الإسلام والنظام العالمي، المستفيد الأكبر والخاسر الأكبر!

هل حفظ الله تعالى للقرآن الكريم يعتبر حفظاً للإسلام كدين كامل؟

لا شك أن القرآن الكريم كتاب منزل من عند الله تعالى ومحفوظ من التحريف والتبديل ما بقيت السماوات والأرض وفي هذا لا يوجد شك ولا ريبة، ولكن هل حفظ الله تعالى للقرآن الكريم يعتبر حفظاً للإسلام كدين كامل، لا سيما وأن القائمين على هذا الدين بشر خطاؤون بطبيعتهم قد يتأثرون بظروف سياسية أو تاريخية أو جغرافية متخذين منها مبررات عدة لمخالفة التشريعات المذكورة في القرآن أو في السنة الصحيحة ناسفين بذلك القواعد وتاركين كل أمور الدين تقريباً عرضة للاجتهاد والتغيير والتبديل ودائماً ما يجدون مبررات للالتفاف حول النصوص أو نفيها بنصوص أخرى.

الفجوة بين القرآن والسنة

لقد أصبحت الفجوة بين القرآن والسنة من جهة والواقع على الأرض من جهة أخرى شبيهة جداً بالفجوة التي تفصل بين النظرية والتطبيق بكل ما فيها من تعقيدات وصعوبات حتى أن أمر التطبيق كما يجب أصبح من الخيالات الغير ممكنة التحقيق في ظل النظام العالمي الحالي وهيمنة القوى الغربية التي تقوم قواعدها على نبذ كل المعتقدات الدينية أو الإبقاء عليها كمعتقدات شخصية لا يتعدى تأثيرها الفرد الواحد أو البيت الواحد ولا يمكن أن تخرج للشارع أبداً، وهذا ما لخصه نيتشة في قوله “قتل الإله” وولادة “السوبر مان”، أي الانسان الذي لا يعني له الكثير وجود الله من عدمه، ما بالك الالتزام بقواعد وتشريعات!

ولأن النظام العالمي نظام عالمي شمل الدول ذات الأغلبية المسلمة والتي تسمّى دولاً إسلامية أيضاً في نظرته لأمر الدين، فطال ذلك أول ما طال أنظمة الحكم التي تحولت من أنظمة حكم تقوم على الدين إلى أنظمة تقوم على مجموعة قوانين ودساتير معدّة ومعتمدة من قبل ممثلين عن الشعوب، ولم يتوقف النظام العالمي عند هذا الحد، بل تعدى ذلك ليصل الى رسم خرائط ثقافية واجتماعية تحولت مع الزمان الى بديهيات غير قابلة للنقاش وتبادل الآراء وتمت زراعتها قصراً في الوعي العام لدى الشعوب العربية والإسلامية، ولعل هذا ما كانت تهدف إليه العولمة في المقام الأول وأظنها نجحت في ذلك.

فالدول التي حاولت نبذ العولمة والانغلاق على ذاتها أصبحت تشكل حالة شاذة بالنسبة لدول العالم المتحضر وحتى بالنسبة لمواطني هذه الدول نفسها، كما حصل في ليبيا إبان الثورة التي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي الذي كان يعتبر محاربة العولمة والتصدي لها من أولى أولوياته، ولعل ما كافح معمر القذافي ضده طيلة حياته هو ما قتله في نهاية المطاف، فما قتله سوى العولمة بشن الحملات الإعلامية المنظمة وبث مقدار هائل من الأكاذيب والافتراءات، وتحوّل بذلك معمر القذافي الى الرجل المجنون الذي تدعو تصرفاته للضحك، مع أن الرجل كان يقود دولة مستقرة لأربعين عاماً تحظى بجانب من الحريات وسبل الحياة المرفهة أكثر من كثير من دول المنطقة، فلم يكن القذافي مجرماً، ولم تكن ليبيا سجناً كبير، ولكنه الإعلام والعولمة، ولأننا نتحدث عن الإسلام فإن مثال ليبيا القذافي كان مثالاً جيداً وواضحاً لمدى تأثير النظام العالمي في توجيه الشعوب وفي صنع الرأي العام، وفي هذا دلالة على تأثيره أيضاً في صنع المعتقدات الدينية.

استغلال الدين وتوجيهه لم يكن أداة حصرية لدى أنظمة الحكم القمعية والشمولية، بل أن تلك الأخيرة كانت هي أكثر من تعامل مع الدين بشكل سطحي ولم تغص في أعماقه ولم تلعب على تناقضاته وتضارب الآراء فيه، بل على العكس من ذلك قامت بتبنّي ودعم تياراً واحداً ورأياً دينياً واحداً يضمن لها استمرارها في مسيرة الحكم، ويضمن الاستقرار الديني والاجتماعي في المجتمع، وقامت بمحاربة كل ما دون ذلك خوفاً من ظهور طائفة أخرى بعباءة دينية أخرى تسعى لزعزعة الاستقرار وقلب نظام الحكم، وهذه الأنظمة على مر التاريخ وصولاً إلى الحاضر لم تكن تشكل خطراً على الدين سواء في عصر الخلافات الإسلامية المتتالية أو في عصر العروبة والقوميات، لأن في الحالة الأولى كان الدين قائماً بالحكم والمجتمع، وفي الحالة الثانية كان الدين قائماً بالمجتمع بشكل يمنع نسيانه واندثاره مع الزمن، ويجعله حاضراً في الأذهان وحَكماً يحتكمون إليه عرفاً إن لم يكن حَكَماً سُلطوياً.

ولعل الصورة الأبشع لاستغلال الدين كانت اللعب على متناقضاته وعلى الخلافات التي وقعت بين علمائه وأعلامه، وصورة كهذه تستلزم علماً بالدين بل علماً بأدق التفاصيل والأقوال، وهذا ما استدعى حركة الاستشراق بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إبان العصر الاستعماري، وكانت من نتائج تلك الحركة معرفة تامة بأدق تفاصيل المعتقدات والثقافة الشرقية بشكل عام وهنا أصبح اللعب على هذا الوتر متاحاً وسهلاً في مجتمعات تميل إلى الدين في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتها.

إن الأقوال التي تنطلق كل حين حول الدعم الغربي لحركات إسلامية متطرفة تفتقر إلى الإثباتات وصراحة التصريحات الرسمية، ولكنها في كل مرة تؤكد صحتها حين النظر إلى الخارطة السياسية ومسيرة الأحداث وتتابعها، وقد نتفاجأ بعد انقضاء الأحداث بسنوات طوال بتصريح منقول عن سياسي سابق يؤكد فيه صلة بلاده بحركات إسلامية متطرفة مصدقاً بذلك الأقوال والظنون، كما حصل في ثمانينيات القرن الماضي إبان اجتياح الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، كيف أن صلة الغرب بالحركات الإسلامية المتطرفة أصبح لا شك فيه عبر الحشد والتوجيه الإعلامي من قبل حلفاء في المنطقة لتحقيق مصلحة سياسية.

داعش

وتكرر السيناريو في السنوات الأخيرة ولكنه كان أشد وضوحًا مع الدولة الإسلامية في العراق والشام المسماة بداعش، التي كانت تتلقى كافة سبل الدعم بما في ذلك المقاتلين الذين كان يتم إعدادهم في تركيا التي تعتبر حليفة للغرب والزج بهم إلى سوريا للالتحاق بالدولة الإسلامية، ولكن النموذج في هذه المرة كان أكثر تطوراً وأكثر استغلالاً من النموذج السابق مع تنظيم القاعدة.

فكان تنظيم الدولة الإسلامية يحقق للغرب جملة مكاسب ويضرب للغرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولها كان المكاسب السياسية في دولة يتخللها صراع نفوذ دولي وإقليمي بخوض معركة بالوكالة، وثانيها كان تحقيقاً ودفعاً للعامة من المسلمين للتصديق بنظرية نيتشة التي بني عليها العالم الغربي وفكرة “قتل الإله” وإظهار تلك الطوائف تمثّل الإسلام الأول يشكّل دعوة للمسلمين بنكران الإسلام الأول والتنصل منه، وثالثها تشويه صورة الإسلام وصنع فوبيا إسلامية لدى المجتمعات الغربية التي يتزايد فيها اعتناق الإسلام يوماً بعد يوم، ورابعها صُنع فزّاعة للدول الحليفة في المنطقة محافظة بذلك على استمرارية معادلة النفط والحماية وصفقات السلاح، وربما تكون هناك أسباب أخرى.

إن الحركات الإسلامية المتطرفة لا تنتهي لأنها لم يرد لها أن تنتهي، وستستمر بالظهور طالما أنها تحقق مصالح ومكاسب لأطراف مختلفة، والمتناقضات الدينية أيضاً ستستمر بالظهور طالما أنها تحقق خلافات وفرقة وشرذمة، وستظل النار مشتعلة طالما هناك من يذكّيها، وسيظل المسلمون ينقسمون إلى طوائف متناحرة، بالرغم من أن كل هذه الطوائف قد تكون مقبولة عند الله، إلا أنها لا يمكن أن تكون مقبولة عند ذاتها.

فيديو مقال الإسلام والنظام العالمي، المستفيد الأكبر والخاسر الأكبر!

 

أضف تعليقك هنا