مراكش عاصمة الغرب الإسلامي بين النشأة والتطور

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد ،، فقد شهد الغرب الإسلامي بروز العديد من الحواضر الثقافية والعلمية ، وكان بعضها يمثل نقطة الانطلاق في نشر الإسلام الصحيح واللغة العربية ، إضافة لتثبيت أركان الفتح الإسلامي في الشمال الإفريقي ، وبدت لنا أهمية تلك المدن ذات الطراز الإسلامي في النشأة والبناء، وما خلفته من مشيدات شامخة تبرهن على عظمة بعض تلك العصور والحقب المتعاقبة ، ومازال يحتفظ معظمها بهذا الإرث الحضاري العظيم.

مدينة القيروان

وتعد أشهر تلك الحواضر مدينة القيروان التى أسست على يد القائد عقبة بن نافع الفهري سنة (50 هـ/ 670م). ويرجع أصل تسميتها إلى اللفظ الفارسي (كيروان) وتعني المعسكر ، أو المكان الذى يدخر فيه السلاح ، فمنها خرجت الجيوش الإسلامية لاستكمال مراحل فتح بلاد المغرب الأوسط (الجزائر) والأقصى (المغرب) وإسبانيا وأفريقيا ، وكانت مركز حربيا مهما ونقطة إرتكاز إساسية لنشر اللغة العربية التى صاحبت الفتوح . وظلت هذه المدينة حوالى ما يقارب أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس.

مدينة مرّاكش

وتلى بناء القيروان نشأة عدة مدن إسلامية لا تضاهيها أهمية ومكانة ورونقا جماليا ، ومن أهمها مدينة مرّاكش . وكان ذلك تطورًا طبيعيًا ملائما للتوسعات الإسلامية والفتوح بل أصبحت محطة مهمة لجذب أولئك البربر وقبائلهم للإسلام . وذلك من خلال التعرف على القيم والمبادئ الدينية الصحيحة التى نشرت بفضل الدعاة والمؤسسات الثقافية ؛ ومن أهما المدارس والمساجد والكتاتيب والأربطة ، بل واتضح دورها جليًا في محاربة كافة أشكال الوثنية والتطرف والغلو ، واسهمت بشكل مباشر في القضاء على الجهل الذى ساد وسط وغرب أفريقيا .

النشأة والبناء :

مدينة مرّاكش : بالفتح ثم التشديد، وضم الكاف، وشين معجمة ، قال عنها ياقوت الحموت :

أنها أعظم مدن  بلاد المغرب وأجلّها وبها سرير ملك بني عبد المؤمن، وهي في البرّ الأعظم بينها وبين البحر عشرة أيام في وسط بلاد البربر، وكان أول من اختطها يوسف بن تاشفين من الملثمين (المرابطين) الملقب بأمير المسلمين في حدود سنة 470هـ/ 1077م ، وبينها وبين جبل درن الذي ظهر منه ابن تومرت المسمى بالمهدي ثلاثة فراسخ وهو في جنوبها، وكان موضع مرّاكش قبل ذلك مخافة يقطع فيه اللصوص على القوافل، كان إذا انتهت القوافل إليه قالوا مراكش معناه بالبربرية أسرع المشي، وبقيت مدة يشرب أهلها من الآبار حتى جلب إليها ماء يسير من ناحية أغمات يسقي بساتين لها، وكان أول من اتخذ بها البساتين عبد المؤمن بن علي، يقولون إن بستانا منها طوله ثلاثة فراسخ.

امتداد مملكة مراكش :

ولأهمية هذه المدينة وعظم قدرها فقد ظلت حتى عهد قريب تطلق بصفة عامة على بلاد المغرب العربي ، وبقيت تحمل هذا الاسم أثناء وقوعها تحت الحماية الفرنسية 30 مارس 1912م ، وأيضا في العصر الحديث . وقد وصفها مرمول كاربخال بقوله :

” تشتمل مملكة مراكش على الجزء الغربي الواقع في أقصى بلاد البربر ، ويحدها من جهة الغرب المحيط الغربي ، ووادي سوس جنوبًا ، وجبل الأطلس شرقًا ، ونهر أم الربيع شمالا .  وتدخل في هذه الدائرة سبعة أقاليم ، هي : حاحا ، وسوس ، وجزولة ، ومراكش ، ودكالة ، وهسكورة ، وتادلا . وتمتد على طول الساحل ، من منازل ماسة ومصب نهر سوس ، الذي كان القدامى يسمونه سوريكة ، إلى مدينة أزمور ، حيث يصب نهر أم الربيع في البحر ، مكونًا المصب الذي يسمى حديثا مصب نهر أزمور وينحدر هذا النهر من جبل الأطلس الكبير ، الي يسمى دادس ، ويفصل هذه المملكة عن مملكة فاس”.

وقفة مع التسمية :

ترجع تسمية المدينة بهذا الاسم نسبة إلى الكلمة الأمازيغية (أمور ن أكوش) والتى تنظق أحيانا (أمور اكش) . وتعني بلاد الله حيث يستعمل الأمازيغ كلمة (تامورت أو أمور) التى تعني البلاد أو الأرض . وقد تباينت آراء المؤرخين حول تسميتها ؛ فمنهم ما يشير إلى أن “أكش” هو اسم إله قديم.

ويرى البعض أنها كانت مأوى للصوص وقطاع الطرق ، الذين ينقضون على القوافل التجارية الذاهبة إلى بلاد السودان ، وهي مكونة من مقطعين هما : (مر – كش) ومعناها (مر سريعا) باعتبارها مأوى للصوص ، وقد عمد التجار إلى مخاطبة بعضهم بالبربرية بهذه الكلمة (مر- كش) من أجل توخي الحذر والحيطة من أولئك اللصوص.

وقد عرفت مدينة مراكش بالعديد من الأسماء الأخرى ومنها: المدينة الحمراء، والسبب في هذه ذلك هو لون المباني التاريخية والمساجد الأثرية فيها ، والتي من المعتاد أن تكون مغطاة بطبقة من الطين تعطيها هذه السمة الفريدة ، ونظرًا لكثرة الأسوار الحمراء الموجودة فيها ، والتي تتميّز وتشتهر بها.

وتشتهر مدينة مراكش أيضًا بكثرة أشجار النخيل التي تملؤها، وبساحاتها الفسيحة، وبروعتها وجمالها، حيث إن فيها الكثير من المناطق الجميلة، فمدينة مراكش من أهم المدن السياحية في المغرب. وتتميز مدينة مراكش بسلسلة جبال أطلس التي تحيط بها، وتعطيها روعة وجمالًا فريدًا، كما تتميّز مراكش بكثرة الحدائق والمتنزهات التي أُسّست منذ زمن طويل.

أسباب بناء مرّاكش :

تعددت آراء المؤرخين بشأن دوافع البناء في المصادر المعاصرة لتلك الحقبة ؛ حيث ذهب فريق للقول بأن الأمير أبا بكر بن عمر اللمتوني عند خروجه من الصحراء – مقر لمتونة – استقر بمدينة أغمات ، وأمته وفود من أهل الصحراء حتى ضاقت بهم أغمات ، فضاق صدر أهالي أغمات بهم . فشكى أشياخ مدينة أغمات إلى الأمير ما لحق بهم . وسألوه أن يخفف عنهم هذا الضيق ، فقال لهم : “عينوا لنا موضعا نبني به مدينة – إن شاء الله – فتشاورا فيما بينهم ، وأجمعوا على أن يكون بناؤها بين مدية هيلانة وبلاد هزميره .

وبعد الاتفاق فيما بينهم جاءوا إلى الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني ، وقالوا له : قد نظرنا لك أيها الأمير موضع صحراء ، ووصفوه بقولهم : ” رحب الساحة واسع الفناء يليق بمقصدك” ، وقالوا له : نفيس جانبها وبلاد دكالة فدانها وزمام جبل درن بيد أميرها” . فركب الأمير ومعه أشياخ قومه وأشياخ المصامدة وبعض العامة ، وساروا إلى استطلاع موضع المدينة الجديدة (مراكش) ، وفى سنة (462هـ/1070م) شرع الناس في بناء المدينة . وفي هذا الصدد أورد ابن أبي زرع رواية مفادها انتقالهم لمراكش عقب شرعهم في بنائها حيث قال : ” ثم بنوا مراكش ، وانتقلوا اليها لقربها من بلادهم بلاد القبلة “.

بينما ذهب فريق آخر من المؤرخين لابعد من ذلك معللا الدافع بأنه تيمنًا بمدينة القيروان ، وسهولة درء الأخطار الناجمة عن الفتن والثورات وإخمادها في يسر ؛ لذا قالوا : ” إن سبب البناء يعود إلى أن الأمير يوسف بن تاشفين قصد المكان فوجده قاعًا صفصفًا لا بناء فيه ، ولكنه متوسط في موقعه يشبه توسط موقع مدينة القيروان  ونظرا لقربها من جبال المصامدة التى تعد معقلا لهم ، الذين امتازوا عن غيرهم بقوة الشكيمة وشدة الميراس ، فاراد أن يكون له موقع قريب من هذه الجبال ، حتى إذا فكر أهل المنطقة بالفتنة ، تمكن إخمادها بالحال. هذا على حد تعبير المراكشي.

وصفوة القول إن الدولة المرابطية الناشئة كانت بحاجة ماسة لحاضرة تضاهي مدينة القيروان مكانة ورونقًا جماليًا ، وتشمل كافة المؤسسات الإدارية والثقافية والإجتماعية ، وأن تأوي جمع القبائل في أمن واستقرار وإطمئنان ؛ وخاصة قبائل المصامدة . حتى باتت مراكش – فيما بعد – أصلح مدينة لإدارة البلاد لوقوعها في مكان وسط بين مناطق الجنوب المترامية الأطراف ومناطق الشمال . أضف إلى ما سبق ملائمة مناخها لمعظم هذه القبائل .

وأجمعت الروايات التاريخية أن زينب النفزاوية كان لها دورًا كبيرًا وراء تحفيز بناء عاصمة دولة المرابطين الجديدة وهي (مدينة مراكش) سواء عند وضع أسسها الأولى في عام (461هـ/1096م) أو عند استكمالها بدء من عام (463هـ/1071م) على يد زوجها الجديد أمير السلمين يوسف بن تاشفين. وهي التي تمتعت بالطموح العارم..حتى كان يوسف يذكر دوما فضل زينب أمام الملأ من الناس ويثني عليها ثناء حسنا، فكان إذا اجتمع بأبناء عمومته يقول “إنما فتح الله البلاد برأيها” على حد تعبير الناصري.

وقد تضاربت الروايات التاريخية حول تحديد تاريخ البناء. والأمر الراجح أن المدينة بنيت على مراحل متعددة. حيث شهدت المرحلة الأولى نصب الخيام وتطورت إلى بناء سنة (462هـ/ 1070م) على يد أبي بكر بن عمر ، وفي سنة (463هـ/ 1071م) قام الأمير يوسف بن تاشفين بإكمال بنائها ، وكذلك قام بنقل دار السكة إلى المدينة سنة (646هـ/ 1072م) ، وأصبحت المدينة منذ ذلك التاريخ حاضرة لدولته.

ولم تسلم ملكية أرض المدينة – قبل البناء- من تضارب الأقوال أيضا ؛ فقد تعددت الروايات بشأنها ، فإحدى الروايات تذكر أن الأمير يوسف بن تاشفين قد اشتراها من عجوز من المصامدة. بينما أوردت رواية أخرى بأنه اشتراها من أهل أغمات بما يملك من مال.

مناخ مراكش :

فالمناح في مراكش يمثل مناخ البحر الأبيض المتوسط مشتملا على فوائد مناخ المحيط الأطلسي ، ولكنه مع ذلك يختلف باختلاف المناطق.

فعلى شاطئ المحيط نجده معتدلا في الصيف باردًا في الشتاء شديد الرطوبة ، ولا توجد إلا مفارقات ضعيفة بين أشد الأيام حرارة وأشدها برودة ، وتزداد هذه النسبة كلما ابتعدنا عن الشاطئ إلى أن يصبح مناخًا بريًا بشكل دقيق.

ويتسع الفرق الحراري بين الليل والنهار في المناطق الجبلية كلما زاد ارتفاعها، وتتساقط على قممها الثلوج ويشتد البرد في فصل الشتاء وتكثر الزوابع في فصل الصيف . وتقل الأمطار والرياح ويتسع الفرق بين درجة الحرارة في الليل والنهار في المناطق الصحراوية الجنوبية .

وبذلك يتصف مناخ هذه المدينة بأنه شبه جاف ؛ حيث أن الصيف فيها حار وجاف ، والشتاء معتدل ورطب ، ويبلغ معدل درجات الحرارة فيها في فصل الشتاء حوالي 12 درجة مئوية ، إما في فصل الصيق فتتراوح درجات الحرارة بين 25- 30 درجة مئوية ، أما بالنسبة للأمطار فيها تعتبر أقل من نسبة الأمطار التي تتساقط على المدن المتوسطية الأخرى.

التطور الحضاري لمراكش :

وقد أزدهرت المدينة وتطورت سريعًا في عهد دولتي المرابطين والموحدين ، فعندما شيد الأمير يوسف بن تاشفين مدينة مراكش ، لم يقيم سورًا حولها ، بل أقام سورًا صغيرًا حول المسجد والقصبة المختصة بخزن الأموال والسلاح ، وبقيت المدينة بسور إلى أن اعتلى الأمير على بن يوسف عرش الحكم ، فشرع في تسويرها حماية من الأعداد ، بمشورة من القاضي أبي الوليد بن رشد ، بعدما قويت حركة المهدي بن تومرت ؛ ولعله أوجس خيفة من قبائل المصامدة المجاورة لها . كما استفتى فقها المسلمين في المغرب والأندلس بشأن بناء السور ، فأفتوه بالإيجاب . حماية للمدينة وسكانها من الاعتداءات عليها عندئذ أمر الصناع والفعلة والمهندسين ببناء السور . واستغرق إنجازه ثمانية أشهر من تاريخ البدء فيه ، وبلغت تكلفته سبعين ألف دينار ذهبا.

ويشير المؤرخ الألماني (يوسف أشباخ) لتطور المدينة قائلا : ” كانت المعاهد التي أسست في مراكش ترمي بالأخص إلى تخريج الجند البارعين أكثر مما ترمى إلى تخريج العلماء ، بيد أن العناية في هذه المؤسسات لم تكن قاصرة على تربية الأجسام وتدريبها على فنون الحرب وحمل السلاح بل كانت تشمل تثقيف العقول ، وتزوديها بالمعارف الضرورية وتعاليم المهدى الدينية ؛ ثم كانت تنشأ معاهد خاصة بالعلماء ، وتميز طوائفهم وفقا لمختلف الدرجات والكفايات ، ويمنحون مختلف الهبات والصلات ؛ وفي ذلك كله ما يدل على أن الموحدين كانوا يعنون بنواح أخرى غير الحرب وأنهم كانوا يشجعون العلوم والفنون ؛ بيد أنه لا ينكر أن ملوك الموحدين كانوا يعنون قبل كل شئ بالعلوم والفنون الضرورية التي يمكن الانتفاع بها في الحياة بسهولة أكثر من عنايتهم بالعلوم النظرية الخالصة ، فنراهم مثلا يشجعون الطب والأطباء ، ويرفعونهم أحيانا إلى مرتبة الوزارة ، وينشئون المستشفيات للمرضى وذوي العاهات والعمى والعرج والضعفاء ، وينشئون الشوارع والقناطر ؛ وفي البقاع المنعزلة القليلة السكان ينشئون الفنادق وأحواض الماء والآبار لينتفع بها الالسابلة ، ويحصنون الحدود ، ويزودون المدن بالقلاع والمساجد والثكنات والمخازن وجسور الماء.

وابتنى عبد المؤمن بن علي الموحدي من الأموال التى غنمها من المرابطين عدة أبنية فخمة في مراكش ؛ وكان من بين المساجد والمعاهد التى أنشأها المسجد الجامع الذى يتبع القصر ، وهو من صنع المهندس الشهير بالأحوص المالقي ، وقد أنشأه على أبدع طراز وفن ؛ وكان بهذا المسجد مخارج وأروقة بديعة الصنع ؛ وممرات سرية تمتد خفية إلى القصر  بحيث يستطيع أمير المؤمنين أن يزور المسجد وأن يغادره دون أن يراه أحد.

وكان منبر هذا المسجد قطعة فنية رائعة ، صنع من خشب الصندل الأحمر والأصفر ، وصنع كل ما فيه من إطارات ومزالج ومقاطيع ومسامير من الذهب والفضة صناعة فائقة ؛ وكانت المقصورة التي يجلس بها أمير المؤمنين أثناء صلاة الجمعة ذات تركيب عجيب ؛ فقد كانت حسب أقوال المؤرخين المسلمين تسع نحو ألف شخص ، وكانت تتحرك بواسطة عجلات ثبتت في أسفلها ، ولها ستة أذرع أو جوانب تمتد بواسطة مفاصل متحركة ؛ وقد صنعت هذه العجلات والمفاصل بحيث لا يترتب عليها عند تحريكها أقل صوت ، بل تدور جميعا في أتم سكون ، ونظمت المحركات بطريقة هندسية دقيقة بحيث تتحرك جميعا في وقت واحد متى رفع الستار عن أحد البابين الذين يدخل منهما أمير المؤمنين إلى المسجد عند صلاة الجمعة.

وكانت المقصورة تبرز من جانب ، ويبرز المنبر من الجانب الثاني ، وتلتف الجوانب في نفس الوقت حول مجلس أمير المؤمنين ، كذلك نظم المنبر بحيث بحيث يفتح بابه متى صعد إليه الخطيب ، ويغلق من تلقاء نفسه متى اتخذ الخطيب مكانه ، وذلك كله دون أن يسمع أو يرى أثر لهذه الحركات ، كذلك نظمت أبواب المقصورة على هذا النمط ذاته .

وأنشأ عبد المؤمن بن علي في ظاهر مراكش حديقة غناء تبلغ مساحتها ثلاثة أميال مربعة وغرس فيها أطيب الفواكه وأندر الغراس وأكثرها تنوعا ؛ وكان الماء يجلب إليها من مدينة أغمات ، وقد صنعت فيها عدة فساقي بديعة ، وكان إيراد أشجار الزيتون يقدر وحده في كل عام بثلاثين ألف دينار موحدي .

وبعد استيلاء الموحدين على المدينة ، أمر الخليفة يوسف بن عبد المؤمن الذى خلف أباه في الحكم ببناء (تامراكش) ، ووصلها بمدينة مراكش ، ولكن بناء تامراكش الواقعة في ظاهر المدينة لم يتم إلا في زمن نجله يعقوب المكني بأبي يوسف .

وألحقت بمدينة مراكش كورة عظيمة من أعمال مراكش . وهي مدينة آسفي . التي تعد من أعمال دكالة القريبة من البحر ذات الأرض المستوية . وهي فرضة مراكش  ، حيث يذكر أن الأمير على بن يوسف بن تاشفين قد بنى قصره المعروف بدار الحجر فيها . وقام بتسويره بعد الانتهاء من بناء القصر .

أما سور المدينة فقد شهد تغييرًا في زمن الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المؤمن إلى أن أمر بهدمه بقصد توسعة المدينة التي شهدت ازدحاما سكانيا . عندما قدمت إليها قبائل هسكورة وصنهاجة للإقامة فيها سنة (579هـ/1183م) . وقد أشرف شخصيا على هذه التوسعة وكلف المهندسين والصناع والخبراء إلى جانب الآلات في أعمال البناء وتوسعة المدينة ، وبعد إنجاز البناء أطلق على المدينة اسم جديد يعرف (بالصالحة) وحوت عددا جديدا من القصور والأسواق والفنادق . وفي زمن ابنه يعقوب المنصور بنى قصبة سميت بقصبة مراكش . وأحاطها بالأسوار وزودها بعدد من الأبواب ، مما أكسبها رونقا وجمالا وجعلها مثالا يحتذى به في بناء المدن .

واتخذها الخليفة الموحدي يعقوب المنصور سكنا له ولخواصه ، وأصبحت تعرف ب(تامراكش) تمييزا لها عن مدينة مراكش القديمة ، حيث تحيط بها البساتين وقصور الخلافة وعمرت بالأسواق والفنادق والمساجد ، كما بني قيسارية فيها قلما تجد مثيلا لها في المدن الإسلامية المعاصرة.

وكان يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن أشد شغفًا من أبيه بالأبنية الفخمة ؛ وقد ذكر المؤرخون المسلمون بين المنشآت العديدة التي أمر بإقامتها عدة ؛ منها في مراكش مساجد بأبراج عالية وقصور ذات حدائق غناء ، وحصن ذو أبراج عالية . وأنشأ في مراكش مسجدا فخما في مكان منعزل قليل السكان ، وأمر سكان الأحياء المجاورة أن يصلوا فيه وأن يغلقوا المساجد في أحيائهم .

أما فيما يتعلق بالعلوم وهي التي استؤنفت في عهد الموحدين ، فقد كانت المعاهد المغربية في مراكش تعد مجمع العلوم والمعارف التي كمانت ذائعة في ذلك العصر . وكانت هذه المعاهد تقدم إلى الطلاب كتبا دراسية في كل العلوم لتكون مقدمة وتمهيدا ، وكانت المحاضرات تفتح وتختم بالاحتفالات والخطب ، ويؤدى الطلبة بعد إتمام الدراسة امتحانًا في مختلف العلوم ؛ وكانت هذا المعاهد مزودة بالمكتبات .

وعندما ضَعفت دولة الموحّدين، وانقسمت إلى قسمين: واحدة في المغرب، وأخرى في الأندلس، وتوزع الحكم بين أبناء عائلة واحدة، حُكم يحيى بن محمد الناصر الحُكم في مراكش، ولكن عمّه أبو العلاء إدريس المَنصور رفض الاعتراف بحُكمه، ودخل مراكش مُستعيناً بجيش من الإسبان وقتل ابن أخيه، مُنهياً بذلك دولة الموحّدين.

وتوال بعد انقضاء عصر الموحدين  قيام عدة دول بمراكش أهمها ؛ دولة بنو مرين في مراكش في عام (668هـ /1270م)، وأيضا قامت في مراكش دولة بني الحسن العلويين في عام (916هـ /1510م). وخلال فترة حكم العلويين ؛ لاقت مراكش اهتمامًا خاصًا من قبل المولى رشيد والسلطان سيدي محمد، اللذين عملا على ترميم معالم المدينة، وبنَيا فيها العديد من المعالم الجديدة، التي ما زالت قائمةً حتى اليوم، وتَحمل تاريخاً حافلاً.

المصادر والمراجع :

– ابن أبي دينار  (ت 1110هـ/ 1698م) ، محمد بن أبي القاسم القيرواني : المؤنس في أخبار أفريقية وتونس ، دار المسيرة ، بيروت 1993م .

– ابن الأثير (ت630هـ/1232م) ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني : الكامل في التاريخ ، تحقيق د.عمر عبد السلام تدمري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1417هـ/ 1997م.

– ابن الخطيب (ت 776هـ/ 1374م) لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد : نفاضة الجراب فى علالة الاغتراب ، نشر وتعليق د.أحمد مختار العبادي وآخرون ، دار الشئون الثقافية العامة بغداد 1980م.

– ابن خلدون (ت808هـ/ 1405م) ، عبد الرحمن بن محمد : العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر ، تحقيق خليل شحادة ، دار الفكر ، بيروت ، ط2 ، 1408هـ / 1988م.

– ابن خلكان (ت 681هـ/ 1282م) ، أبو العباس خير الدين : وفيات الأعيان وأنباء الزمان ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، 1994م.

– ابن عذارى (ت بعد 712هـ/1313م) ، أبو العباس أحمد بن محمد المراكشي : البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب ، تحقيقي ليفي بروفنسال وآخرون ، دار الثقافة ، بيروت ، ط3 ، 1983م.

– الزركشي (ت 894هـ/ 1488م) ، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم : تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية ، تحقيق محمد ماضور ، المكتبة العتيقة ، تونس 1966م.

– الزركلي (ت 1396هـ/ 1976م) ، خير الدين بن محمود بن علي بن فارس : الأعلام ؛ قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط15 ، مايو 2002م .

– الناصري (ت 1315هـ/ 1897م) ، أبو العباس أحمد بن خالد السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ، تحقيق جعفر الناصري وآخرون ، دار الكتاب ، الدار البيضاء ، 1954م.

– القلقشندي (ت 821هـ/ 1418م) ، أحمد بن علي : صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، دار الكتب العلمية بيروت ، 1987م .

– المراكشي (ت 1378هـ/ 1959م) عباس بن إبراهيم : الأعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام ، المطبعة الملكية ، الرباط ، 1974م.

– مؤلف مجهول (ق12هـ/ 18م) : الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المراكشية ، تحقيق د.سهيل زكار ، عبد القادر زمامة ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء ، ط1 ، 1399هـ/ 1979م.

– ياقوت الحموي (ت 626هـ/ 1229م) ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله : معجم البلدان ، دار صادر ، بيروت ، 1993م

– ابن أبي زرع ، أبو الحسن علي بن عبد الله (ت بعد 726هـ/ 1325م) : الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس ، دار المنصور للطباعة والوراقة ، الرباط ، المغرب 1972م.

– حسن على حسن (دكتور) : الحضارة الإسلامية فى المغرب والأندلس ، عصر المرابطين والموحدين ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط1 ، 1980م

– عصمت عبد اللطيف دندش (دكتور) : الأندلس فى نهاية المرابطين ومستهل الموحدين ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1408هـ/ 1988م .

– ــــــــــــــ : أضواء جديدة على المرابطين ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط1 ، 1991م .

– عبد المجيد بن جلون : هذه مراكش ، مكتب المغرب العربي ، مطبعة الرسالة ، الطبعة الأولى ، القاهرة 1949م

– إبراهيم القادري بوتشيش(دكتور) : المغرب والأندلس فى عصر المرابطين (المجتمع ، الذهنيات ، الأولياء) ، دار الطليعة ، بيروت ، ط1 ، 1993م.

– يوسف أشباخ : تاريخ الأندلس فى عهد المرابطين ، ترجمة محمد عبد الله عنان ، مؤسسة الخانجي ، القاهرة 1985م.

– حامد محمد خليفة (دكتور) : يوسف بن تاشفين موحد المغرب وقائد المرابطين ومنقذ الأندلس من الصليبيين ، دار القلم ، دمشق ، ط1 ، 1423هـ/ 2003م .

– ــــــــــ : من أخبار المجاهدين انتصارات يوسف بن تاشفين ، مكتبة الصحابة ، الإمارات ، الشارقة ، 1425هـ / 2004م .

– خلدون محمد خير صالح وردات : مدينة مراكش دراسة سياسية وحضارية من القرن (5-7هـ/ 11-13م) ، رسالة ماجستير ، كلية الآداب ، جامعة اليرموك 1999م.

– مارمول كاربخال : إفريقيا ، ترجمه محمد حجي وآخرون ، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر ، 1989م

فيديو مقال مراكش عاصمة الغرب الإسلامي بين النشأة والتطور

 

أضف تعليقك هنا

أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة

أحمد عبد الفتاح أبو هشيمة

باحث دكتوراه بقسم التاريخ الإسلامي جامعة الفيوم