طوابير الولاء

ماوتسي تونج

ربما لم يكن من قبيل المصادفة أن يدون (ماوتسي تونج) – زعيم الصين الشيوعية الجبار – في مقتطف من اقواله في كتاب مؤلفاته حول تدابير إنهاء فكرة الدولة وخلق عهد شيوعي مطلق وابدي في بلاده على تعاليم الماركسية – اللينينية .. وانما كان ما دونه هذا خطة استراتيجية استفاد فيها من تاريخ سياسي طويل لدول وممالك قبله ، فبنى على القديم أثواباً جديدة ..

(ألا تريدون إذن إزالة الدولة ؟ نريد ذلك ، … إن مهمتنا الراهنة هي تعزيز جهاز دولة الشعب ولاسيما الجيش الشعبي والشرطة الشعبية والقضاء الشعبي بغية توطيد الدفاع الوطني وحماية مصالح الشعب … سوف تتمكن الصين من أن تنتقل بخطى موثوقة … من مجتمع الديمقراطية الجديدة إلى المجتمع الاشتراكي والشيوعي وإزالة الطبقات وتحقيق الوئام العظيم . إن جهاز الدولة الذي يضم الجيش والشرطة والقضاء هو الأداة التي بواسطتها تضطهد طبقة طبقة أخرى . هو بالنسبة إلى الطبقات المعادية أداة اضطهاد …) انتهى كلام (ماوتسي تونج) .

ما تفعله أنظمة الحكم الأحادية

وهكذا تحاول جل أنظمة الحكم الأحادية على مختلف التوجهات أن تجد لنفسها دعائم وطيدة باصطناع قوى شعبية موازية ومغايرة للقوى الوطنية الرسمية العامة .. وذلك على اعتبار أن تلك القوى المصنوعة للنظام من بعض فئات الشعب تبنى على معيار الولاءات التنظيمية والانتماءات الأيديولوجية بحيث يرتبطون هؤلاء بحزبهم وجوداً وعدما ولا يدورون إلا حيثما أراد هو أن يدوروا .. أما تلك القوى الوطنية الرسمية العامة فعهدهم يكون للوطن دون تحيز إلا لما فيه صالحه العام وبغض النظر عن النظم وعن جور الحكام أو عدلهم ، لهذا ربما رأى فيه النظام مهدداً له بنحو ما ذكر (ماوتسي تونج) ..

ومن الجلي أن أبرز دعائم تثبيت سيطرة تنظيم ما على مقاليد الحكومة دهراً طويلاً هو الاصطناع لنفسه تلك القوى الشعبية لكي تصبح هي الأساس والأصل المؤتمر بحكمه والمنصاع لكلمته فوق القوى الوطنية الرسمية وسائر أفراد الشعب .. فمثل (ماوتسي تونج) البارز أنه كون قوات الجيش الشعبي والشرطة الشعبية من أجل التمهيد الشيوعي لإنهاء منظومة الدولة .. وكان من قبله (أدولف هتلر) الذي اتخذ من تنظيمات (الشبيبة الهتلرية) معضداً شعبياً ونواة تربوية لتأسيس الأجيال النازية القادمة مدى الحياة فلا ترى الأرض من بعدهم إلا مفروشة باللون الأحمر ذا الصليب المعقوف ، وعلى هذا العهد صار الشبيبة المراهقون مدافعين بأرواحهم عن (هتلر) المنهزم في مخبئه لحظة اقتحام جنود الحلفاء برلين ..

ليبيا والسودان

وفي افريقيا أيضاً فعل (قذافي) ليبيا نفس الشيء عبر اللجان الشعبية الثورية .. وكذا فعل (جعفر نميري) في السودان في عهد سلف بتنظيمات الطائع والرواد أبناء ثورة مايو تأسيساً لعهد مايوي مديد ..

فمن ترى الآن قد تقاسم في السودان العهد والولاء للسيادة ؟ ..

لقد أثبت التاريخ الإنساني والسياسي الطويل أن بقاء الأنظمة الرهينة للقواعد والهياكل الشعبية الخاصة في مقابل الأجهزة الوطنية الرسمية يمتد سلطانها أمداً غير قصير .. ولكن النهاية حينما تأتي فإنها تأتي مريرة قاسية ، كاسحة ماحقة ، لا تبقي ولا تذر .

فيديو مقال طوابير الولاء

 

أضف تعليقك هنا