وشمٌ

يمرُّ الوقت وهي ما زالت تشخص ملامح الحزن في عينيه.. عيناه تشبهان الوطن، متناقضتان بالدفء والجرح. تنمو أمنياته وأحلامه في قلبها يومًا بعد يوم، وتقبع بين جدران ذاكرتها قصته الموجعة.

تَمنَّت لو امتلَكَت عينيه لتبكي بدلاً عنه.

أمر مستحيل

أصبحت مخاطبته أمراً مستحيلاً يزيدها حزنًا، وكلما نظرت بإمعان في تلك المسامير التي تدُق جسد وطنه، نزَفَت في أعماقها.

كان يمُدّ لها يده تارة، وغيابه المؤلم تارة أخرى، مثل سرب طيور مهاجرة، عالق بين السماء والأرض، حاملاً أحزانًا سخيّة ونبيلة جدًا، تسكن أرواح الأطفال، الشهداء، وحكاية وطن مغتصب مثل وطنها الذي عاشَت فيه حروباً كثيرة، حتى أنها لم تعُد قادرة على التمييز بين آلام حرب وأخرى.

كالصدق والوفاء

كلاهما دجته الحرب، آلمتهما الغربة، قتلت فيهما الحنين آلاف المرات، واستعمرتهما الوحدة. كانا يرتطمان ببعضهما رغم المسافات التي تفصلهما، مثل ما يحدث في عالم الفلك وعوالم أخرى لم يكونا على علمٍ بوجودها، لها أسماء كثيرة، كالصدق والوفاء.

إن كل تلك المآسي لا يمحوها العمر، للتخلص منها يجب بتر الأحزان واستئصالها من النفوس، وإطفاء شعلة لم تنر يومًا هذه الحياة، كان ثمنها عثرات عديدة وجراح، تحولت إلى أحقاد وأثقال على قلوب الكثيرين. جاءت اللحظة التي وشمها بها القدر لتفارقه.. فهو لطالما طلب منها تحريره من أقفاص ذاكرتها، قلبها وكلماتها لكنها لم تتقبّل الرحيل. الرحيل ليس حالة سهلة، إنه كالهروب من صقيع ذاتنا إلى نيران الاحتراق. لم تُطلق سراحه بعد، وتخشى عليه من الحريّة..

الحريّة التي لأجلها نفقد من نحبهم..

فيديو مقال وشم

أضف تعليقك هنا

غادة مخول

الصحفية اللبنانية والكاتبة: غادة مخول