نبتة الموت – قصة قصيرة

كانت أرضه تسمى بـ ( السعيدة )، سادت في عزها، واشتهرت بشجرة البُن، ومن لا يذكر بُن ( موكا ) نسبة إلى ( مخا ) ميناء بوطنه المكلوم.

دار الزمن دورته واستعمرت شجرة ( القات ) الأرض والقلوب، أفرغت الجيوب وفرّقت الأسر، وصنعت كثيراً من المآسي منها ما سنحكيه لكم .. فهيا يا سادة تمعنوا لتعلموا طرفاً مما فعلته شجرة ( القات ) بأرض اليمن السعيد.

صحا ( محسن ) من رقدته بعينين حمراوين متورمتين، صحا وقد انتصف النهار وكادت الشمس أن تبلغ كبد السماء، ذهب لوظيفته إن كانت حقاً تسمى وظيفة إلا إن قلنا أن ما يمارسه بطالة مقنّعة.

فالموظفون لا يفعلون شيئاً بل يقبعون في كراسٍ للقيل والقال، تسمع بينهم صراخ السياسة، وتحليلاتها التي لا تنتهي، والهادئ منهم من ينهمك في حل الكلمات المتقاطعة في الصحيفة اليومية.

هكذا سارت الحياة

في وطن غصّ بالفوضى والفساد، الرشوة عمّت كل شيء، المحسوبية والحزبية أزاحت الكوادر والأكفاء، ذهبت الأوقات هدراً في ساعات تناول ( القات ) فلم تنتج البلد شيئاً وكانت في قائمة الدول التي استوطنها الفقر والجهل والمرض.

انتهى محسن من دوام العمل بعد سويعات قليلة من وصوله، ليغادر سريعاً إلى سوق القات لشراء نبتته السحرية، كان المكان يغصّ بالمشترين، جميع الطبقات تراها تتأمل أحزمة النبتة اللعينة في خشوع وتفحّص، ثم تدخل في دوّامة التفاوض على الثمن، ومهما كانت الأسعار غالية ففي نهاية الأمر ينفضّ السوق وقد باع كل شيء.

انطلق محسن حاملاً حزمته الخضراء ليعيش ساعات يسمونها بالساعات السليمانية، تجهّز مع كل مستلزماته، أحضر حزمة القات وقنينة الماء والبيبسي، ولم ينسَ علبة الدخان.

أسند نفسه ـ عصراً ـ بكل راحة على متكئه الوثير، شرع بنزع الأوراق الخضراء واختزنها في إحدى وجنتيه، حتى أخذت بالانتفاخ شيئاً فشيئاً.

أهمل أسرته

محسن لم يكن في أجندته لأسرته مكان، أهمل أسرته وأعرض عن زوجته المسكينة، وكان يقضي جلّ وقته مع تلك النبتة الشيطانية، لم يلهُ مع طفليه يوماً، ولم يراجع درساً لابنته ( سلمى ) التي كانت طالبة في الصف الرابع، بل ربما نهرها في قسوة إن جاءت إليه فرحة قاطعة نشوته وتفكيره العميق لتريه علامة الامتحان التي حققتها بجهدها ومثابرتها، فتذهب كسيرة النفس دامعة العين، ولا ننس زوجته التي هجرها في الفراش ساهراً مع أصحابه طوال الليل ليصحو في النهار خبيث النفس كسلان.

وفي ذات يوم تضعضع حال البلد وهوى اقتصاده في الحضيض، وتأخرت جرّاء ذلك المرتبات الشهرية، وجاهد الجميع لتوفير لقمة العيش وأساسيات الحياة، إلا أن محسناً لم يشأ أن يقطع عاداته، وبالرغم من وشوك جيبه ومدخراته على التبخّر إلا أنه استمرّ في غيّه يعمه، وبعد فترة وجيزة وجد نفسه مفلساً، وأربعة أفواه في عنقه تطالبه بتوفير الحليب ولقمة عيش ولو كانت جافة.

استبدّت الحيرة بمحسن ولم يدرِ ما يصنع، ذهب لأعزّ أصدقائه وزملائه في العمل طالباً مبلغاً من المال سيردّه ديناً فيما بعد، إلا أنهم اعتذروا بشدّة متعللين بصعوبة الظروف وقلة ذات اليد، فما كان منه إلا أن باع اسطوانة الغاز بعد أن انتزعها من مطبخ بيته، باعها بثمن بخس لأحد المطاعم الشعبية، وبالمال الذي في يديه استيقظت نشوته التي استبدّت به ولعبت بعقله، فعاد إلى شراء نبتة الشيطان، وهكذا أنفق ما معه من مال، وحينما علمت زوجته بما فعل جنّ جنونها ولم تستطع أن تفهم نفسية زوجها المريضة، وكيف استحالت نفسه خراباً، وخلا قلبه من محبة أطفاله.

فارقوه

ذهبت الزوجة نافرة إلى بيت أهلها، أخذت معها أولادها عسى ولعل أن يحسّ بهم إن فارقوه، وفي البيت الخالي وسوس الشيطان لمحسن بسرقة مجوهرات زوجته وذهبها التي لم يبق لها غيره لتواجه به ملمات الزمن وغدراته، باع محسن الذهب خلسة وأنفق المال على شهواته وملذاته بصحبة نبتة القات، وعندما عرفت الزوجة بجريمته تأكدّت أن محسناً لم يعدْ إنساناً سوياً بل ذئباً شريراً يتبع غريزته، وخافت من بقائها وأطفالها معه، بلّغ عنه أهلها الشرطة فأودعوه السجن لجريمة السرقة، ثم طلبت الطلاق فنالته عن طريق المحكمة.

وهكذا عاشت الزوجة كسيرة النفس باكية المدامع في بيت أهلها ذليلة مستثقلة، وقبع الأب في السجن يعضّ أنامله ندماً وحسرة، وكان الأطفال هم الضحية ..

دوماً نجد الطفولة ضحية في كل شيء يفعله البالغون بنزق وغباء.

فيديو مقال نبتة الموت – قصة قصيرة

أضف تعليقك هنا

أحمد عمر باحمادي

أحمد عمر أحمد باحمادي

كاتب يمني

خرّيج كلية الآداب ـ صحافة وإعلام حضرموت ـ اليمن