فوضى خيرية – الإغاثة والعمل الخيري

العدل لا يميّز بين ديانةٍ وأخرى.

كما أن الظلم كذلك، إذْ أن العدل شريعة سماوية، كما كلّ القيم والمعاني النبيلة، وفي المقابل فكل المعاني المضادّة هي محرّمة على الجميع ومن الجميع.

كذلك تكون قيم ومعاني التميّز الذاتي والمؤسسي؛ ليست حِكْراً على ذاتٍ أو جهةٍ معيّنة، بل من أخذ بها وبأسبابها وصل ونجح وتميّز واستحق التكريم والإشادة، كما يستحقّ أن يُتّخذ مثلاً ونبراساً، ومن ابتعد عن أسبابها كان من أكثر الناس بعداً عنها وعن التمتّع بلباسها وأخلاقها ونتائجها، وإن كان متّصفاً بالخيرية أو يعمل في مجال الخير والإحسان، بل إن اتّصافه بذلك أو عمله في هذا المجال يحتّم عليه أن يكون أولى الناس أخذاً بتلك المعاني وتمثّلاً لتلك القيم.

السير على (البَرَكة) في العمل الخيري.

لكن ما نراه اليوم -للأسف- هو ما يمكن أن نطلق عليه (الفوضى الخيرية)، ونقصد بها السير على (البَرَكة) في العمل الخيري، على الصعيد الشخصي والجماعي والمؤسسي، حيث ترى مؤسساتنا الخيرية -غالباً- هي أبعد الجهات عن التمتّع بالثقافة المؤسسية وبالأخذ بأسباب التميّز المؤسسي.

بل وتجد في كثير من المؤسسات ما تجده في بعض الجهات الحكومية هنا وهناك من محسوبية وعشوائية ونحو ذلك، وإذا ما سُمِع صوت عن أهمية الالتزام والترتيب والتنظيم والأخذ بما أخذ به السابقون في مجال الجودة من أنظمة وبرامج ومواكبة للعصر؛ رأيت الازورار والانصراف والاستمرار في غيّ الفوضى، وكثير من القوم استمرأوا السير (كيف ما اتفق)، ورأوا أن التغيير أو أصوات الدعاة بذلك نوعاً من الحسد أو الاعتراض على قدسيّة العمل الخيري أو القائمين عليه.

سبْق كثير من المؤسسات الغربية على المؤسسات العربية.

لا بد أن نعترف بسبْق كثير من المؤسسات الغربية باختلاف أنواعها ومجالاتها، وأخذها بقيمٍ نحن أولى من يأخذ بها، ولكن إن فاتنا قصَبُ السبْق فلا تفتْنا أخذ الفائدة والحكمة، فهذا لا يعني أننا سندين بعقيدتهم، ولكن يعني أن ندين بما يأمرنا به ديننا ويحثّنا عليه وقد أخذوا به دوننا.

السباق اليوم لا يقتصر على من يوجد ولكن على من وُجِد كيف وُجِد.

إن السباق اليوم لا يقتصر على من يوجد ولكن على من وُجِد كيف وُجِد، ولا على من يعطي، ولكن على من يعطي كيف يعطي… والجهات اليوم بأنواعها لا تتنافس في الخدمة وإنما تتنافس في جودتها، فهل تعي الجهات الخيرية والقائمين عليها ذلك؟

ما هو سبب تقصير الكثير من القائمين على المؤسسات الخيرية؟

إن سبب تقصير الكثير من القائمين على المؤسسات الخيرية أو المتعاملين معها هو نظرتهم الخاطئة للعمل الخيري وقناعتهم بتلك النظرة، والتي تتلخّص في كون العمل الخيري هو مجرّد تطوّع، وما يتمّ فيه ليس بالضرورة أن ينال درجات الدقّة ويتم الوقوف عنده بإجراءات وبرامج هي أولى بالمنظمات والشركات الربحية.

وأنّه جزى الله خيراً من فعل وقدّم من ماله أو من وقته أو من جهده، وبغض النظر عن ذلك التقديم كيف يتم، إن هذه النظرة العرجاء هي سبب كبير للفوضى الخيرية الحاصلة في تلك الجهات، والتي هي بالتالي سبب طبيعي لغياب المفاهيم الأساسية للتميز، بل وغياب حتى قيم المؤسسات ذاتها، والاكتفاء فقط بالتغنّي بتلك القيم على الأوراق والأدبيات دون أن يكون لها في الواقع شيءٌ يُذكر.

إذا لم يتم الاعتناء بهذا الجانب المهم في مؤسساتنا الخيرية، فإن الفوضى سوف تبقى بل وتزداد.

يا قوم: إذا لم يتم الاعتناء بهذا الجانب المهم في مؤسساتنا الخيرية، فإن الفوضى سوف تبقى بل وتزداد، وعليه تكون النتيجة هي مخرجات مشوّهة أو ناقصة بالنسبة للمجتمع، وضعف أو تلاشٍ بالنسبة للمؤسسات الخيرية، كما يشهد على هذا وذاك الواقع.

فيديو فوضى خيرية – الإغاثة والعمل الخيري

أضف تعليقك هنا

د. محمد علي علي

الدكتور محمد علي علي

• كاتب يمني مقيم في تركيا
• دكتوراه في الأدب والنقد
وسابقاً:
• مسؤول إعلامي في إدارة العلاقات والإعلام (مؤسسة التواصل للتنمية الإنسانية) - اليمن.
• كاتب ومحرر في مجموعة cmi الدولية (رواد التميز الإداري الدوليون) - أبو ظبي.