العوامل الاقتصادية المؤثرة على نشر الأخبار الصحفية

تؤثر عوامل اقتصادية داخلية أي من داخل المؤسسة الصحفية على اختيار وانتقاء ونشر المواد الإخبارية ومن أبرز هذه العوامل ملكية الصحيفة والوضع المالي للمؤسسة الصحفية ، وفيما يلي عرض مفصل لكيفية تأثير هذين العاملين في اختيار ونشر المواد الإخبارية في الصحف اليومية.

1- ملكية الصحيفة :

أثبتت التجارب أن هناك اختلافات ملموسة بين مستوى تمتع الصحفيين بحقوقهم في ظل أنماط معينة من الملكية الصحفية أكثر من سواها وخصوصاً ما يسمى بالملكية الاجتماعية وهي ليست ملكية الدولة أو الملكية الخاصة، ويمكن الاستشهاد ببعض التجارب في دول أمريكا اللاتينية، والواقع أنه لا يوجد نموذج عالمي قابل للتطبيق في كل المجتمعات والأزمنة ولكنها تجارب تستحق الدراسة للتعلم من إيجابياتها .

فهناك ثلاثة أشكال لملكية وسائل الاتصال الجماهيري ومن بينها الصحافة وهي ملكية الدولة مباشرة ، والملكية الفردية الخاصة ، ونمط ثالث وهو نمط الشركات العامة المستقلة إلى جانب الشركات التعاونية التي تعمل بشكل اقتصادي، وتختلف أنماط ملكية الصحف من بلد لآخر باختلاف النظم السياسية والاقتصادية وإن كانت معظم النظم تتبع أكثر من نمط من أنماط الملكية معاً ، فالشائع إذاً هو وجود ملكية مختلطة.

وترى الدكتورة عواطف عبد الرحمن أنه لا يمكن الارتكان إلى عنصر الملكية وحدها لضمان تحقيق الديمقراطية في مجال الاتصال عامة فضلاً عن ضمان حماية الحقوق المهنية للصحفيين. ففي بعض دول العالم الثالث فإن ملكية الحكومات للمؤسسات الصحفية يجعلها تستلهم معايير تقييم الأخبار والموضوعات الصحفية من وحي قرارات وسياسات وتعليمات الحكومة، وقد يتم هذا بصورة مباشرة من خلال مواثيق وتعليمات رسمية، وقد يتم بصورة غير مباشرة من خلال استيحاء رؤساء تحرير هذه الصحف لسياسة الحكومة ومن ثم تنفيذها.

ونظراً لأهمية ملكية الصحيفة بوصفها عاملاً من عوامل التوجيه التي تؤثر في طبعة المضمون فقط حدا ذلك بالحكومات أن تنظر بعين اليقظة للمشرفين على المؤسسات الصحفية والمالكين لها ، فمارست الرقابة بوسيلة أو بأخرى على الصحف، وأحياناً تأخذ هذه الرقابة شكل إعانة مالية لا تستطيع الصحيفة الاستغناء عنها ، ومن ثم لا تحيد قيد أنملة عن توجهات الحكومة.

ويمكن قياس خطورة الاستخدام السيء لملكية الصحف مما جاء على لسان جواهر لال نهرو الزعيم الهندي الراحل الذي قال أن شركات الأسلحة قاومت فكرة نزع السلاح بالصحافة وذكر أن المصانع الخاصة بالأسلحة اشترت الصحف للتأثير في الرأي العام بما يخدم مصالحها.ى وهكذا يؤكد خطورة سلاح المال في مجال الصحافة.

ويلخص الدكتور محمد فريد عزت تأثير الملكية على المؤسسات الصحيفة والإعلامية وإدارتها فيما يلي :

* يقرر مالك المؤسسة الإعلامية سياستها وأهدافها، ويقوم بتوجيهها سواءً كان هو مديرها أم لا .

* يقوم مالك المؤسسة الإعلامية بالإشراف على تعيين الموظفين وتحديد مسئولياتهم بغض النظر عن أهليتهم لتحمل المسؤولية .

* يتدخل مالك المؤسسة الإعلامية في إصدار القرارات حتى لو تعارضت مع قرارات المدير التنفيذي .

* يحدد مالك المؤسسة الإعلامية ميزانيتها مما يؤثر في نشاطها بوجهية التحريري والإداري .

2- الوضع المالي للصحيفة:

العلاقة بين القدرة الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية وبين مستواها الإعلامي علاقة واضحة إذ بقدر ما يتوفر دخل مستقل وقوي، بقدر ما تستطيع المؤسسة الإعلامية التحرك بحرية ، والتعبير بحرية أكبر وبقدر ما تكسب قراءة جدد.

وتعتبر دور الصحف منشآت اقتصادية كبرى ذات استثمار ضخم كما تعتبر الناحية الإدارية في الصحيفة ذات خطر كبيرة وتأثير بالغ على النشاط الصحفي، ولا يكفي توفر رأس المال والخبرة الفنية في التحرير والإخراج والطباعة وحرية الصحافة لنجاح الصحفية بل لابد أن تكون هناك إدارة ناجحة قائمة على أسس علمية.

ويجب أن تحقق هذه الإدارة العلمية مركز مالي للصحيفة يحقق لها الاستقلال الاقتصادي، ولن تتمكن الصحيفة من الوصول إلى هذا الاستقلال إلا إذا كانت تحقق ربحاً يمكنها من الاستمرار في الصدور، وتطوير الخدمة الصحفية بها، ومسايرة التطور العلمي والتكنولوجي في صناعة الصحافة في العالم دون الاعتماد على مصادر خارجية قد تقيد من حريتها.

وترى الدكتورة ليلى عبد المجيد أن من أبرز المشاكل الاقتصادية التي تواجه الاتصال الفجوة التي تظهر في كثير من الحالات بين التكلفة الكلية للنشاط الاتصالي وبين الدخل الذي يتحقق من مبيعات المنتج الاتصالي والإعلان وغيرها من مصادر تمول المشروع الاتصالي، وأن هذه المشاكل تزداد حدة مع ضخامة الموارد المالية والاستثمارات التي تحتاجها وسائل الاتصال الجماهيري لتصبح في مقدورها أداء عملها بالفاعلية المطلوبة.

وبالإضافة إلى ذلك يقع على عاتق المؤسسة الصحفية توفير الضمانات الاقتصادية للصحفيين والعاملين بها، وتتعلق هذه الضمانات بالمستوى التعليمي اللائق وتنظيم حقوق الصحفيين المالية والوظيفة التي تتصل بحق الصحفي في المعاش ومكافأة نهاية الخدمة، والضمانات الخاصة بمستوى الأجور والعلاوات وتنظيم ساعات العمل.

ويربط بعض الباحثين بين رضا الصحفيين عن رواتبهم ومكافآتهم، وبين نوعية أدائهم لعملهم الصحفي، فالصحفي الذي يعاني من ضعف راتبه قد يدفعه ذلك إلى القيام بأكثر من عمل مما يشتت جهده ، وينعكس ذلك على دقته وكفاءة عمله، ومن ناحية أخرى يرى البعض أن حصول الصحفي على راتب كبير يدفعه إلى تبني قيم النظام السائد وتخليه عن اهتمامات الجمهور.

وهناك عوامل اقتصادية خارجية أي من خارج الصحيفة تؤثر على عملية اختيار وانتقاء ونشر المواد الإخبارية في الصحف اليومية ومن أبرز هذه العوامل الإعلان التجاري والأوضاع الاقتصادية للمجتمع الذي تصدر فيه الصحيفة،

وفيما يلي عرض مفصل لهذين العاملين.

1- الإعلان التجاري :

مازال الإعلان على الرغم من كل ما حققه من انتشار وذيوع، واقتحامه لكل وسائل الاتصال ، من أكثر الأدوات والأساليب التسويقية والإدارية والاتصالية التي تتعرض للجدل والنقاش ، فكلما تعددت تعريفات الإعلان اختلفت الآراء والاتجاهات والمواقف حول جدواه للجمهور.

ويمكن تعريف الإعلان بأنه عملية نقل معلومات عن سلعة أو خدمة أو فرد أو مؤسسة أو غيرها إلى جمهور معين بغية التأثير على سلوكه لكي يتقبلها أو يقدم عليها وقد عرفت لجنة التعاريف التابعة لجمعية التسويق الأمريكية الإعلان بأنه :

هو الجهود غير الشخصية أو التي يدفع عنها مقابل بواسطة ممول معين لعرض الأفكار أو السلع أو الخدمات وترويجها.

والإعلان يدر على وسائل الإعلام دخلاً وفيراً إلى درجة تمكن القائمين على وسائل الإعلام من خفض تكلفة تلك الوسائل وتوفيرها بأسعار زهيدة في متناول الجمهور.

وذلك بالنسبة للصحف بالذات إذ لولا الإعلان ما تمكنت الصحف ان تكون أسعارها زهيدة – كما هي عليه في بعض الدول- باعتبار أن الجرائد تكلف كثيراً .

وقد أثبتت الدراسات أن إيراد الصحيفة من التوزيع لا يقوم إلا بثلث تكاليف الإنتاج وباقي الثلثين تحصل عليه من موارد أخرى مثل الإعلان ، ومن هنا تقع الصحيفة تحت سيطرة المعلنين وأصحاب رؤوس الأموال.

ودخول الإعلان في حياتنا وتفاعله مع كل مظاهر هذه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قد أثار كثيراً من الانتقادات حيث لم تلق رسائله ووسائله كل الرضا من كل فئات المجتمع ، وسارعت الأنظمة المختلفة لوضع القيود والضوابط المنظمة لهذا التفاعل باعتبار أن المستهلك هو الضحية في نهاية الأمر .

وتقول الدكتورة أميرة محمد العباسي أن عملية صنع القرار في المؤسسة الإعلامية يخضع للعديد من المؤثرات التي يكون الإعلان واحداً مهماً منها ، بل ويضيف بعداً جديداً فاعلاً في تحديد مخرجاتها . وقد يلجأ بعض صانعي القرار في المؤسسات الإعلامية إلى رفع سعر الإعلانات لتغطية زيادة الأجور، وفي إطار ذلك قد يرحب المحرر بنشر المادة الإعلانية على حساب مادته التحريرية أملاً في زيادة الإيرادات الإعلانية لصحيفته .

وترى الدكتورة عواطف عبد الرحمن أن هناك آثاراً سلبية عديدة للإعلانات على الوظائف الإعلامية والثقافية والأدوار السياسية والاجتماعية للصحافة، فهي تحرم القراء من حقوقهم الإعلامية والثقافية فضلاً عن دورها في إفساد الصحفيين وتحويلهم إلى أبواق لشركات الإعلان بتسخير المادة الصحفية لخدمة الأهداف التجارية لهذه الشركات، علاوة على ما تسهم به الرسائل الإعلانية في خلق أنماط استهلاكية معادية للاقتصاد الوطني في الدول النامية الفقيرة.

2- الأوضاع الاقتصادية للمجتمع :

يؤثر الاقتصاد تأثيراً مباشراً على الإعلام ، فالدول الغنية بإنتاجها واقتصادها، يكون لذلك انعكاسه على نظامها الإعلامي، من حيث القوة والتقدم، وقد أدى تطور الاقتصاد وما يرتبط به من تقدم تكنولوجي إلى التطور في وسائل الإعلام والاتصال العالمية ، الأمر الذي جعل الحصول عليها أو استيرادها أو تصنيعها يحتاج إلى أموال طائلة ، وهكذا انعكست درجة التقدم الاقتصادي على الاتصال الدولي، حيث سيطرت الدول الأكبر تقدماً على وكالات الأنباء العالمية المؤثرة .

وفي تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة أن أكثر الصحف والمجلات والدوريات تنشر في الولايات المتحدة أكثر من أي دولة في العالم وأنها تمتلك أكبر الوكالات العالمية للأنباء وأكثرها توزيعاً محلياً وعالمياً وهما وكالتي أبناء الأسسوشيدتدبرس واليونايتد برس إنترناشونال.

وكشفت الحرب اللبنانية ( في الثمانينات ) مدى تأثير العامل الاقتصادي في الإعلام إذاعة وصحافة، فقد توقف عدد كبير من الصحف عن الصدور بفعل تلك الحرب التي حرمتها مصادر اقتصادية كثيرة، وقد ازدهرت الصحف في المقابل عندما توفرت لها موارد اقتصادية بعد انتهاء الحرب فالعلاقة تبادلية بين رواج وسائل الإعلام واتساعها وبين المناخ الاقتصادي العام وتقدمه من ناحية أخرى.

ومما لا شك فيه إن استخدام وسائل الإعلام يزداد بزيادة الدخل الاقتصادي، فأصحاب الدخل العالي يميلون إلى قراءة الصحف والمجلات والكتب أكثر من أصحاب الدخل المحدود، كما أن الوضع الاقتصادي العام للأفراد في المجتمع يؤثر على عملية سريان وتناقل المعلومات، ففي مجتمع يعاني غالبية سكانه من حالة فقر عام وجمود في الحراك الاجتماعي واستحواذ قلة من سكانه على غالبية الدخل فإننا نجد جل ما يشغل بال أفراد هذا المجتمع هو كيفية مواجهة نفقات أسرهم وتتضاءل لديهم الرغبة في الحصول على المعلومات أو التعرض أصلاً لوسائل الإعلام.

فيديو المقال العوامل الاقتصادية المؤثرة على نشر الأخبار الصحفية

 

أضف تعليقك هنا

د. الامير صحصاح

د. الأمير صحصاح