في آب الحزين

أَحْمِلُ عِبْءَ قَلْبِكَ / إِلى محمود درويش

09.08.2017

في ذكرى رحيلهِ التَّاسعة أَعترفُ الأَنَ بأَناقةِ أَميرٍ تليقُ بهِ بأَنَّ محمود درويش ما يزالُ الوهجَ الإِشراقيَ الأَصفَى والأَنقَى والأَجملَ والأَقربَ إِلى روحي منذُ الأَزلِ وإِلى الأَبد، حملني وما يزالُ يحملني نحو حدائقَ غنَّاءَ وفراديسَ حزينةً يسكُنُها، ما أَزالُ مفتوناً بهِ وبها إِلى يومنا هذا.

منذُ أَربعينَ عاماً وأَكثر، وأَنا أَتقلَّبُ عَلى فِراشِ الإِدمانِ الجَّماليِّ، فِراشٍ رقيقٍ كأَنَّهُ جَناحُ فَراشةٍ. دائِماً، فيْ حقيبتي، عَلى طاولتي، أَمامي ثمَّةَ كتابٌ أَو أَكثر لمحمود درويش؛ دَهِشَاً أَغسلُ وجهي بماءِ صورَتهِ، أَشربُ قهوتي مع قصيدةٍ وأُلامسُ أُخرى. أُنقِّح ليلي بكرمِ نداهُ فيْ بركانِ وجعٍ وافتتان. هكذا يصبحُ الحُزْنُ أَكثرَ أُنوثَةٍ والقلقُ شَطْحَةَ الْكَوْنِ الحَشُوْد.

مَدينٌ أَنا، لِوَعْيي الأَوَّلِ الَّذي أَبقاني دائِماً عَلى حَوافِ البُكاءِ، للمطرِ النَّاريِّ كلَّما قرأْتُ أَو سمعتُ “محمود درويش”؛ كانَ الحزنُ يجتاحُني فَجأَةً عَلى تدفُّقِ سحرِهِ ما بينَ عذابِ الشِّعرِ وموتي الشَّرُود ؛ هكذا تفتَّحتْ ذائِقتي الْجماليَّة عَلى عَجَلٍ وبقيتُ أَسيرَها حتَّى يومِنا هذا.

هُوَ خِفَّةُ الأَبديِّ فِي اليَوميِّ

أَشواقٌ إِلى أَعلى

وإِشراقٌ جميل.

 

فيْ آبِ الحَزينِ، وعَلى هيئَةِ البَدْرِ الوسيمِ، رأَيتُ الحُبَّ يرحلُ فِي الغِياب، كرذاذِ خريفٍ فوقَ صفيحِ الشَّوقِ، ليُوقدَ نارَ الإِيقاع، ككلِّ الفَراشِ وكلِّ الشُّموعِ، إِلى عَبَثٍ لا يُصاب.

فيْ آبِ الحَزينِ، وعَلى هَيْئَةِ البَحْرِ المَدِيْدِ، شطرتُ القلبَ نصفينِ وأَعلنتُ الخَراب، محموماً تحتَ وِشاحِ الدَّمعِ، مقتولاً فوقَ صهيلِ العشقِ، موحِشَةً بعدَكَ حتَّى الموتِ، عرائِشُ هذا الضَّباب.

فيْ آبِ الحَزينِ، وعَلى هَيْئَةِ النَّهْرِ الطَّويلِ، أُفكِّرُ فِي الهزيعِ الأَخيرِ الأَخيرِ، أُقشِّرُ العتمةَ باغتراب، وأَنصُبُها جِسْرَاً فيْ مهبِّ السَّفر، أَفاويقَ وجدٍ فِي اللَّيلِ لا أُحدِّقُ فِي الإِياب.

فيْ آبِ الحَزينِ، وعلى هَيْئَةِ الطَّيْرِ السَّبيحِ، رأَيتُ الرُّوحَ تَعلو عَلى شَهقةٍ كيْ تَراني، فتُنزِلُ فِيَّ المسافاتِ توقاً فوقَ جليلِ الهِضاب، لأَشهدَ طقسَ الرُّجوعِ إليكَ، رغمَ الخِفايَةِ والخِبايَةِ والعَذاب.

فيْ آبِ الحَزينِ، وعَلى هَيْئَةِ الزَّهْرِ الأَنيقِ، سأَلتُ الغريبَ الَّذي كانَ يمكنُ أَنْ أَكون، فاغرورقتْ عيناهُ بالسَّحاب: كَمْ مِنْ وردةٍ ذَبُلَتْ وكَمْ مِنْ همسةٍ ضاعتْ وكَمْ مِنْ كتابٍ ترجَّلَ باحةَ هذا اليَباب؟

فيْ آبِ الحَزينِ، تتخفَّى مجامرُ الإِشراقِ كالوشمِ الخَفيف، تتجمهرُ الأَشواقُ مِلْءَ جَوانحي، تتقرَّى خُسراني الشَّفيف، كالنَّورسِ البحريِّ، لا يَحِنُّ إِلى العِتاب؛ فهلْ تتغطَّى المدامعُ يوماً بشالِ التُّراب؟

فيْ آبِ الحَزينِ، لي أَنا عَوْدُ الحبيبِ عَلى انكسارِ الحُلْمِ، لولا أَنْ حَلَّ النَّقيضُ عَلى النَّقيضِ عَلى الصَّواب، مذْ غابَ النبيُّ، وضاعَ الصَّوتُ، وشاعَ الخِطاب.

كانتظارِ الوَحْيِ ساعةَ لا يَجيء، دَهمتني قارئَةُ الكَفِّ مِنْ جَوْفِ   اللَّيلِ الأَزليِّ، كانتْ عاصفةٌ تصعَدُ مِنْ قلبِ المأْساةِ، أَجهشُ حتَّى التَّلاشي؛ فيْ حُرْقَةِ أَحلامي نارٌ لا تَخبو، وأُوارٌ يَسْرِبُ كالسَّراب؛ ها هوَ ذا قمرُ المنفيِّ المتوهِّجِ فيْ قاعِ اللَّيلِ الأَبديِّ، نورٌ يشتعلُ الآن، قَدْ كانَ هَيَّأَ للرَّحيلِ غيابَهُ فيْ هذا الجَسَدِ الموعودِ.. وغاب.

فيديو في آب الحزين

أضف تعليقك هنا

معين شلبية

الشاعر معين شلبية
-
ولد في قرية المغار الجليلية التي تطل على بحيرة طبرية عام 1958.
أنهى دراسته الجامعية في جامعة حيفا.
شارك في أمسيات ومهرجانات ثقافية، شعرية، عربية وعالمية عديدة أهمها:
معرض القاهرة للكتاب – مصر.
مهرجان جرش- الأردن.
ملتقى فلسطين الشعري – رام الله / فلسطين.
مهرجان تيرانوفا- روما / إيطاليا.
المهرجان العالمي أيام وليال من الأدب - بوخارست / رومانيا.
مهرجان الشعر / مؤسسة محمود درويش للإبداع.
مهرجان الشعر العالمي- إسطنبول / تركيا.
مهرجان القدس عاصمة الثقافة العربية.
مهرجان الدوحة الثقافي - قطر.
مهرجان أمسيات ستروغا الشعرية - مقدونيا.
مهرجان أيام شعرية في سراييفو / البوسنة.
مهرجان الشعر والنبيذ / كوسوفو
مهرجان الشعر "أنتاريس" جالاتس – رومانيا
المؤتمر الثقافي لاتحاد الكتاب العرب – دولة الإمارات المتحدة 2017
-
ترجمت قصائده إلى عدة لغات منها: البوسنية، المقدونية، العبرية، الفرنسية، الإنجليزية، التركية، الإيطالية، الإسبانية والبولندية.
-
عضو في اتحاد الكتاب العرب، حركة شعراء العالم، مؤسسة الأسوار ومؤسسة محمود درويش للإبداع.
المدير التنفيذي لموقع مؤسسة محمود درويش للإبداع - الجليل.
نال تكريماً من وزارة الثقافة الفلسطينية (تقديراً لجهوده المباركة في إثراء الثقافة الوطنية ووفاءه لقضية شعبه ولمبادئ العدل والحرية - المصدر)، وحاز على شهادات تقدير عديدة.
نال تكريماً من ملتقى المثقفين المقدسي وحصل على "درع الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود".
تناولت نتاجه الأدبي عدة دراسات نقدية.
عمل بكد وجهد على تحقيق التطلعات لشعبنا من خلال المواقع العديدة؛ ويعتبر حياته ليست سوى وميض في خوالد المكان والزمان، ولكنها دائمة الصراخ، دائمة السفر، دائمة التخيّل.
-
الأعمال الشعرية:
الموجة عودة 1989    دار الأسوار للثقافة الفلسطينية -  عكا
بين فراشتين 1999    المؤسسة العربية الحديثة -   القدس
ذاكرة الحواس 2001    المؤسسة العربية الحديثة -   القدس
طقوس التَّوحد 2004    دار الأسوار للثقافة الفلسطينية -  عكا
هجرة الأشواق العارية 2008    دار الأسوار للثقافة الفلسطينية -  عكا
قصائد عالقة 2014   الثقافية للنشر والتوزيع – تونس
-
الأعمال النثرية:
تأملات          1992   النهضة للنشر والتوزيع - حيفا
مساء ضيّق    1995   أبو رحمون للنشر -  عكا
شطحات        1998  منشورات البطوف  - حيفا