يحدثونك عن “الشريعة”..!

يبدو أن مسألة تجديد الخطاب الديني في مصر المحروسة قد فاقت المدى المسموح حينما تحولت عن مسارها الحقيقي بفعل مداخلات هواة محسوبين على الهيئات الدينية الرسمية، وأغلبها على ما أظن لا تربطه ثمة علاقة بمنطق أو عقل، ومع الأسف كانت أخر صيحاتها الكوميدية ملهاة توزيع الفتاوى في أكشاك تم زرعها في محطات المترو مؤخراً بإشراف الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء بالطبع..!

ولأن الأمر كما أراه ينطوي على عدة ألاعيب من صنع البشر جمعت بين شؤون الدين وأمور السياسة في بوتقة واحدة، لذا فقد إختلت بالطبع معادلة الفهم والاستيعاب لدى البسطاء من العامة بفعل عدم الانسجام الصريح بين طبيعة ثوابت الدين، وبين ما لأمور السياسية من متغيرات وتقلبات متشعبة.. وفي ظل ما لمست من ضعف حجة بعض دعاة تقيدوا بمناهج عقيمة لا أحسبها أصيلة في علوم الشريعة أمام تطاول مغرضين ممن يدعون الانتصار للحريات تحت ألوية التقدمية والعلمانية، تلك الأخيرة التي أحسبهم أفسدوا قيمها الأصيلة وهي التحرر الفكري والعقلي، والتسليم بمبدأ قبول الآخر.. قررت أن أسجل محاولة متواضعة وإجتهاد شخصي أحسبه عقلاني، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينني عليهما دفاعاً عما أراه صحيح الدين الذي أشرُف بإعتناقه، فقط للوقوف بالمنطق في وجه المتشددون الجدد والمرتزقة من مسلمين أساءوا للإسلام فكراً وصنيعاً، وكذا من يتطاولون عليه بلا سند عقلاني من أصحاب المذاهب الفكرية الشاذة التي تتلون حسبما تقتضي شهوة معتنقيها.. وكلا الطرفين مع الأسف يغالون ويزايدون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا..!

“الشريعة” في اللغة:

“الشريعة” في اللغة تطلق على معنيين، أحدهما: مورد الماء الجاري الذي يقصد للشراب، والثاني: الطريقة المستقيمة، ومن هذا المعنى ما جاء في القرآن الكريم: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون، ثم أطلق لفظ “شريعة” عند الفقهاء على الأحكام التي سنها الله لعباده على لسان رسول من الرسل، وقد سميت هذه الأحكام “شريعة” لأنها كالجادة المستقيمة من غير إلتواء ولا اعوجاج، ولأنها شبيهة بمورد الماء الجاري من جهة أنها سبيل إلى إحياء النفوس وغذاء العقول، كما أن مورد الماء سبيل إلى حياة الأبدان.. وقد إشتقت من المعنى السالف “شَرّعَ” بمعنى أنشأ “الشريعة”، فمعنى “شرع الدين يشرعه” إذا هو سن القواعد وبيان النظم وأظهار الأحكام، وقد جاء في القرآن الكريم: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا..

وبناء على ما تقدم يكون معنى التشريع: سن “الشريعة” وبيان الأحكام وإنشاء القوانين، والتشريع الإسلامي المقصود بهذا المعنى لم يكن إلا في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله لم يجعل بعده لغيره سلطة التشريع..! وهذا بناء على ما جاء في خطبة الوداع على لسان النبي موثقا بالقرآن الكريم في سورة المائدة: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”! وأما ما جاء بإجتهاد الصحابة والتابعين بعده، فليس تشريعا أصيلاً أو حقيقياً، بل هو توسع في تبسيط القواعد الكلية وتطبيقها على الجزئيات المتجددة، كذا أيضا إستنباط الأحكام من مصادرها بفهم آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والقياس على ما فُهم من صحيحها، وبناء على هذا لا يطلق أو ينطبق تاريخ التشريع الإسلامي إلا على كل ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حياته وتطابق مع القرآن الكريم..!

الأحكام التي تشملها “الشريعة”:

الأحكام الإعتقادية: كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، مما يدخل في علم الكلام..
الأحكام الوجدانية: وهي التي تتصل بالأخلاق، كالزهد والصبر والرضا، ونحو ذلك مما يدخل في علم الأخلاق..
الأحكام العملية: وهي التي تتصل بعمل العبد وفعله، كالصلاة والصوم والزكاة والبيع، وترك المحرمات كالربا والسرقة وشرب الخمر، وما غيره مما يدخل في علم الفقه..

وأهداف “الشريعة الإسلامية” (القانون الإسلامي) كما جاء في تفاسير الفقهاء هي:

حفظ الضرورات الخمس، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، إلى جانب مراعاتها رفع الحرج والمشقة في مجال الحاجيات، كشريعة القراض، والمساقاة، والسلم ونحو ذلك من التصرفات التي تشتد الحاجة إليها..!
الأخذ بما يليق في جانبه التحسينات، كالطهارات وستر العورات وأخذ أنواع الزينة وآداب الطعام ومراعاة مشاعر الآخرين، وهكذا جاءت شريعة كاملة وافية بكل حاجات البشر في كل زمان ومكان، وهناك إجماع من العلماء على أن الشرائع السماوية عند نزولها من الخالق جاءت متفقة على أمرين:
الأمور الإعتقادية، من حيث الإقرار بوجود إله خالق، رزاق، محيي ومميت، سرمدي، موجود لهذا العالم وواضع لنواميسه ومرسل الرسل ومصطفي الأنبياء..
الدعوة إلى مكارم الأخلاق، مثل الوفاء بالعهود والعقود والمواثيق، والإخلاص في الأقوال والأفعال وآداء الأمانات وغير ذلك من معاملات وشرائع..
لكن تختلف الشرائع من حيث الأحكام العملية في العبادات والمعاملات والأقضية والشهادات وجزاء الجنايات ونظم المواريث، فلكل شريعة أحكامها الخاصة بها..!

إن تحويل الدين عن مساره الروحاني، الذي يوصي بالتسامح والتعاون وتقوى الله سبحانه وتعالى وقبول الأخر والاعتناء بالعقائد والشرائع، وما يتبعها من سلوك ومناهج تعمل على توطيد العلاقة بين الفرد والمجتمع مع التمسك بإعلاء كلمة الله والدعوة الرشيدة، أراه قد تطور مع الأسف على يد البعض ممن ينعتون أنفسهم بالدعاة والمبشرين والمجددين، إلى نزاعات وتراشق وعداوة وبغضاء، وصلت إلى حد التكفير..! وهو حق لم يعط لبشر بعد الأنبياء بل إنه أمر إلهي معلوم بالضرورة، وأظنه إنقضى بإنقضاء عصر الأنبياء وأخرهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم..

بسم الله الرحمن الرحيم
“شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب”
صدق الله العظيم..!

فيديو يحدثونك عن “الشريعة”..!

أضف تعليقك هنا