متى يدركون أن “الشعوب لم تعد قاصرة” ؟

وعي الشعوب

يتعامل البعض من الساسة وصناع القرار مع شعوب العالم العربي، وكأنهم قصر أو يعانون من تأخر في الفهم أو أنهم أطفال يسهل خداعهم، ولدغهم من نفس الجحر عشرات المرات، يظن هؤلاء أنهم بحزمة من الفضائيات متنوعة الأهداف وبشبكة من المواقع الإلكترونية، وبطوفان من مواقع التواصل الاجتماعي، وبجيوش إلكترونية جرارة من “المرتزقة” سيشكلون “وعي الشعوب”، ويحددون أولوياتها, بحيث يوجهونها إلى حيث يريدون !.

لذا فهم يبحثون دائمًا عن الإعلام، فهم يدركون أنه وسيلة السيطرة على الشعوب، سواء تقدمت هذه الشعوب أو تخلفت، ولكن كلما كانت هذه الشعوب تعاني من الجهل والأمية الدينية والثقافية، استطاع هؤلاء أن يتحكموا بهم ويسوقونهم كالقطعان، وبالطبع لا ينسى هؤلاء ومن يدور في فلكهم في زمن السماوات المفتوحة، أن يقوموا بشيطنة القنوات الأخرى التي تفضح سلوكياتهم وسياساتهم الكارثية الاستبدادية والظلامية.

الإعلام الشمولي

يتعامى هؤلاء ومن سار على دربهم أو كان من شيعتهم أن العصر قد تغير، وأن زمنهم قد ولى، وأن الإعلام الشمولي الذي بدأ سحره منذ خمسينيات القرن الماضي، ظهر عواره وبان تزويره مرارا وتكرارا، وظهر جليا بأن هذا الكتالوج الفاشي الاستبدادي الموجه لم يعد ينطلي على غالبية الشعوب وخصوصا فئة الشباب والفئات التي تكتوي بنار الفقر والغلاء والتهميش والاستبداد.

صحيح أن هؤلاء الساسة تطوروا مع الزمن وحاولوا التماشي مع العصر، واستخدموا التقنيات الجديدة ووسائل الإعلام الحديثة بأنواعها، إلا أنهم تناسوا أن الشعوب أصبح لها إعلامها الذي تصنعه بنفسها، إعلام من وسطها يفضح من يحاول خداعها أو يحاول تزييف وعيها، إعلام يكشف الفساد والفاسدين، ويكشف كل من يقف وراء رهن مقدرات ومليارات الشعوب المسكينة للخارج والقوى الكبرى.

ولهذا فالإعلام الرسمي الموجه، حتى لو انطلى بعض الوقت على فئة ما من الجمهور فإنه سرعان ما يظهر عواره، وتظهر الحقائق جلية واضحة ناصعة أمام العالم أجمع.

وقد ظن هؤلاء أن بإنفاقهم المليارات على فضائيات إلهاء الشعوب، أنهم سينجحون في مخططاتهم لتزييف وعي الشعوب، وقد أثبتت التجارب في عصرنا الحالي أن هؤلاء قد  فشلوا فشلا ذريعا!.

وعلى سبيل المثال

خرج علينا من يقول بسذاجة لا نظير لها في الإعلام الرسمي العربي، أن المسجد الأقصى المبارك يقع في الطائف، وقد وعت الجماهير سريعا على مختلف تياراتها الأيديولوجية أن هذا الشخص مخادع وأنه مجرد أداة لمحركيه من وراء الستار، فمن جهة يتم إثارة بلبلة فكرية للتغطية على الفشل الاقتصادي في غالب هذه البلدان، ومن ناحية أخرى هي محاولة إضعاف الرابطة بين المسلمين والمسجد الأقصى في القدس المحتلة، ومن جهة ثالثة إرسال رسالة للمحتلين بأننا على استعداد لصفقة القرن !.

كذلك فوعي الشعوب يستطيع اليوم أن يفرق بين المشروعات الاقتصادية التي تخدمه وبين تلك الأخرى التي لا هدف منها سوى تخليد اسم شخص أو فئة أو إنها وسيلة لـ “نهب ثرواته” بطريقة نظامية !، كما أنه يستطيع التفرقة بين الرؤى السياسية الوهمية التي تطلقها بعض الدول لتخدير شعوبها وبين الرؤى الحقيقية.

الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان

وقد قال المفكر الإصلاحي عبد الرحمن الكواكبي قديما، إن “الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حقه مطيع”، وهذه كانت مهمة الإعلام الرسمي مع الشعوب العربية طوال عقود ماضية، قبل ظهور الإعلام البديل، فبعده لم يعد من السهل أن يقوم الحاكم بفرض إرادته الشخصية على الشعب الذي يحكمه،  وكل من يصطف ضد الشعوب نصرة للحاكم المستبد فإنه يحرق نفسه إلى أبد الدهر، وعلى الجميع أن يعوا أن الزمان قد تغير.

فيديو متى يدركون أن “الشعوب لم تعد قاصرة” ؟

أضف تعليقك هنا

محمود رأفت

محمود رأفت

كاتب وباحث عربي