قطاطيس الليل

 

إلى يوم الناس هذا لم يعرف البوليس من تسلل إلى مستودع الثياب، في ليلة ممطرة مع منتصف الليل وسرق كميات كبيرة من التبغ المخزّن، وبرتابل قالاكسي، وكميات هائلة من المصوغ المخبي، وكميات من الأوراق النقدية ذو العشرين والعشرة دنانير. لقد دبّر الأمر بليل، عندما كانت المقهى المقابل تشتعل بدخان الشيشة ولهيب الرامي والقهوة، ولقد تساؤل البوليس في هذه الحادثة، كيف لم يرقب أحد من رواد المقهى من قام بالعملية، رغم أن العملية بعد التمعّن والتثبّت والتشخيص تأكدوا أنّها كانت عملية كيدية ثنائية، لأن السور الذي يؤدي إلى شباك المخزن من جهة الشبّاك

، كان عاليا والجو شتاء قارص عندما كانت الدراجة النارية متوقّفة يقودها اثنين أحدهما تسّور السور والآخر ينتظر حتى يخرج جليسه في الدراجة النارية الغنيمة من المخزن، ثمّ إنّه بعد ذلك كذلك ،بلّور المخزن كان مهشما على مستوى القفل، عندما فتح المتسللين القفل بإدخال اليد. مما يعني أن العملية كانت سريعة ومدروسة. بعد أن درس المتسللين المكان، مما جعل البوليس يتوقّع أن مدبري العملية كانوا قريبين ومحيطين بالمكان، وممن يجلسون في المقهى المقابل والذي كان يقرب من المخزن مسافة عشريون متر، في وسط شبه غابة كثيفة ملآنة بالأشجار من كل مكان، في مكان بناياته متفرقة ومتباعدة على مقربة من الطريق الرئيسية التي تؤدي إلى المستشفى الجامعي الكبير والذي يكثر فيه المارة والناس في جميع الأوقات سوى في الليل الذي ينزل ستاره وينشر شبحه الكثيف على المنطقة الشبه الفارغة والمهجورة سكنيا إلا من بعض مالكي الآراضي والبنايات الحديثة العهد والنازحين الجدد. وكانت الكلاب السائبة ترقد على الطرقات في فصل الخريف، وبعد نزول الأمطار كانت المنطقة صعبة على المارة ، إلا من ذوي السيارات الحديثة الصنع التي كانت تمر بصعوبة تذكر، لأن المنطقة كانت تجمع بين الريف والحضر.

لقد أجمع الجميع، أن شيء غير عادي قد وقع في هذه الحادثة المؤسفة، لأنّه يومها كان زبون من الزبائن يستفز صاحب مخزن بيع الثياب القديمة الآتية من أوروبا، والتي توزّع فيما بعد في نقط كبيرة لبيع الثياب، المتنوعة من سراويل دجيم، وملابس رياضية وأحذية، ووكابيشونات ومعاطف كبيرة وغيرها من ملابس النساء والتنوّرات. ولقد أجمع الجميع كذلك، أن زبون معروف بكثرة انحرافاته وتحركاته على الدراجات النارية بطريقة فوضوية وغير منظمة في جميع أرجاء منطقة” عين ثعبان”، ولقد عبّر آخر عن رؤيته لهذا الزبون المعروف بتهوره كيف يخبئ القطع المسروقة والمصوغ والتبغ المهرب داخل مكان مهجور يعاقرون فيه الخمرة صحبة ثلة من زملائه، والحال أن الجو بالرغم من ذلك كان هادئ وطبيعي جدا إلى أقصى حدود.

كان مأمون، قد وجهوا له هذه التهمة وهي تهمة سرقة برتابل ومصوغ وتقديمه للعدالة لحماية الجناة الحقيقيين، ولكن ما راع مأمون إلا وقد أصبح جميع العائلة مهددين في حياتهم ومعاشهم اليومي. سوى فقط لأنّه يتصرف بطريقة تلقائية وهادئة، وليس مثل الآخرين، ويميل إلى الانزواء والحذر وعدم الاكتراث بالآخرين.

لقد عمد ثلة من أبناء عمّه إلى الهجوم عليه في المنزل في ساعة متأخرة من اليل في حدود الساعة الواحدة ليلا. حاملين آلات حادة وسيوف. قصد الانتقام. وذلك فقط لأنّ مأمون كان في خصام مباشر مع هؤلاء حيث لا يقترب منهم، ولا يتناول معهم الخمرة، ولا يراودهم في أحاديثهم الشيطانية، الآمرة بالمنكر والناهية عن المعروف.
ولقد كانوا في الأسبوع الفارط ليلا، قد انفردوا بمأمون وهو في حالة غيبوبة بحكم مفعول الأقراص المخدرة، واعتدوا عليه بآلة حادة في يده اليسرى.

متسببين له في جرح عميق جدا.
كما كانوا قد اعتدوا في عملية أخرى على أمّه بواسطة حجارة كبيرة الحجم، على مستوى رأسها عندما كانت بصدد فتح باب منزلها، متسببين لها في كضمات وإصابات متفاوتة الخطورة. وتلفظوا اتجاهها بعنف لفظي وقذف وما ينافي الحياء والأخلاق الحميدة، مما جعل مأمون يحاول إعادة ترتيب نفسه وترميم ما يمكن ترميمه، وتغيير سياسته التي يتبعها في العالم الغريب الذي يحيط به.

لقد كان مأمون يعمل في المقهى المقابل، وأتى نازحا من منطقة داخلية، وهو لا يمتلك عادة لقمه يومه إلا ما رحم ربي، فالدنانير التي يكسبها من عمل المقهى، يصرفها في شراء الملابس والكراء، ومساعدة والدته المريضة والمصابة بمرض مزمن ويتطلب العلاج المستمر. لكن مأمون لم ييأس حيث كان في بداية مشواره المهني، ويعتقد أنّه مازال سيرى أشياء عديدة ومفاجآت أخرى في حياته.

فيديو قطاطيس الليل

 

أضف تعليقك هنا

هاني القادري

هاني القادري كاتب تونسي