خيط من أمل

حروب ودمار

هكذا كانت القصة، لم تكن كباقي القصص، حيث عاش الناس بأمان ومن ثم جاءت تزحف إليهم قوى الشر، قصة بدأت بقنابل سببت الامراض، احتوت على اليورانيوم، رحل في تلك الحرب من رحل، ومن بقي فرح بنجاته، كان يريد ان يروي قصته لابنه وكيف نجى من تلك الحرب، كان يريد ان يتسامر مع ابنه في ليلة صافية والنجوم تلمع في السماء، ليحدثه عن تلك الليالي الباردة الطويلة، والظلام القاتل، حيث تشرق الشمس في منتصف الليل، عندما ترمي طيور الظلام قنابلها دون ان تكترث لصغير او امرأة، لعجوز او شاب مسالم، كانت هذه امنيته بعد ان انتهت الحرب.

الطفل الذي تمنوه طويلاً اتى، وهو يحمل صفات ابويه، ومعها شيء من الاشعاع، والتلوث البيئي الذي عاشا فيه في زمن الحصار، جاءهم وهو يحمل في احشائه ما خلفته تلك الحروب.

السنة الأولى ابتدائي

عندما بلغ الطفل السعيد عامه السادس، واشترى له جده ملابس المدرسة، وأمه اشترت له القرطاسية الملونة والمزينة، وابوه اشترى له الحقيبة وربطة العنق الانيقة، ليزين بها ويظهر في شارعهم كعريس، لا كطالب في السنة الأولى ابتدائي.

وفي وقته المحدد، خرج من بيته متوجهاً الى مدرسته وأمه تصاحبه والابتسامة لا تفارق محياها، وحلمها يتحقق، وترى ابنها في اول خطوات حياته، وتتخيله شيئاً مهماً وكبيراً في المستقبل، حتى انها زوجته وحملت احفاده في هذه المسافة التي تكاد تكون قصيرة، ما بين البيت والمدرسة، وكباقي الأيام الجميلة، مضت الأسابيع الأولى سريعاً، والابن المدلل يبرز في صفه، انه متفوق على اقرانه.

وفي صباح أحد الايام حينما كانت الام تتناول فطورها المتأخر قليلاً، وإذا بالباب تطرق سريعاً وطويلاً، انه احمد صديق ابنها العزيز، جاء ليخبرها ان ابنها أغمي عليه في المدرسة، ونقلوه الى المستشفى، ومن هنا انتهت القصة، نعم انتهت، لأنها لم تستطع البدء اصلاً.

فحوصات ومراجعات، ومن مكان الى اخر ومن طبيب الى اخر، وعلى عكس عاداتنا العربية في ان نكون مختلفين فيما بيننا، اجتمع جميع الأطباء على ان يقولوا نفس الكلمة، ان هذا الولد مصاب بالسرطان.

مسيرة العلاج

والتحدي للبقاء، وصورة الابوين الحزينين، وهما يشاهدان ابنهما الوحيد بين يدي عدوٍ لا يعرف الرحمة، وهو يصارع كالمجالد، يعتقد بان الطبيب سيرسل الدواء الى عقر دار السرطان، ويخدعه كما خُدعت طروادة بالحصان الخشبي، لينزل أخيل ومن معه، وينتصروا في هذه الحرب، لكن أخيل كان كثيراً ما يخذل هذا الولد، وتنكشف خطتهم ويذهب حصانهم ادراج الرياح.

كان الاب يحاول ان يتسامر مع ابنه، ولكنه لم يستطع ذلك، لان الدمعة دائماً ما تكون واقفة على طرف عينه، اما الام فعادتها ان تلاعب ابنها بتحريكها وتصفيفها لشعره الطويل الجميل، ولكنه بات اليوم بلا شعر، جده حزين جداً، وأصبحوا يتمنون لابنهم الموت، على ان تستمر حياته بهذه المعاناة الطويلة.

مضت الأيام ومازال يتعالج ويصحوا ومن ثم يعود الى الفراش، كان في المستشفى يركز على ما يقوله الأطباء من مصطلحات طبية باللغة الأجنبية، عن حالته وعن حالات غيره من الأطفال، ومن خلال التكرار أصبح يعرف الى أي دواء يحتاج، ولم تعد لغتهم الطبية تخفى عليه، لقد فك الشفرة، وتعلم وهو في فراشه معاني الكلمات، واعتاد ان يترك فراشه بين الحين والأخر، ليذهب الى طفل اخر قد زاره الأطباء مؤخراً، ويواسيه ويشاهد معه فلم كابتن أمريكا، ويبقى معه لأنه علم بانه سيغادر هذه الحياة وهو لم يعرف منها سوى درب المشفى والم المرض ومعاناة العلاج، كان يودع اقرانه بهذه الطريقة، منتظراً ساعته الأخيرة ليلتحق بهم، على امل ان يستطيع ان يلعب معهم الكرة في الحياة الأخرى دون مرض.

ومن بين العشرات من الأطفال، كتبت لأحدهم السلامة والشفاء من مرضه، شعر حينها بان هناك باب كان امامه وهو لم يطرقه ابداً، انه الامل، باب كأنه طائرة ورقية فيها خيط، وعليه ان لا يترك هذا الخيط، لأنه خيط امل، امل ليتعافى من مرضه، وامل ليستمر في حياته.

الأمل

تأخر كثيراً ليستوعب الفكرة، عاش حياته وهو ينتظر، ونسي ان يتمسك بخيط الامل، كانت الفرصة أقرب له لجلب الامل الى احضانه، ولكنه في فترة من الفترات يئس من الشفاء، وأهله كذلك، يئسوا من الدواء والأطباء، ولم يعودوا يشعرون بان دعائهم له او عليه فيه فائدة او رجاء، حتى جاءت اللحظة الأخيرة والحاسمة.

أعلن الطبيب عن وفاة الطفل في صباح يومٍ ممطر، وهو يروي لهم ما صنعه قبل موته، لقد ودع الجميع، حتى كادر المشفى، ومنع الأطباء من الاتصال باهله، كان يخشى عليهم ان يحزنوا ويتألموا، فقرر ان تكون اخر ليلة له مع زملائه من المرضى وهو يتكلم معهم كلماته الأخيرة:

“ارجوكم جميعاً ان لا تكونوا مثلي، فقد تشبثت باليأس ونسيت الامل، فتمسكوا بخيط من امل ولا تقنطوا من رحمة الله”.

ليرحل كما يرحل المئات من الأطفال نتيجة هذا المرض الخبيث، وهم متألمون وحزينون، وكل ما يحتاجونه هو بسمة وعناية وبصيص امل، ويحتاجون الى من يعلمهم كيف يستغلون ايامهم المعدودة ويعيشون حياتهم بطريقتهم الخاصة، وان لا يشعرهم المحيطون بهم بعجزهم، وان يظهروا لهم الابتسامة دوماً وابداً.

الى مرضى السرطان، مع امنياتي للجميع بالشفاء العاجل، والصبر على هذا المصاب، وان يحشر من صرعه هذا المرض الى جنان الخلود والبقاء.

تنويه:

القصة لا تتكلم عن شخص معين او حالة معينة واي تشابه في احداثها مع قصص أخرى فهو من محض الصدفة.

والحمد لله رب العالمين

فيديو المقال خيط من أمل

 

أضف تعليقك هنا

نجم الجزائري

السيرة الشخصية:
نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها.

مهاراتي:
* اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات
* اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي
* اصمم مواقع الكترونية بسيطة
* كاتب مقالات عامة
* اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس
* اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط
*