أسماء سقطت من ذاكرتنا (3)

فى رحلة البحث عن الأسماء التى سقطت من ذاكرتنا سنجد أسماءً كثيرة حتى أننا لا نبالغ إن قلنا أننا سنجد أسماءً أكثر من تلك التى تكمن فى ذاكرتنا ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها أن تاريخنا الطويل عريق غنى بالأبطال والبطولات وأيضًا لأن ذاكرتنا ضعيفة تعانى النسيان ويغطيها الضباب…..

والأسماء التى سقطت من ذاكرتنا

 

سنجدها فى كل المجالات السياسة والأدب والحرب والفن….إلخ وقد تناولنا فى المقالين السابقين ثلاثة من السلاطين الذين كان لهم دور كبير فى جهاد كل من الصليبيين والتتار وسقطت أسماؤهم من ذاكرتنا لكن حفظهم تاريخنا.

من الأسماء التى خلدتها ذاكرتنا اسم الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذى ذاع صيت عدله حتى غطى على أخبار من دونه من خلفاء بنى أمية ومع قصر مدة حكمه إلا أن سيرته عاشت طويلاً طويلاً خلدها عدله وورعه وتقواه وكما كانت حياته ومضة فى تاريخنا الطويل كانت هناك ومضة أخرى حفل بها تاريخنا لكن نسيتها ذاكرتنا هذه الومضة تتمثل فى أحد خلفاء بنى العباس الذين بدأ حكمهم سنة 132هـ بتولى أبى العباس السفاح الحكم ليبدأ سلسلة طويلة من الخلفاء الذين ظلوا يتمتعون بهذا اللقب حتى عام 922هـ حينما دخل سليم الأول مصر وجعل من نفسه خليفة للمسلمين لينهى قصة خلافة بنى العباس التى دامت حوالى 8 قرون وهى فترة طويلة جدًا دأب المؤرخون على تقسيمها إلى عصرين العصر الأول وهو عصر القوة والعظمة ويمتد لحوالى المائة عام والعصر الثانى وهو عصر الاضمحلال والضعف ويمتد حتى سنة 659هـ حينما أنهى التتار الخلافة العباسية فى بغداد وأنما بقية المدة التى قضاها العباسيون فى الحكم فكانت فى مصر خلفاء صورة فقط لا حل لهم ولا عقد.

وقد حكم فى خلال الفترة الثانية من عصر العباسيين

–عصر الضعف- حوالى ستة وعشرون خليفة .وهنا يطل السؤال برأسه :ألم يكن هناك طوال تلك المدة الطويلة وبين هذا العدد الكبير من الخلفاء خليفة واحد قوى استحق اسمه أن يُخلد لسبب أو لآخر؟!

والإجابة منطقيًا ستكون نعم فمن المؤكد أن التعميم فى كل الأمور أمر خاطئ على كل حال ويوافق التاريخ على إجابة المنطق فقد حوت تلك الفترة خلفاء أقوياء خلدهم التاريخ ونسيتهم الذاكرة……

ومن هؤلاء الخليفة الصالح –كما ينعته المؤرخون- وهو الخليفة المهتدى بالله محمد ابن الخليفة الواثق بالله الذى تولى الخلافة لمدة لم تتجاوز العام الواحد لكن أخبار عدله وزهده جعلت العامة يشبهونه بعمر بن عبد العزيز!!

ومن سيرته أنه أول ما تولى الخلافة منع أصحابه من المظالم

وكان شديد الإشراف بنفسه على أمر الدواوين ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب أمامه وضرب جماعة من الرؤساء بما بلغه جورهم وأخرج أهل الفساد وغيرهم من دار الخلافة واقتصد فى نفقاته حتى أنه لم يكن يرتدى سوى الصوف وجلس بنفسه للمظالم والحكم بين الناس وقد جاء إليه رجل يشكو له ابنه فما كان من الخليفة إلا أن أحضر ولده ليوقفه بجوار مشتكيه حتى يحكم بينهما ولما شكر الشاكى فعل الخليفة رد عليه الخليفة قائلاً : والله ما جلست هنا حتى قرأت قوله تعالى ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة” فبكى الناس .

وحكى أحد أقربائه أنه بات عنده ليلة من ليالى رمضان فلما كان المغرب أمر الخليفة بالطعام فجاءوا إليه بزيت وخل وملح فأكل وظن قريبه أن هناك طعامًا آخر سيوضع فلم يمد يديه للطعام فسأله الخليفة ألست صائما ؟ فرد عليه :كيف لا وهو رمضان .فقال له المهتدى بالله :كل واستوف فليس ههنا طعام غيره.

وكما كان الخليفة عادلاً تميز بشجاعة كبيرة

أيضًا فإنه تولى الخلافة والفتن تموج والأتراك وقوادهم هم من يتحكمون فى أمر الدولة يعزلون الخلفاء ويقتلونهم ويدبرون أمور الحكم على هواهم فلما نقم عليه قادة الترك وكان على رأسهم ثلاثة قواد هم (بكيال و موسي بن بغا وصالح بن وصيف) وكانت الخلافات بينهم قائمة وظنوا أن للخليفة يدًا فيها فتكلموا فى خلعه كما يفعلون مع كل خليفة لا يعجبهم فلم يخف المهتدى أو يلين  وما كان منه إلا أن خرج لهم متقلدًا بسيفه وقال: قد بلغنى شأنكم ولست كمن تقدمنى مثل المستعين والمعتز والله ما خرجت لكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفي والله لأضربن بنه ما استمسكت قائمته بيدى أما دين أما حياء؟ إلى متى الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله؟ فانفضوا من حوله وكان العامة قد ثاروا من أجله وكتبوا رقاعًا فيها :يا معشر المسلمين ادعوا الله لخيفتكم العدل الرضا المضاهى لعمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه

وبلغ هذا الخبر الموالى ببلخ فكتبوا للخليفة أنه هو الحاكم فى رقابهم وأن طاعته واجبة لهم وكتبوا يههدون قوادهم إن سقطت شعرة من رأس الخليفة قتلوهم بها .

وهكذا كان لعدل الخليفة أثره البالغ فى حب العامة ونصرتهم له وكان لشجاعته الفضل فى تجمع الجند حوله ومحبتهم له وهكذا يرينا التاريخ أنه من بين الخلفاء الضعاف كان هناك خليفة قوى ومن بين الظالمين وجد خليفة عادل .

 

ولكن لم يسكت القادة على ما حدث وهل يرضى الظالمون عن عادل بينهم أو يترك المتسلطون سلطتهم لغيرهم فقد صفى القادة الترك ما كان بينهم من الخلافات وقبضوا على الخليفة وخلعوه ثم عصورا خصيته فمات رحمه الله وهو ابن ثمانية وثلاثين عام تقريبًا بعد أقل من عام قضاه فى الحكم أثبت فيه أن العدل موجود والحق موجود والقوة موجودة لكن الفتن كانت أقوى من الرجل فقد تولى الحكم والخلافة لا قوة لها وأمر الخلفاء بغير أيديهم وطويت الصفحة سريعًا ويسقط اسم الخليفة المهتدى بالله من الذاكرة ويبقى محفورًا فى التاريخ بحروف من نور

فيديو أسماء سقطت من ذاكرتنا (3)

 

أضف تعليقك هنا