صعود أمة وهبوطها فى قصر فرساي

أوروبا فى عصرها الحديث

شهدت أوروبا فى عصرها الحديث عدة منازاعات وحروب قسمتها أحيانًا وأوجدت فيها دولاً وأخفت أخرى وما إن ينتهي نزاع حتى يطل برأسه نزاع آخر

وكل نزاع تقعد بعده معاهدة ويظن الشعب أن الحروب قد انتهت لكن الحقيقة التى يعرفها السياسيون تكون مغايرة فالمعاهدات تعقد تبعًا للمصالح ومقتضيات الأحول وما أن تتغير المصالح وتتبدل الأحوال إلا وينشأ النزاع ويبتعد السياسيون حتى إذا ما وضعت الحرب أوزارها يعودون للصورة من جديد بصلح قصير العمر.

وبالطبع لم تكن النزاعات الكثيرة التى شهدتها أوروبا فى عصرها الحديث بنفس القوة وإن قسناها بالزلازل فسيكون لبعضها قوة واحد ريختر وللبعض الآخر قوة 10 ريختر زلزال كاسح مدمر.

الثورة الفرنسية وفترة الحروب النابليونية

ولعل أول زلزال من النوع الثاني شهدتها أوروبا كان الثورة الفرنسية وفترة الحروب النابليونية والفاصل فى تلك الفترة ليس الحروب التى شنها نابليون واجتاح على إثرها أوروبا وحطم النظام الدولي الموجود حينئذ بل الفاصل الأقوى كان فيما خلفته الثورة الفرنسية من أفكار لدى عموم الأوربيين وخاصة ظهور فكرة القومية ومحاولة كل مجموعة متقاربة من شعوب أوروبا الاتحاد والحصول على كيانها الخاص فبدأنا نرى توجه شعوب كثيرة نحو نيل وحدتها وإبراز كيانها مثل الشعب الإيطالي والألماني .

وإن كانت ألمانيا هى آخر الدول الأوروبية -تقريبًا- بحثا عن وحدتها لظروف معينة وإن كان الشعور القومي الأماني قد تغلب فى النهاية وتحققت الوحدة الأمانية من مختلف الأقاليم التى تضم الألمان فى أرجاء أوروبا.

وكان مهندس تلك الوحدة هو السياسي الألمانى العظيم أوتو فون بسمارك الذى شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا وقد سعى بسمارك نحو توحيد كل الألمان تحت تاج الملك فيلهلم الأول وقد استغل بسمارك كل إمكانته فى تحقيق تلك الوحدة متجنبًا الحروب قدر الإمكان ومعتمدًا على الدهاء السياسي وحده وعقد المعاهدات بين دول متخاصمة لصالحه هو فقط ومن تلك المعاهدات ما كان سريًا ومنها ما كان علنيًا فقد كان الرجل وهو سائر لتحقيق هدفه متجنبًا للحروب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ومغلبًا الشعار الميكافيللى الشهير “الغاية تبرر الوسيلة” ومع ذلك فقد اضطر لخوض ثلاثة حروب وهو يحقق وحدة الشعب الألماني وكان آخر تلك الحروب الحرب الفرنسية البروسية والتي اشتهرت بالحرب السبعينية لأنها وقعت سنة 1870م وكان من نتيجة تلك الحرب القصيرة المدى أن سقطت الإمبراطورية الفرنسية تحت أقدام الجيش الألماني وأُسر الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث .

ودُعي الملك فيلهلم ليعتلي العرش الألماني بلقب قيصر أمانيا وتُوج رسميا فى يناير من عام 1871م فى قاعة المرايا بقصر فرساي الفرنسي وهكذا كُتب شهادة ميلاد الرايخ الألمانى فى ذلك القصر الفرنسي ….

معاهدة فرساي

ومضت السنوات وابتعد بسمارك عن عالم السياسة وتوفى بعدها بقليل وألقي زمام أمور الأمة الألمانية فى يد القيصر فيلهلم الثانى والذي اندلعت الحرب العالمية الأولى فى عهده وخاض غمارها محالفًا للنمسا وللدولة العثمانية وكانت نتيجة الحرب فى غير صالحه وهُزمت ألمانيا وكان عليها تسوية أمورها مع الدول المنتصرة وكانت التسوية التي ألت ألمانيا وقسمتها وجعلتها تركع على ركبتيها وهى التسوية المشهورة بمعاهدة فرساي

نعم فرساى فقد اختارت الدول المنتصرة أن تكتب شهادة وفاة الرايخ الثانى للإمبراطورية الألمانية فى نفس المكان الذى كُتبت فيه شهادة الميلاد وفى نفس القاعة أيضًا فقد تم اختيار قاعة المرايا حيث نشأت الإمبراطورية الألمانية لتكون هي القاعة التى تم توقيع معاهدة فرساي فيها وقد قضت تلك المعاهدة بتنازل ألمانيا عن أجزاء كثيرة منها فقد تنازلت عن ثلاث مدن لبلجيكا وأخرى للدنمارك وردت الألزاس واللورين لفرنسا كما أعطت بروسيا الغربية لدولة بولندا وشرطت المعاهدة كذلك على ألمانيا بنزع المنطقة شرق الراين من السلاح وإخلاء المنطقة غربة من أى حصن عسكري وفقدت ألمانيا مستعمراتها الأفريقية التى توزعتها كل من فرنسا وبلجيكا وبريطانيا.

وهكا قضت تلك المعاهدة على عظمة الإمبراطورية الألمانية واضطر القيصر فيلهلم الثانى للتنازل عن عرشه وترك بلاده التى تحولت لجمهورية

وهكذا كان محل الميلاد هو محل الدفن ومحطة البداية هى نفسها محطة النهاية فى قصر فرساي

فيديو صعود أمة وهبوطها فى قصر فرساي

أضف تعليقك هنا