ويبقى الوطن

استيقظت في ذاك الصباح باكرا بعد ليلة ليلاء مليئة بالقلق والارق صحوت مرتبكة متعجلة متشوقة للولوج الى ذلك العالم الجديد .. انه اول ايامي في الجامعة.. تذوقت معنى تعبي وارقي وسهر الليالي وانا اقترب من دخول حياة جديدة في رقي المكان وحلاوة الوجوه واطمح بالعلم بشكل أكبر .. انها اماني وضعتها في فكري ماذا البس وكيف سأبدأ ومن سيكون قريب لي ..

أعرفكم عن نفسي

اهااااا نسيت ان أعرفكم عن نفسي انا هند الابنة الوحيدة لوالدي فقد ولدت بعد 13 عام من زواجهما بشرتي سمراء وأملك عيونا خضراء طويلة القامة رشيقة القوام الكثير يشبهني بالممثلة الهندية اشواريا، مستوانا المعيشي متوسط واليوم اول يوم لي في الجامعة، امي لم تترك وصية لم توصني بها، وانا تعبت وانا اخبرها بأن لا تقلقلي فأنا لم اعد صغيرة ولكن دون جدوى فهو قلب الام من يتكلم …

بدأت بأولى خطواتي وانا اخطو باب جامعتي .. رأيت وجوها تعتريها الرغبة في التفاخر ووجوها تشعر بالقلق وعيونا تطارد ارجاء المكان بفضول وحذر كما هو حالي انا (آه .. كم ابدو صغيرة جدا في هذا العالم الجديد الكبير انه لا يشبه مدرستي كل شيء مختلف تملكتني مشاعر مختلطة مشاعر سعادة ممزوجة بخوف وقلق .. حماس وتردد)

أول مرة أرى فيها الجامعة

كانت هذه أول مرة أرى فيها الجامعة وكأني ارى صرحا غريبا بممراته وسقوفه العالية .. رائحته .. تكون لدي معنى غريب لأتعرف على مكنوناته كنت اتطلع لحياة جديدة وصداقات واعية ولكني كنت اتوجس من البعض دون ان اعرفهم لكن بعض الوجوه تملي عليك ذلك .. كان كل شيء يبدو غريبا .. احسست بغربة شديدة .. الوقت يمضي بطيئا جدا .. اخذت انظر حولي لعلي أجد صديقتي “فرح” فقد أخبرتني بقبولها في نفس جامعتي وكم كانت فرحتي كبيرة عند رؤيتها .. وأخيرا وجدت شخصا أعرفه لتتبدد مخاوفي وغربتي في هذا المكان الكبير .. تعانقنا بشوق وسعادة .. تجاذبنا اطراف الحديث قليلا كنا منبهرين بالمدينة الجامعية وقلوبنا ترقص فرحا وكلنا أمل بالمستقبل ..

الفتى الأسمر صاحب القامة الطويلة

قلقة هي خطواتنا تنتابنا بعض سكرات الخوف ونحن نستطلع الوجوه التي تمر سريعا وهي تلج قاعة المحاضرات .. ذلك الفتى الاسمر صاحب القامة الطويلة اعتراني خجل وشوق وهزيمة .. نظراتي التي استرقها وانا اهم نفسي واجمع قواي لأساله عن مكان قسمي “صباح الخير” أكاد اغص فيها يأتيني صوته الأجش “صباح النور” ..تفضلي ..عفوا .. عفوا .. اي بناية من تلكم التي امامي هي قسم الهندسة .. مبتسم كشمس شتاء .. “يبدو انك طالبة في المرحلة الأولى .. اهلا وسهلا بك .. انها البناية التي امامك بالضبط ولكن مدخل الباب الرئيسي للقسم من الخلف .. شكرته وانا اتحاشى النظر الى تلك العينين ..

دخلنا القسم ووجدنا الطلاب مجتمعين يكتبون حول لوحة الاعلانات “عزيزتي فرح هل لاحظتي ان جدولة المحاضرات وتوقيتها مناسبة لظروفنا ” الحمد لله ان امتياز عصرنا الاعظم هو فكرة التقدم والاندفاع في سبيل الارتقاء .. اتمنى ان يكون توفر المعارف والمصادر وسهولة نيلها لمن يطمح لها .. عزيزتي فرح لنذهب الى مكتبة الجامعة كلي شوق لرؤيتها ..

ارتقيت سلم المكتبة صعودا وكنت متوجسة خجلا لولوجي عالم جديد أتمناه لكني لا اعرف عنه الكثير وكلما اقترب احد مني تعتريني موجة الخجل وأحس بالدماء تتصاعد إلى وجنتي لكني احاول جاهدة ان اخفي ذلك وراء ابتسامة لكني بكل مفردات اللغة كنت في داخلي مرتبكة .. انها الحياة الجامعية .. نعم هذا ماكنت اطمح اليه واتمناه .. انبهرت بما رأت عيني من كتب وموسوعات علمية كان بودي لو التهمها كلها ..

ومع حلاوة خريف ذاك اليوم الا اني كنت اشعر بين ظهراني وكأني في يوم قائض ..

استيقظت مذعورة..

ياإلهي أنه المنبه الصباحي كالعادة يزعجني … ماهذا!! انها كتب السادس الاعدادي أكان كل هذا حلم !! الم اذهب الى الجامعة وأين ذلك الفتى الأسمر !!! واخيبتااه … لا لا لا من غير المعقول ان يكون كل ما عشته واحسسته مجرد حلم لقد كنت مستمتعة به جدا.

يا إلهي هل تأخرت عن الامتحان الذي سيحدد مصيري اريد ان احقق هذا الحلم الجميل ..

وفجأة يرن جرس الهاتف .. تناولت هاتفي واذا بها صديقتي فرح تستعجلني للذهاب إلى المدرسة ﻷداء الامتحان، هيأت نفسي وتناولت فطوري وخرجت بسرعة لألتقي بصديقتي عند موقف الحافلة .. التقينا وبدأت اقص عليها ما مر بي من حلم جميل احسست فيه بمشاعر مختلطة من قلق وأمل .. تفاؤل وطموح ودهشة .. وأنا اعيش أولى ايامي الجامعية .. أخبرتها كم هي حياة جميلة واتفقنا على أن نبذل قصارى جهدنا من أجل الحصول على النجاح وتحقيق حلمنا الجميل …

مرت الأيام والسنين، كان ذلك الحلم وراء تحقيق طموحي، دخلت الكلية وعشت أيامها بحلوها ومرها كانت أجمل فترات حياتي حيث لم أكن مسؤولة عن شيء سوى دراستي وهدفي الأهم ألا وهو نجاحي وحصولي على شهادة التخرج التي كانت تعني لي ولعائلتي نصرا في معترك الحياة.

أيام لا يمكن محوها من الذاكرة حين كنا نتسابق للحصول على المقاعد الأمامية في القاعة الدراسية وقد كنت سعيدة حين كان لي أصدقاء من كل المحافظات …

وأخيرا تحقق حلمي

وأصبحت إنسانة ناجحة أسعى لتحقيق ذاتي وخدمة بلدي وتقديم ما املك من علم وخبرات للنهوض بوطننا ولملمة جراحه ورسم الابتسامة على شفاه اهليه .. ولكن لاتزال هناك غصة في قلبي رغم مرور سنين عدة على التخرج إلا أنني لا أزال أذكر ذلك الفتى الأسمر ذو الصوت الأجش الذي رأيته في أول يوم لي في الجامعة … لا أزال اذكر بدايات قصة جميلة كانت لاتزال تنمو بيننا .. مشاعر رقيقة .. نظرات تختصر آلاف الحكايات ولازلت أشعر بالندم  لماذا تصرفت بكل هذه القسوة والأنانية، لماذا خسرت أقرب إنسان الى قلبي الإنسان الذي شاركني أجمل سنوات عمري لماذا كنت مهزوزة أصغي لمن هب ودب …

وا أسفاه..

لاتزال كلماته الأخيرة تتردد في أذني

“لماذا قتلتي حكايتنا الجميلة؟”

لازالت الأفكار تجول في خاطري هل لي بفرصة او أمل أن ألتقي به مجددا وأعيد الحياة لمشاعرنا الفتية ونضع نهاية جديدة سعيدة لقصتنا الوليدة؟ هل يا ترى سيسامحني على سوء تقديري وقلة حيلتي ولأنني استسلمت لاختلاف المذاهب بيننا ونسيت لوهلة أن ما يقيم الإنسان سلوكه وأخلاقياته قبل شكله وعرقه ومذهبه وعقيدته؟

مرت السنين والتقيته صدفة في إحدى مظاهرات بغداد ضد الفساد والظلم ووجدت

إن ما يجمعنا هو أسمى وأكبر من أي اختلافات أخرى ألا وهو حب الوطن والنضال من أجل التغيير ..

حييته وابتسمت قلت له “آسفة .. آسفة لأنني تماشيت وتأثرت بالأفكار السلبية التي تغلغلت في واقعنا”

كان قد سامحني منذ وقت بعيد أخبرني أنه سيلبي نداء الوطن ويدافع عن كل شبر فيه وعن أمن ناسه وسعادة أهليه .. قلت له سأنتظر .. لكنه عاد في كفن عاد شهيدا من أجل أن يحفظ تراب هذا الوطن ضحى بنفسه من أجل أن تحيا ابتسامة طفل .. من أجل كل أب أو أخت أو دمعة أم .. عاد في كفن .. كي يحيا الوطن.

فيديو مقال ويبقى الوطن

أضف تعليقك هنا