سأتحدث اليوم عن الفراق، سواء كان فراق الشخص بين الرحيل الاضطراري أو الخيانة و فراق الموت الذي نتأكد من عدم عودته مرة أخرى،
لماذا لا يبقى الحال على ما هو عليه ؟
فبعد الغربة تأتي المودة و الصدق و الثقة ثم الصداقة، ليصبح الغريب قريب، فنرى فيه هو بئر أسرارنا التي لا نحكيها حتى لأنفسنا، نتجه نحوه في المصائب و الأفراح، حتى يصبح سندنا، لكن في بعض الأحيان … تأتي الرياح بما لا تشهي السفن، فيضطر الشخص للرحيل.
ربما لأنه يبحث عن فرص أخرى لإثبات ذاته، فيبقى الاتصال في الأول ثم يقل ليصبح الاعتياد على الحبيب الغريب، ليقل الاشتياق و يكثر الانشغال بأشياء أخرى، كزحمة الحياة، و ركام الأمل المقفول عليه، نجد من الأحسن ألا ننتظر القريب الغريب، هذا النوع الأول من الفراق،
أما الثاني …
فهو الخيانة حيت يصبح أعز أصدقائك ألذ أعدائك، هنا جميع الأسلحة متاحة، كل شيء مشروع في الحرب، ذاك سوء التفاهم يصبح حقدا، فيراك كشخص تأخذ حقه، و أنت تراه كمجرم أكل لحمك، فهناك استثناءات كالمنافق، الشخص الذي يريك الجميل و يقول عنك ما ليس فيك، فيصبح للضرورة أحكام، إما الخيانة أو الخيانة، هنا يجب أن نتعلم أن الأيام كفيلة بأن تنسيك الفراق الأول و الثاني، لتلمحهم دون أن يؤثر عليك غيابهم.
أما الثالث …
فهو أعظمهم بل أكثر أذية على قلوبنا، لدرجة معزة الشخص الآخر، فالموت هو أنك تتأكد من أن الشخص الآخر لن يعود، لن تراه إلا في أحلامك، فتصبح صورته هي الملاذ الوحيد، بل هي ما تشعرك بالراحة، لمجرد الحديث معها، لأنك تحس بمكانته التي تركها في قلبك، ترى أنك يجب أن تدعوا له بالمغفرة.
لكننا …
ما زلنا نشتاق لأشخاص تغربوا عنا، وإخوة سافروا للبحث عن ذاتهم، فيصيبنا الحنين، و أشخاص دفنوا اشتقنا إلى السؤال عنهم وسؤالهم عنا، فالفراق شر لابد منه.