التكامل الاقتصادي بين “دولتي السودان”ضرورة حتمية لمصالح الشعبين

الاقتصاد في الدولتين

يواجه الاقتصاد في الدولتين في الوقت الراهن مجموعة كبيرة من الأخطار والتحديات التي تتطلب إعطاء العمل المشترك دفعة قوية تتناسب مع مستوى هذه التحديات والأخطار والتي تمكنه من مواصلة العمل الجاد والطموح لتحقيق التكامل الاقتصادي التي تستهدف في المقام الاول إشباع حاجات المواطنين الاساسية ورفع مستوى معيشتهم و أمنهم واستقرارهم و لايتسنى ذلك إلا من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدولتين وهذا التكامل يقودنا إلى أهمية قيام السوق المشتركة بين الدولتين وتفعيل القرارات الاساسية لمواجهة تلك الاخطار والتحديات، على الرغم من ذلك نجد أن هنالك أسباب كافية للتعاون بين مواطني الدولتين منه، ان الدولتين كان دولة واحدة، وعلى الرغم من وجود الكثير من القواسم المشتركة بين شعبين الدولتين كاللغة والتاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية الوثيقة سواء القبلية أو العائلية.

فبعض الدول التي حققت مراحل متقدمة جدا من التكامل الاقتصادي وأصبحت مثالا يحتذى به في التكامل على المستوى العالمي، لا توجد بين دولها نصف ما توجد من العناصر التي تجمع الدولتين، فبعضها ليست لها لغة مشتركة، وليس لها تاريخ مشترك، بل أن تاريخها موسوم بالحروب الطاحنة على مدى القرون، والتي كانت آخرها الحرب العالمية الثانية.

ولكن إذا نظرنا إلى دولتي السودان نجد هناك الشروط الكافية والضرورية لتحقيق التكامل، علما بانه قد كان للدولتين الرغبة في تحقيق التعاون والتكامل الاقتصادي منذ التوقيع على اتفاقية الحريات الأربعة بينهما في مارس من عام 2012م ، وعلى الرغم من ذلك فقد تعطل مشروع الحريات الأربعة لأكثر من ستة سنوات نتيجة للخلافات السياسية بين الدولتين من جهة، ونتيجة لانشغال جنوب السودان بالحروب الأهلية والصراعات السياسية، من جهة أخرى.

ومما لاشك فيه ان هناك حيزاً مشتركاً للمصالح الأمنية والإنمائية بين الدولتين لضرورة التعاون بشكل أو آخر وذلك بحكم التاريخ المشترك وتنوع الموارد والثروات الاقتصادية واختلاف مستويات التطور الاقتصادي وذلك في إطار التعاون الاقتصادي الجزئي او التكامل الشامل من خلال تنمية التبادل التجاري لتعزيز وتقوية العمل المشترك، ولذا يبقى التطبيق العملي هو الفيصل في الحكم على مدى جدوى الامر الذي يحتاج إلى إدارة سياسة تؤمن بضرورة التكامل والعمل الاقتصادي المشترك وان مصالح الدولتين يمكن أن تتواءم حتى يتمكنوا من مجابهة الأخطار والتحديات التي تواجه الدولتين في الوقت الراهن، وهذا كله يحتاج إلى إرادة سياسة من قبل المسؤولين السودانين في الدولتين وذلك من خلال النظر إلى مصالح شعبيهم.

أمل السودانين في دولتين شمالاً وجنوباً

ولكن على الرغم من الإحباط الذي نعايشه بصورة يومية من قبل القائمين بإدارة الدولتين، لا يزال أمل السودانين في دولتين شمالاً وجنوباً في أن تنصهر الدولتين في كيان اقتصادي واحد ينتقل فيه المواطنين بكل حرية للعمل والاستثمار، وهي المرحلة التي تتطلع اليه شعوب الدولتين بشغف لرؤية قيام السوق المشتركة والتي من المتوقع أن تحدث نقلة نوعية في العمل المشترك.

فالسوق المشتركة سوف تساهم بشكل كبير في تحقيق التقارب بين الدولتين وتؤدي إلى استغلال أفضل للموارد الطبيعية والمالية والبشرية في الدولتين بشكل يساهم في رفع المستوى المعيشي للمواطنين ،علي رغم من ذلك فان هناك عددًا من العوامل التي أدت إلى تعويق تطبيق الحريات الأربعة و التكامل الاقتصادي بين الدولتين، وعلى رأسها العوامل السياسية، والتي تتعلق بعدم توافر الإرادة السياسية، والتي تضمن التزام الدولتين بكافة القرارات التي تعمل على تنفيذ الحريات والتكامل ووضعها موضع التطبيق، والمتابعة المستمرة لها، وتطوير أساليب العمل، وضمان استمرار فعاليته.
ومن أبرز مظاهر ضعف الإرادة السياسية، ان الدولتين لم يعطِ مؤسساتها، الدور أو القدرة اللازمة لتفعيل العمل المشترك بينهما ، بالإضافة إلى المشكلات البينية القائمة لدى الدولتين في بعض القضايا العالقة التي تتمثل في ترسيم الحدود والمناطق المتنازعة عليها.

ولذلك يمكن القول لتفادي تلك المشاكلات لابد من العمل علي تغليب المصالح الاقتصادية على الخلافات السياسية،و الاستفادة من تجارب الدول التي حققت مراحل متقدمة من التكامل الاقتصادي، وأخذ العبر من الدول التي فشلت في تحقيق أي تكامل فيما بينها، والتي أصبحت عرضة للأزمات المالية الاقتصادية والسياسية. والعمل علي تقوية البناء القانوني والمؤسسي الضروري للتكامل الاقتصادي، و إعطاء الدور الأكبر للقطاع الخاص في تحقيق التكامل الاقتصادي، وذلك من خلال إشراكه في المفاوضات التجارية، وتشجيعه على الاستثمار في الدولتين .

ولكن على الرغم من وجود الأسباب الحقيقة التي تفسر عدم تنفيذ قرارت العمل الاقتصادي بين الدولتين ولكن تبقي خيار التكامل الاقتصادي بين الدولتين ضرورة ملحة في الوقت الراهن لمصالح الشعبين .

‎جون ديفيد لام أتونق

باحث واكاديمي بمركز دايفرسيتي للدراسات الاستراتيجية – جوبا

[email protected]

فيديو التكامل الاقتصادي بين “دولتي السودان”ضرورة حتمية لمصالح الشعبين

أضف تعليقك هنا

جون ديفيد لام أتونق

جون ديفيد لام أتونق

‎باحث واكاديمي بمركز دايفرسيتي للدراسات الاستراتيجية - جوبا
جنوب السودان