأكثر حتميه فهو تنظيم قوانين جديده للجامعات تضمن تعليم متقدم و فعال ويتماشى مع التغييرات الكبيره في طرق التدريس و في وضع برامج دراسيه جديده، وهذا هو التوازن الذي يمكن أن تقدمه الجامعات الخاصه، عن طريق تقديمها لبرامج دراسيه جديده تختلف عما تقدمه الجامعات الحكومية، و هكذا تُشجِع طلاباً مختلفين على الألتحاق بها، ولا تكون الجامعات نسخ مكرره من زميلاتها الحكومية، وهذا هو ما يجب أن تسعى الجامعات الخاصه إليه. فقد تطورت العلوم وطرق تدريسها بسرعه كبيره في العشرين سنه الماضيه. بينما، مثله مثل كل شيء في مصر، غرق التعليم الجامعي في بحار البيروقراطيه والطرق شديده التقليديه، بل الرجعيه، و التي لا تقبل أي تحديث. كما أن المجلس الأعلى للجامعات يفرض على الجامعات عموماً، حكوميه أو خاصه، قيوداً عفا عليها الزمن في العمليه التعليمية، ولا يعطيها الفرصه لتصبح مبتكِره. أستقلال الجامعات عموماً وتطويرها لبرامجها الدراسيه وأنشطتها المختلفة ولوائحها، التي تُكمِل بعضها بعضاً و تُأصِل للتنافس الشريف بينها، ليس رفاهيه بل مطلب ضروري لتطويرالتعليم الجامعي، والتأكد من مطابقه تلك البرامج للمواصفات العالميه والمقبولة ليس صعباً. المطلوب هو تشكيل لجان شابه تتسم بالمرونة والأطلاع على ما هو جديد في العلوم الحديثة وطرق تدريسها لتختبر تلك البرامج و توصي بقبولها من عدمه.
عندما يحدث هذا ستصبح الجامعه، فقط جامعه تقدم تعليم متميز، بصرف النظر ان كانت حكوميه أو خاصه، وحينها لن يكون ذِكْر أسمها في أي خبر نوع من الإعلان!
فيديو الجامعات… والحاجه للمزيد!

أضف تعليقك هنا

أمل قصري

أمل قصري