قراءة في كتاب الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية – القاجارية

قراءة في كتاب
الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية – القاجارية
—————————————————
المانشيتات
———————————-
السلطان يحتاج الي فقهاء كي ” تتقوى العصبية بالدعوة ” ابن خلدون ”
——————————-
ثنائية العلاقة بين الأمير المجاهد والشيخ المبايع تشير بوضوح إلى دور وظيفي بين السياسة والدين
—————————————
منذ الفترة التأسيسية الأولى للدولة العثمانية ارتبطت صورة السلطان العثماني بصورة العالم الديني الذي يبايع ويقدم النصيحة والمشورة والفتوى
—————————————
من أبي الحسن الماوردى إلى رشيد رضا يرتسم خط متواصل في الفقه الاسلامي السني المؤثر في شؤون الخلافة والسلطان
—————————————
بيانات الكتاب
الكتاب : جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية – القاجارية.
المؤلف : وجيه كوثراني
الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
الطبعة : الرابعة 2015
عدد صفحات الكتاب : 254 صفحةً من القطع الكبير
عرض وتقديم : محمود المنير
—————————————–

نبذة عن المؤلف :

وجيه كوثراني ، حائز على الدكتواره في التاريخ في جامعة السوبورن وأستاذ سابق في الجامعة اللبنانية قسم التاريخ في الفترة من 1975- 2005، يشغل حاليا منصب المدير العلمي للاصدرات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، من مؤلفاته ، السلطة والمجتمع والعمل السياسي (1986) ، الدولة والخلافة في الخطاب العربي : أزمة الانتقال من الاجتماع السلطاني إلى الاجتماع الوطني (1995) بين فقه الاصلاح الشيعي وولاية الفقيه (2007). إشكالية الدولة والطائفة والمنهج (2014).
طبعات الكتاب
صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الرابعة من كتاب الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية – القاجارية، للمؤلف وجيه كوثراني، 2015 وكانت الطبعة الأولى من هذا الكتاب قد صدرت عن دار الراشد في بيروت عام 1989.

هذا الكتاب :

يدرس هذا الكتاب أنماطاً عدّة من العلاقة التي قامت بين الفقيه (ممثّل الدين) والسلطان (ممثّل السياسة) في تجربتين مديدتين هما من أكثر تجارب التاريخ الإسلامي طولاً ودلالات: تجربة الدولة العثمانية وتجربة الدولة الصفوية-القاجارية في إيران. وتبيّن الدراسة أن تطوّر أشكال التأسيس الوظيفي لهذه العلاقة حصل باتجاهات مختلفة: تجنّب السلطان، أو نصيحة السلطان، أو الالتحاق به، أو الخروج عليه…
لكن وعي حالة الاستبداد السلطاني بفعل المقارنة بين الوضعيات المختلفة في التاريخ العالمي، الاوروبي والإسلامي، في غضون القرن التاسع عشر، أدّت إلى حالة من الوعي الفقهي بأهمية الدساتير والبرلمانات في تقييد السلطان. ومن هنا برز في أوساط الفقهاء من جعل همّه تحويل الدولة السلطانية من حكم فردي قائم على علاقات رعيّة إلى حكم دستوري مقيَّد يقوم على التمثيل والمواطنة.
ويحاول هذا الكتاب أن يؤرّخ لأنماط العلاقة بين الفقيه والسلطان.. وصولاً إلى بدايات التأسيس لشرعنة الحكم الدستوري بناءً على اجتهاد بعض الفقهاء الإصلاحيين.

المحتوى والأطروحة

هذا الكتاب مُكوَّن من 254 صفحةً من القطع الكبير، وهو يضم أربعة فصول رئيسة تسبقها مقدمات الطبعات السابقة، فضلًا عن مقدمة طبعته الحالية، وعلى مجموعة من الملاحق وفهرس عامٍّ. وقد اختار المؤلف هاتين الدولتين تحديدًا لعدة أسباب من بينها أنّهما كانتا آخر الدول الإسلامية الكبرى التي أعلنت انتسابها إلى الشريعة الإسلامية، وأنّ ما نجم عن هذا الإعلان من نتائج كان له تأثير في الصورة التاريخية الموروثة في حاضر المسلمين عن ماضي دولتهم، كما أنّ هاتين الدولتين شهدتَا صراعًا حادًّا بينهما من أجل السيطرة والتوسع في مناطق العالم الإسلامي، وقد اعتمدت كلتاهما في تبرير صراعها تجاه الأخرى وسائل أيدولوجيةً مخلتفةً في صدارتها التعبئة الدينية، إضافةً إلى أنّ نهاية كلّ من هاتين الدولتين كانت في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتزامنت مع بداية تبلور المشروعات القومية وقيام مشروعات الدول الإقليمية المحدثة في العالمين العربي والإسلامي.
ومن خلال هذه المستويات كلِّها، تبرز أهمية الموضوع التاريخي الذي يطرحه الكتاب، وأهمية الاستعادة التاريخية للعلاقة بين السياسة والدين، وبين الدولة والدعوة، وبين السلطان والفقيه. فمساحة هذه العلاقة تُغطِّي أوجه التقارب أو التعارض بين الطرفين، وأوجه الاستخدام الوظيفي للدين بما هو حالة فقهية يُقدِّمها فقيه السلطان، أو حالة معاداة الدين للسلطات بما هو ثورة سياسية في وجه السلطان، أو حالة انكفاء عن السلطان أو اعتزال ونبذ له.

احترزات معرفية

وعلى الرغم من أنّ هذه العلاقة قد دُرست وعُبِّر عنها في كتب التاريخ والسياسة والاجتماع، فإنّ حقل هذا النوع من الدراسات مازال يحمل كثيرًا من التعقيدات الفكرية والفقهية والسياسية. حيث يضعنا المؤرخ أمام عدد من الاحترازات المعرفية، ويدعونا إلى قراءة مؤلفه على ضوء تلك الاحترازات، ومن أبرزها ذاك الذي أعلن فيه مطمحه من وراء الكتابة في هذا الموضوع، حيث يقول: “إنّ حقل هذه العلاقة ما يزال يحمل الكثير من التعقيدات الفكرية والفقهية والسياسية. وهذه الدراسة لا تندرج تماماً في نطاق المعالجة النظرية أو الفقهية لهذا الحقل الشائك في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل جلّ ما تتوخاه أن تنقب في هذا الحقل عساها تكشف تاريخية الأفكار والمفاهيم، بصيغة تسمح بإدراجها في وعي تاريخي نقدي”
وذلك أنَّها تستند إلى منهج تاريخي حكَم التجربتين العثمانية والصفوية – القاجارية وتُقدِّم معطيات مفيدةً بشأن فهْم مسائل الاختلاف والتنوع والتعدد والصراع بين المسلمين، من خلال منظورٍ يتوخى فهمًا سليمًا لتاريخية هذا الاختلاف، ومنظورٍ مستقبلي مقاربٍ للحقيقة، متطلِّع إلى أُفقٍ توحيديٍّ في الهدف والغاية.

السياسي والديني

شغل موضوع أنماط السلطة وتحولاتها في العالم العربي الإسلامي حيزاً هامّاً من أبحاث المؤرخ اللبناني وجيه كوثراني، من خلال البحث في أسلوب بناء السلطة وآليات عملها وجذورها الاجتماعية والعصبيات المساندة لها، وعلاقة كلّ ذلك بالدين الإسلامي، معتمداً منهجية تاريخية تنفتح على مرجعيات تاريخية معاصرة، مستعيناً بدرس ابن خلدون في التاريخ مستوعباً خلاصاته حول علاقات العصبية وأدوارها في قيام وتطور وأفول الدول. كل هذا مضيفاً إليه التعامل الفقهي مع إمارة التغلب، وتفكيك مفهوم العلاقة بين الشريعة والسلطة، وبين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية، أفضى به إلى التركيز على التحولات الفعلية للدولة والسياسة في علاقتهما بالإسلام، وليس على التأويلات والدعاوى الإيديولوجية.

نص أردشير لا تعاليم الإسلام

يذهب كوثراني إلى أن الأدبيات السلطانية التي سادت في التاريخ الإسلامي وتطورت على يد علماء سنة وشيعة منذ القرن الثالث الهجري اعتمدت بشكل أساس على النصوص السياسية لأردشير، لا على النصوص الشرعية للإسلام، مما ظهر جليا في ” توليد خطاب ديني ـ سياسي أو سياسي ـ ديني، له وظيفة في تمكين أهل الحكم باسم الدين وبالتماثل والتماهي مع صفات الإله ـ الملك”.
ولعل استشهادات الماوردي وغيره من كتاب الأحكام السلطانية بأردشير أكثر من استشهادهم بآي القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال وأفعال الصحابة الكرام، لعل كل ذلك أثر على الفقه السياسي الإسلامي واستل منه روح الإسلام المطالبة بالعدل والحرية والمبينة لوظائف السلطان في كونه أجيرا عند الأمة لتحقيق مصالحها.
فأصبح الفقه السلطاني يركز على حقوق الحاكم على رعيته دون الاستفاضة في واجباته ومسؤولياته، والتركيز على واجبات الرعية تجاه الحاكم دون الاستفاضة في حقوقها عليه.

فقه الاستبداد

سلّط وجيه كوثراني بحثه المعمق على منطقة رمادية في التاريخ العربي الإسلامي بقيت دائماً بحاجة إلى مزيد من الإيضاح، وهي حدود مدار الفقيه ومدار السلطان وأوجه العلاقات بينهما. فوجد أنّ تنظيم العلاقة بين الفقيه (بالمعنى الواسع للكلمة) والسلطان، شكل الإطار الذي يمكن أن يحتوي ما يُعدّ تكاملاً وظائفياً بين الطرفين، ومن دون أن يعني ذلك فصلاً ما بين السياسة والدين، ومن دون أن يعني ذلك دمجاً لهما. وهذا الإطار كان لا بدّ من أن يتأسس في أقنية وأجهزة ومؤسسات ووسائط سلطة تقوم بين المجتمع وأهل الدولة. وأهم هذه الوسائط؛ المؤسسات التي عني بها السلاطين العثمانيون عناية فاقت في بعض وجوهها عناية السلاجقة: القضاء، والتعليم، وزوايا الصوفية، ومجال جديد مستحدث هو: مجال الإفتاء ومشيخة الإسلام.
وكشف كوثراني عن هذا التقاطع بين المدارين (الديني والسياسي) قائلاً: “مهما يكن من أمر التسمية، فإنّ من المؤكد أنّ عملية الانتقال بوظيفة الإفتاء من دور ذي طابع إسلامي اجتهادي ومستقل ومنفتح إلى دور ذي طابع إداري ومؤسسي منضبط داخل قوانين الدولة ومراكز القوى فيها، قد تمّت في عهد السلطان سليمان القانوني وترسخت هذه الوجهة الأخيرة في الأدوار اللاحقة.

الدين فى حماية الاستبداد

يشير المؤلف إلى أنه تم توظيف الدين لحماية الاستبداد السلطاني في الدولة العثمانية ويؤكد على ذلك بقوله : “إنّ منطق قيام الدولة العثمانية على الغلبة والقهر لم يكن يسمح للفصل بين الدين والسياسة بمقدار ما كان يستوجب توظيف الدين في خدمة نظام الغلبة هذا. لذلك كان على الدولة العثمانية إيجاد قوانين وأجهزة ومؤسسات تتيح لها استيعاب العلماء والفقهاء في هذه المؤسسات بما يؤمّن حسن الرقابة والسيطرة على الفكر. وهو أمر نجحت فيه الدولة العثمانية بأن جعلت المؤسسة الدينية تقوم بحماية الاستبداد السلطاني، وصولاً إلى تأسيس قطاع من الاستبداد الديني في الدولة والمجتمع، وهو قطاع وصل إلى حد استخدام الدين في السياسة المدنية وفي التحكم بلعبة البلاط، وفي لجم حركة الفكر والرأي والاجتهاد في المجتمع”.
الأمر نفسه يجده عند مقابلتها، أي الدولة الصفوية، التي يقول عنها: “لا تختلف الدولة الصفوية القائمة على المذهب الشيعي كثيراً عن خصوصيات الدولة السنيّة لجهة العلاقة بالمؤسسة الدينية، فشاهات الأسرة الصفوية كانوا يهدفون قبل كل شيء إلى إقامة دولة مركزية قادرة على توحيد الداخل ومقاومة ضغوط الخارج. ومن أجل ذلك كان لا بدّ من نظام ملكي مطلق ومسيّج بمؤسسة دينية تعمل في خدمته. لذا عمل الصفويون على تسريع عملية التشيع في إيران، ساعدتهم في نجاحها سلسلة ممارسات ومظاهر قامت على الترهيب والترغيب، واستخدمت شعائر ورمزيات لبعض المقامات المقدسة… وسارت الأسرة القاجارية على مثال سابقتها الصفوية من حيث احتواء العلماء والفقهاء في إطار مؤسسات، وتقديم كل وسائل الترغيب لهم”.

الدولة ومجافة الشريعة

ويشير كوثراني فى خاتمه كتابه إلى الدولة قامت بعد تجربتي الدستور في إيران والدولة العثمانية ، على أساس نظام اقليمي – دولى استقرت عليه نتائج الحرب العالمية الأولى ، وكان أن قطع بعض هذه الدول مع الاسلام من خلال تدابير علمانية حادة ، وأعلن بعضها الآخر التزاماً شكليا بعناوين الشريعة ، وحاول البعض أيضا التوفيق بين الجانين ، وفي جميع هذه الأحوال ، أهملت المسألة الديمقراطية في بناء مؤسسات الدولة الحديثة واستعيض عنها بأساليب الضبط والقمع ، وتراجع التعبير عن حرية الأمة وحق مشاركتها.

فيديو قراءة في كتاب الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية – القاجارية

أضف تعليقك هنا

محمود المنير

محمود المنير

كاتب في الشأن السياسي والشأن العام