الثانوية العامة الجديدة .. قارب النجاة أم المسمار الأخير في نعش التعليم المصري؟

لا شك أن خروج مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم جاء نتيجة طبيعية لوجود نظام تعليمي فشل في تحقيق أدني  الأهداف، وهو نظام اعتدنا فيه علي إتخاذ القرارات المتسرعة المتخبطة التي تُتخذ دون دراسة كافية ولدينا في ذلك العديد من الأمثلة التي شكلت في جملتها ضربة قاضية أجهزت علي ما تبقي من النظام.

إلغاء الصف السادس الإبتدائي

في عام 1988 قرر الدكتور فتحي سرور وزير التعليم آنذاك إلغاء الصف السادس الإبتدائي من السلم التعليمي لتوفير بضعة ملايين من الجنيهات ولكن الدولة تحملت أضعاف ما تم توفيره في معالجة  ما عُرف بمشكلة الدفعة المزدوجة ووجود السنة الفراغ في السلم التعليمي والتي نتجت عن تطبيق ذلك القرار.

ثم قام فتحي سرور نفسه بإلغاء القرار السابق حين كان رئيساً لمجلس الشعب وأعاد الصف السادس مرة أخري في عهد وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين بعد أن تبين خطأ ذلك القرار وفداحة ما ترتب عليه من نتائج كارثية.

إلغاء الشهادة الإبتدائية

وهذا العام قرر طارق شوقي وزير التعليم إلغاء الشهادة الإبتدائية واعتبار الصف السادس سنة نقل عادية، ويري بعض خبراء التعليم أن هذا القرار يترتب عليه عدم وجود أي تقييم حقيقي لقدرات وتحصيل الطالب في المرحلة الإبتدائية.

ماذا يتضمن النظام الجديد للثانوية العامة؟

ثم بدأ الحديث عن نظام جديد للثانوية العامة يعتمد علي التقييم التراكمي ويبدأ تطبيقه من العام القادم ويتضمن النظام الجديد قيام الطلاب بإعداد المشاريع التعليمية مستخدمين في ذلك مايسمي ببنك المعرفة المصري وشبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” الي جانب اختبارات يتم تصحيحها آلياً والغاء مكتب التنسيق والاعتماد علي اختبارات للقدرات لتحديد من سيتمكن من الالتحاق بالتعليم الجامعي.

في هذا النظام الجديد للثانوية العامة يُفترض أن يكون المعلم علي دراية واسعة باستخدام الحاسب الآلي والانترنت ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن أن يحدث ذلك مع وجود عدد كبير من المعلمين لا تتوافر لديهم المعرفة التكنولوجية الكافية ولا المهارات الأساسية اللازمة للتعامل مع النظام الجديد، بالرغم من حصول الكثيرين منهم علي ما يعرف بشهادة  ICDL  ومعظمنا يعرف كيف يتم الحصول عليها!!

كيف سيتم تطبيق النظام الجديد وكثير من مدارسنا في الريف غير مؤهلة تكنولوجياً؟

لا أعلم أيضاً كيف سيتم تطبيق النظام الجديد وكثير من مدارسنا وخصوصاً في الريف غير مؤهلة تكنولوجياً وما يسمي بغرف مناهل المعرفة في كثير من مدارس الريف لا تعدو كونها غرف تحتوي علي أجهزة حاسب آلي عفا عليها الزمن وغير مزودة بخدمات الانترنت والتي حتي ان توافرت فهي تكون بسرعة تقل عن سرعة السلحفاة!

المشاريع التعليمية قد تتحول إلى سرقة علمية

إن قيام الطلاب بعمل مشاريع تعليمية هو جزء أساسي من تقييم الطالب في النظام الجديد..وأخشي أن يتحول ذلك لمجرد نقل معلومات من مواقع الانترنت المختلفة وبعضها لا يصلح أساساً كمصادر موثوق بها..وهنا يصبح الأمر أشبه بما يحدث حاليا في مدارسنا حيث تخصص بضع درجات للنشاط في المواد المختلفة و يطلب المعلم من الطلاب إعداد بحث عن موضوع ما للحصول علي درجة النشاط ويقوم الطلاب بطباعة بضع صفحات من أحد المواقع مجهولة الهوية وكتابة أسمائهم علي الغلاف ويسلمونها الي المعلم وتجد طريقها في نهاية العام الي سلة المهملات ولا يكلف المعلم نفسه حتي مشقة النظر اليها ونحن بذلك نشجع طلابنا علي السرقة العلمية منذ نعومة أظفارهم!!

قيام المعلم بتقييم تلك المشروعات التعليمية سيواجه بالطبع بمشكلة الكثافة العالية الموجودة في معظم مدارسنا، وهي مشكلة لا نتوقع لها حلا في المستقبل القريب مع ضعف الإمكانات الموجودة والزيادة المستمرة في سكان المحروسة.

فكيف تتوقعون قيام معلم بتقييم ما يربو علي سبعين مشروعاً تعليمياً قام بإعدادها سبعين طالباً في الفصل الذي يقوم بتدريسه؟

لا شك أن التغيير مطلوب ولكن يجب أن يكون تغييراً للأفضل ويتطلب الأمر وجود بنية تحتية سليمة يمكن البناء عليها لتحقيق الآمال المرجوة من التغيير ولذلك لا بد أن نأخذ في الاعتبار الأسس التالية قبل تنفيذ أي تغيير حقيقي في منظومة التعليم الثانوي:

أولاً: تغيير جذري في أسلوب اختيار وإعداد من سيقومون بالعمل بالتدريس بالتنسيق مع كليات التربية.

ثانياً: أن تكون المدارس مؤهلة تكنولوجياً لتحقيق الهدف من التغيير ويتضمن ذلك توافر أحدث أجهزة الحاسب الآلي  وتوافر خدمات الانترنت بسرعات عالية.

ثالثاً: اختيار قيادات تعليمية شابة تؤمن بالتغيير وقادرة علي استخدام وتوظيف التكنولوجيا بكافة أشكالها والتخلي تماما عن مبدأ الأقدمية في الترقيات.

رابعاً: البحث عن حلول فعالة لمشكلة الكثافات الهائلة في الفصول واستيعاب الزيادة المطردة في أعداد الطلاب.

خامساً: استبعاد من لا يصلح للتدريس ووجود اختبارات مقننة تتم كل ثلاث سنوات يُمنح من يجتازها ترخيصاً بالاستمرار في مزاولة المهنة.

سادساً: الشفافية والعدالة في اختبارات القدرات المزعم استخدامها في تحديد المقبولين بالجامعات وعدم تدخل أي عنصر بشري فيها.

سابعاً: إعادة النظر في أجور المُعلمين بما يكفل لهم حياة كريمة.

وأخيراً..

نتمنى ألا يكون القرار الخاص بالثانوية العامة الجديدة قراراً عشوائيا يُتخذ دون دراسة كافية كغيره من القرارات التي اتخذتها الوزارة من قبل وترتب عليها إهدار المال العام وتدني مستوي التعليم في بلادنا فضحكت من جهلنا الأمم.

التوافق المجتمعي هو أهم ما تحتاجه الثانوية العامة

الثانوية العامة الجديدة تحتاج الي توافق مجتمعي وليس قراراً سيادياً، ولا بد أن يشارك فيه كل المعنيين بالعملية التعليمية من أولياء أمور ومعلمين.

فيديو الثانوية العامة الجديدة .. قارب النجاة أم المسمار الأخير في نعش التعليم المصري؟

أضف تعليقك هنا

عصام حنا وهبه

عصام حنا وهبه

شارك في العديد من البرامج التدريبية بالولايات المتحدة الأمريكية وله مقالات منشورة في طرق تدريس اللغة الانجليزية.